مديرية البن والموز والحدائق المعلقة خلف خطوط النار وفي مرمى القصف

رازح إحدى مديريات محافظة صعدة الواقعة على امتداد الشريط الحدودي مع العدو السعودي، ومثلها مثل مديريات ساقين وباقم الملاحيط وغمر والظاهر ومنبه وكتاف ..إلخ، مناطق تعيش تحت القصف الهمجي لتحالف العدوان المستمر منذ العام 2015م، وحتى اللحظة.. القصف شرد الآلاف من مساكنهم في هذه المديريات بعد أن دمرها طيران تحالف الشر والعدوان على رؤوس ساكنيها، فاستشهد المئات، وجرح وشرد الآلاف إلى مخيمات في محافظات الحديدة وصعدة وعمران وحجة.. قصفت المصالح الحكومية، والمدارس، والأسواق، والأعراس، والمآتم، وحتى دور العبادة لم تنج من همجية هذا العدوان الغاشم، ناهيك عن سقوط مئات الأبرياء من الشيوخ والأطفال والنساء ما بين شهداء وجرحى.
لكن، ورغم هذه الهمجية الهوجاء والتغطرس الأحمق، تبقى هذه المديرية وبالتأكيد ذلك هو حال رفيقاتها رمزا للصمود وقبلة للجهاد وعنوان شموخ لم ولن ينكسر، هذا ما شاهدته أم أعيننا، ونحن نزور تلك القرى المعلقة على سفوح جبال رازح، نزور جناناً من التنمية الزراعية والغطاء النباتي الكثيف الرائع الذي يكسو جبل الأزد، ووادي مشرقة على جنبات الطريق العام المؤدي إلى سوق المديرية بأنواع من الأشجار ذات العائد الاقتصادي زراعيا من موز وبن وتين وحراجيات ذات مردود اقتصادي من كلهب طنب عتم مساب وتالوق وشرقب.. وأعشاب طبية خوعة للجروح وعثرب للأكسار، والمرار للمعدة… وهلم جرا، بالإضافة إلى نباتات عطرية لا يتسع المقام لذكرها، ناهيك عن أعشاب وحشائش وأشجار مزهرة لغذاء النحل، ومراعي الماشية..
بل إن مجرد الكلام عن استمرار الحياة في رازح أمر طبيعي ومفروغ منه، وهذا لا يكفي لتوضيح عظمة الصورة، لماذا؟ لأن معاني الصمود والشموخ لدى ابناء هذه المديرية تبدو صورا أجلى حملت كل دلالات التحدي والإباء، وما أجملها من لحظات وأنت ترى التنمية تسير بخطى واثق، خلف خطوط النار.. فإلى هناك:

يحيى الربيعي

مع فجر13 نوفمبر 2021م، كانت الانطلاقة برفقة الزميل المصور زيد البكري إلى محافظة السلام صعدة، أخذتنا الهيلوكس بسرعة البرق، برفقة سائق رائع من أبناء صعدة، شدتني الذكريات بشوق وتلهف للتساؤلات عن مدينة صعدة مركز المحافظة، وما الذي يمكن أن تجرى عليها من تعديلات وتطورات عن آخر زيارة قمت بها لهذه المدينة التاريخية في عام 2002م، تخيلت أنها ستكون عبارة عن أكوام من الركام والاطلال، وأن أهلها سيكونون بعيدين عن المدينة…إلخ، من التخمينات التي سرعان ما تبخرت بمجرد أن قال السائق: يا خبير، وصلنا صعدة؟.. فإذا بي لا اصدق أني غادرت صنعاء، فما كان مني سوى القول: هه، من صدقك هذه هي صعدة؟.. نعم، هذه صعدة، أنت الآن في الفرزة.
الساعة حينها اقتربت من الـ1ظهرا، نزلنا وأخذنا في التواصل مع منسق مؤسسة بنيان، فإذا به كان منتظرا في نفس المكان، ليعطينا التعليمات بالانتقال من فورنا إلى مديرية رازح.
