مع اتساع وتيرة ورقعة التطبيع العربي مع الاحتلال الصهيوني، انزلقت الدول العربية المطبعة شيئاً فشيئا إلى ما هو “أرذل” من التطبيع السياسي والاقتصادي، لتصل إلى حد التماهي مع العدو بمجال التعليم والثقافة، والعبث بالمناهج التربوية، وهو ما شكل تحدياً غير مسبوق في العمل على فرملة إنتاجِ جيلٍ ممسوخٍ من هويته الدينية والوطنية، مع التأكيد دوماً على أن التطبيع الثقافي أو الأكاديمي يعتبر بوابة الانطلاق نحو التطبيع السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
في مقابل ذلك، تسعى المناهج التعليمية الإسرائيلية لزرع الكراهية المطلقة للعرب، ووجوب قتلهم، وليس أدل على ذلك من حديث المتطرف الديني وزعيم حزب شاس الروحي، “عوفاديا يوسف”، الذي وصف العرب قائلاً: “إنهم صراصير يجب قتلهم وإبادتهم جميعا؛ لأنهم أسوأ من الأفاعي السامة”.
والمثير في الأمر، أن التوجهات العنصرية في المناهج الإسرائيلية لم تتغير حتى في ظل وجود اتفاقيات سلام موقعة لاحقاً مع الدول العربية التي توصف في المناهج الإسرائيلية بأنها دول راعية للإرهاب.
في تقريرٍ لمنظمة أمريكية، رصدت فيه نجاح واشنطن في تغيير المناهج التعليمية في عددٍ من الدول العربية، عبر حذف انتقاد الصهاينة واليهود من الكتب المدرسية، ونجاحها كذلك بإدراج الكيان الصهيوني على الخرائط العربية بديلاً عن فلسطين، وتعليم الطلاب أهمية عملية السلام ما بين العرب والصهاينة. ودون أي ذكرٍ لمجازر الاحتلال في دير ياسين وقبية، يتم تعريف أطفال العرب بالهولوكوست!
ويهدف التقرير -الذي كتبه ديفيد أدندرو- إلى “إنشاء وتربية جيلٍ جديد من العرب لا يعرف معاداة أو كراهية للغرب أو إسرائيل”، في حين يكيل التقرير سيلاً من المديح لدولٍ قامت بالفعل بتغيير مناهجها المدرسية لصالح الاحتلال كالمغرب ومصر والإمارات والسعودية والبحرين والأردن، إلا أنه عرج على الأردن بالقول: بأنه “ما زال مطلوبا منه الكثير ليقدمه في مناهجه التربوية!”.
بالنظر إلى ما سبق، لا بد من التأكيد على أن الاحتلال الصهيوني يخوض معاركه الجانبية -غير العسكرية- مع شعوب المنطقة العربية حاملاً لواء تغيير الوعي العربي؛ إن لم يكن للأجيال الحالية فالأجيال القادمة هي الهدف، انطلاقاً من أن معركة الاحتلال الحقيقية مع إرادة الشعوب الحرة، وليست مع الأنظمة الخانعة. فالاعتقاد السائد لدى النخب الإسرائيلية أن الأجيال العربية هي العائق الحقيقي أمام تقدم المشروع الصهيوني في المنطقة، وهي من يحول دون تنفيذ المشاريع التوسعية للصهاينة في منطقتنا.
كالفيروس الذي يحتاج إلى لقاحٍ أو مضاد، فإن المطلوب منا كشعوبٍ حية أن نقف في وجه هذه الموجة الخطيرة من التطبيع الأكاديمي وهذا العبث غير البريء بالمناهج التعليمية، والعمل على غرس الأفكار الصحيحة عن قضيتنا الفلسطينية في نفوس الطلاب والناشئة، وإنشاء مجموعاتِ عملٍ متخصصة في الإعلام الجديد قادرة على كشف هذه الممارسات التي تستهدف نسيج الأمة؛ تكون قادرة على إدارة حملات المقاطعة الإعلامية مع الكيان الصهيوني، ونشر جرائم هذا الكيان، والتحذير من خطورة التطبيع بأشكاله المختلفة معه.