تركنا الحديث عن المدينة، فالمدينة التي وصلنا إليها يعيش أهلها صموداً أسطورياً، وعالماً في قمة المدنية الممتزجة بالشهامة والنخوة الأصيلة لمدينة السلام والحرية، وعند الساعة الثالثة انطلقنا في طريق ترابي متوسط الوعورة مع سائق خلوق من أبناء رازح، وأثناء المرور من مديرية ضحيان، رأينا ما لا تصدقه عين من الدمار الممنهج الذي تعرضت له البنية التحتية الزراعية والصناعية والحرفية، رأينا المزارع المحمية القافرة، والأسواق المغلقة، ومشاريع المياه المقصوفة عنوة.
مررنا بوادي خولان ابن عامر، ذلك الوادي الذي قيل أن المياه فيه كانت جارية طوال العام.. رأينا عجب العجاب، رأينا شيولات وبكلينات وهي تحفر في الرمل وتنقر في الصخر بحثا عن الماء الغور على جنبات الوادي، وعندما تساءلنا لماذا يفعل هؤلاء هكذا؟ كان الرد صادما، حيث أفاد سائق السيارة بأن قات المنطقة يعتبر من أجود وأغلى أنواع القات الذي يصدَّر، وهؤلاء يبحثون عن المياه لشفطها لري أشجار القات، وصلنا مركز مديرية رازح عند الساعة 7 مساء، حيث كان المبيت في استراحة المديرية.
وفي الصباح الباكر تواصلنا بالفرسان واللجنة الزراعية بالمديرية، فحضر اثنان من الفرسان والمسؤول الاجتماعي بالمديرية، وهناك انقسمنا إلى فريقين، مدرب الجمعيات أحمد الشرعبي رافقه المشرف الاجتماعي إلى عزل غير التي سنذهب إليها أنا والزميل البكري، والتي رافقنا إليها الفارسان إلى مدير الزراعة، وهناك استقبلنا المدير، وعلى الفور أخذنا على متن سيارته نحو عزلة النضير حيث وادي البرك وما أدراك ما وادي البرك الذي يستقبلنا فيه عاقل القرية والمزارع سلطان صادق سلمان الفرح الذي ضيفنا، كما جرت العادة، بجمنة بن صافي (يا حجاب الله والمذاق الرائع الذي لا تمّحى رائحته الزكية)، وبوري مداعة من حق الأب والجد.
آمنت حينها أني في القرية، حيث الأصالة والكرم اليمني العربي الأصيل، وأثناء ارتشاف فنجان البن الرائع، وتبادل قصبة المداعة فتحتُ باب النقاش حول المنطقة ومظاهر الجمال الباهر الذي ينشرح له الصدر، ويشفى العليل من سقمه لكثافة اخضراره بأشجار الموز والبن والسدر والطلح والطنب، والكثير من النباتات العطرية والطبية المنتشرة أينما ذهبت بناظريك.. وعندما شرعنا في فتح النقاش اعترضنا العاقل بالقول: “لنا مع التعاونيات تجربتان فاشلتان في هذه المنطقة، التجربة الأولى حصلت في السبعينيات ساهم المواطنون في مزرعة دجاج، وفشلت لم يستفد منها المواطن بشيء”.
مواصلا: “والثانية كانت مع احد المواطنين، والذي قام بعمل مزرعة دجاج بنظام المساهمة، ودفع الناس مساهماتهم ونجحت المزرعة، لكن المشروع تعرض لمحاربة بمجرد أن بدأ يخرج إنتاجه إلى السوق، فكانت الصدمة أن امتنع الجزارون عن شراء أو حتى ذبح منتجات هذه المزرعة من البيض والدجاج، ما عرض المشروع لخسائر انتهت على إثرها المزرعة، المحاربة كانت من قبل المستفيدين من جلب الدجاج من صعدة، حتى أنهم بمجرد أن نزلت منتجات المزرعة بأسعار أرخص وأجود سارعوا إلى خفض القيمة إلى القيمة الأدنى من سعر المزرعة بغرض الإضرار وليس المنافسة، وهذه الأساليب كان النظام السابق يدعمها من أجل حماية مصالح أوليائه”.
وأضفت مستفهما: محصول الموز الموجود في المنطقة يستغله تاجر واحد يقوم ببيعه إلى دول الجوار، إذا قامت الجمعية ببيع الموز إلى دول الجوار، فهذا هو ما سينفع المزارعين، أما إذا كانت الجمعية ستقوم ببيعه للمحافظات فقط، فلن تلقى أي استجابة، وثانيا: من أين سنأتي برجال صادقين يتولوا هذه الجمعية؟
وانطلقنا على إثر حديثه في جولة نطوف من خلالها المزارع المعلقة بين ظهور الجبال وضفاف الوادي، وأثناء السير، أوضحت: أولا، الجمعية هي عبارة عن كيان ينوب عن المزارعين، فبدلا مما كل مزارع يسرح يسوق منتجه بنفسه أو يأتي، كما تقولون واحد يستغل الكل، هذه الجمعية هي من ستسوق له وتبيع له المنتج من التجار، وهي كذلك ستعمل في صالح إنماء المنطقة ومدها بالخدمات، بل ستكون بمثابة حكومة مصغرة في المنطقة بالنسبة للمزارعين.
وأشرت إلى أن اختيار الهيئة الإدارية التي ستتولى إدارة شؤون الجمعية يأتي من أبناء المنطقة وعلى نظر المجتمع والجمعية هي شركة المساهمين فيها، ومن مهامها أن تضمن المزارعين عند التجار لتوفير مستلزمات المزارعين من المدخلات.. وتكوين الجمعية يبدأ من شراء الأسهم وتكوين رأس المال من قبل المزارعين ومن يرغب من أبناء المنطقة المساهمة، ثم انتخاب هيئة إدارية من رئيس للجمعية ومدير تنفيذي ومحاسب وما إلى ذلك من الوظائف المطلوبة حسب نشاط الجمعية.
المزارع سلطان يرد: “مشكلة مزارعي رازح إذا سوّق إلى صعدة يضرّ به الموز الآتي من خارج المحافظة، متفقين أن وجود الجمعية سيكفل تسويقه إلى أكثر من منطقة، لكن المشكلة أننا تعاقدنا مع تاجر منافس لهذا التاجر المحتكر لتسويق الموز، وقام فعلا بالشراء منّا، وقلنا له هل لك استطاعة على كسر احتكار السوق؟ قال: ما عليكم.. التاجر الأول كيف فعل؟ رفع سعر الكرتون الواحد عبوة 200حبة من 5 آلاف ريال إلى 25.000 ألف ريال، وضرب التاجر المنافس ضربة قاضية حتى أنه فلّس به”.
مضيفا: “التاجر بمجرد أن ضرب صاحبنا أعاد سعر الكرتون إلى 5 آلاف ريال، كما أنه يشتري البضاعة بالآجل ولا يدفع قيمتها إلا بعد أسبوع، وبالتالي فلن يكون مصير الجمعية أقل من مصير مزرعتي الدجاج.. كنا قبل العدوان نبيع الموز بشكل جماعي يجتمع 2 – 3 مزارعين ويكلفون منهم واحداً يسرح يبيعه، لكن كانت المنافذ مفتوحة وكان الموز يبتاع بأغلى الأثمان”.
مدير مكتب الزراعة والري بالمديرية المهندس عبدالله عايض- شارك بدوره في النقاش مؤكدا أن فكرة الجمعية تصب في هذا الاتجاه الذي سيكون وفق آليات تعاون وتكاتف يتفق على الالتزام بها بين الأعضاء المساهمين، فالجمعية ستمثل كيانا ينوب عن المزارعين المساهمين فيها، أي أن المزارع هنا سيكون حريصا على أن تقف الجمعية على عودها، وبالتالي فلن يبيع بغير السعر المناسب والذي ستحدده الجمعية وفقا لمعايير عرض وطلب السوق الداخلي والخارجي والذي ستحرص الجمعية على إبرام عقود صفقاتها مع تجاره بالكميات التي يودون شراءها من الموز أو البن الرازحي، وعلى ضوء هذه العقود ستشعر الجمعية المزارعين المساهمين في عضويتها بما يتطلب على كل مزارع توريده إلى مخازنها من المنتج.
وأضاف: “بتشكل الجمعية في هذه الصورة لن يكون أمام هذا التاجر من خيار سوى المساهمة في الجمعية ويشتري منها بالسعر الذي تقرره هي، أو يتعرض للخسارة، ولن يبيع له أيّ أحدٍ من المزارعين المساهمين في الجمعية مهما قدم له من إغراءات، لماذا؟ لأن المزارع مساهم في الجمعية وأي تواطؤ منه مع التجار سيعرضه للخسارة مرتين، تماما كما سيستفيد من الجمعية مرتين، فهو يبيع بها بسعر مجزٍ، ويقبض منها أرباحا كل نهاية عام مالي، وبهذا تحتل المشكلة”.
فقلت: الاحتكار والاستغلال مشكلة كانت خطيرة وعريقة، لأنها سياسة غرست في أذهان أرباب الأنظمة السابقة، أما اليوم، فبفضل الله فليفرح المؤمنون بأن رزق الله هذه الأمة الطيبة بقيادة حكيمة ممثلة بسماحة قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه تسير وفق منهج رباني وثقافة قرآنية سمحة تحقق العدالة الاجتماعية وتعلي من شأن المنتجين وتدافع عن حقوق الفاعلين منهم وفق معايير وموازين هدى الله، وبالتالي، يصبح من الضرورة بمكان رفع وعي المجتمع بمبادئ التحرر، تلك المبادئ التي اختط معالمها الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي سلام الله عليه، وإذا ارتفع وعي المجتمع بهدى الله وأصبح القرآن دليله سيعرف مصلحته بالتأكيد وسيتحرر من جميع القيود ويكسر كل احتكار أو استغلال.
وأضفت: “أما المشكلة الثانية، المتمثلة في وعورة الطريق فهي مسؤولية المواطن نفسه فعليه أن يستغل الموارد المتاحة لحلحلة كل مشاكل المنطقة تماما كما كانت عادات الآباء والأجداد في الجايش والعانة والفزعة والغرم وغير ذلك من العادات والتقاليد الطيبة التي كانت منتشرة في أوساط المجتمعات الريفية التي بالتعاون والتكافل استطاعت أن تهزم قساوة الحياة وتحول تحدياتها إلى فرص، كانت حياتهم قائمة على التعاون والمبادرة المجتمعية وبإحياء هذه السنن والعادات الحسنة ستتحول الطريق من خط يسمح بمرور سيارة واحدة بصعوبة إلى خطين تسمح بمرور سيارتين”.
ويشارك في النقاش المعلم/ المزارع فرح قرحوش بقوله: “معنى هذا أننا اليوم مطالبون بأن نكون يدا واحدة، ووفق منهج قويم، كي نضمن ألا أحد يقدر أن يهضمنا لا تاجر، ولا غيره، والطريق بتعاوننا وبجهودنا الجماعية سنكون قادرين من ذوات أنفسنا أن نصلح، ولن نحتاج لمشاريع دولة ولا معونات منظمة، وهذا التعاون يمكننا أن نبدأه بنظام جمع التبرعات، وفي المستقبل من الممكن أن تكون من أرباح الجمعية بحيث يتم تخصيص نسبة من أرباح المساهمين حسب عدد من الأسهم يتم استغلالها لصالح الطريق ولا ننتظر الدولة لإصلاحها أو أي منظمة، نحن قادرون على فعل كل شيء بجهودنا وإمكاناتنا الذاتية، هذه مسؤولية وقد كانت عادات وتقاليد سابقينا”.
مضيفا: “المفترض أن نرجع إلى موروث الآباء والأجداد من جديد.. المنظمات خربت المجتمع وجعلت الشعب متسولاً، إلى درجة الوصول بالبعض إلى أنه إذا رأى أحداً يحمل شنطة أو لابس “يلق” مكتوب عليه(…) سارع إليه يستقبله ويتملق له متسائلا: هيا ما عاد تدوا لنا؟ أنتم منظمة؟ أصبح المواطن في حالة يرثى لها في الجانب النفسي”.
المنتجات الموجودة في وادي البرك عزلة النضير هي: البن، الموز، ذكر النخيل، كما توجد برك متنوعة، وغريبة الأطوار منها ما هو لمياه الشرب، وتكون مغطاة تماما، ومنها ما هو مفتوح للري.. وتنتشر الثروة الحيوانية بأعداد متناثرة هنا وهناك حين يوجد الغطاء النباتي الكثيف المزين بمختلف أصناف النباتات بالإضافة إلى انتشار كثيف لأشجار العلك، والطنب، والسدر.
وفي مصادر المياه يعتمد أبناء المنطقة على مياه الأمطار بشكل أساسي، وتوجد بعض الغيول والعيون فقد قام أبناء المنطقة ببناء البرك المنتشرة في الوادي بشكل كثيف لحصاد مياه الأمطار، وبأعماق تصل إلى 50 مترا بعرض 2 – 3 أمتار، منوها بأن وادي البرك كان مشهورا إلى فترة قريبة بزراعة القات، ولكن الآن تم قلع أغلب مزارع القات لصالح انتشار زراعة البن، والموز الرازحي كبديل.
أخذنا جولة في الوادي مشيا على الأقدام، انشرحت خلالها شرايين القلب بعد أن استنشقت من الهواء النقي، وانتعشت الروح لما توصلنا إليه من حوار انتهى بتفهم، وقبول، بل والشروع في مباشرة التواصل مع فرسان التنمية من أجل بدء التنسيق لتشكيل الجمعية التعاونية، وعدنا من الطريق التي لا تكاد تتسع لكفري السيارة، صحيح مرصوصة إلا أنها لا تزال خطيرة، وتحتاج إلى توسعة، إذ لا يوجد سوى موقفين يمكن لسيارتين فيهما المرور، أما إذا التقت السيارة بسيارة أخرى فيما بين هذين الموقفين فأحدهما لابد أن يضطر للعودة إلى الموقف الأقرب.
انتهى يومنا عقب مقيل حافل بنقاش مستفيض حول الأسمدة والمبيدات، ومدى ما تحدثه هذه المواد من ضرر فادح بالتربة والإنسان والحيوان، لاسيما مع الاستخدام العشوائي والارتجالي المفرط الذي وصل عند البعض إلى القيام بخلط أكثر من نوع من المبيدات في الرشة الواحدة دون معرفة مصدر هذه المبيدات أو بلد صنعها.. أمحرم استخدامها أم مسموح.. ليس هذا فحسب، بل لقد أفجعنا أحد مزارعي القات حينما قال إنه يسمّد للقطفة الواحدة بثلاث أنواع من السمادات، الأبيض، فالحديدي الأحمر، فالمغناسيوم وأخرى، مؤكدا أنه لا ينسى التسميد بمخلفات الدجاج.
انتخاب البذور
وفي صباح اليوم الثاني قمنا بدورة في مركز المديرية، وهناك على مشرفة وادي المغاوير جلسنا نستمع إلى حكاية المزارع فارس صغير أحمد جبران أحد مزارعي خضرة الفجل، والكراث، والبصل، والجرجير، وغيرها، والذي أفاد بأنه لا يزال محافظا على خبرات الآباء والأجداد في انتخاب البذور، مستدركا إنها تصاب بالأمراض، لأن أصولها من الخارج ويتم انتخاب بذورها محليا، منوها بأن الطقس يصيبه أحيانا بضربات تؤدي إلى خرابه، أو يحصل فيه “بهق” بسبب الزراعة المتكررة في مكان تربة واحدة، مشيرا إلى المصادر المتوفرة والتي هي عبارة عن آبار سطحية لحصاد مياه الأمطار بعمق يتراوح ما بين 30 – 50 مترا، والرفع بمواطير صغيرة، والتسويق حسب السوق، أحيانا تمام، وأحيانا بورة، وأحيانا (هه وهه).
وادي المغاوير
أما المواطن (فايز حسين محمد ظافر)، من أهالي وادي المغاوير، الذي التقينا به أثناء صعوده مشيا على الأقدام على مشرفة الوادي المطلعة على مركز المديرية والذي تحدث عن مشكلة الطريق من مركز المديرية إلى وادي المغاوير قائلا: “لا توجد لنا طريق تربطنا بمركز المديرية، ونقوم باستخدام “الحمير” في نقل منتجاتنا من الموز والبن، وكذلك جلب ما نحتاجه من متطلبات من القمح والإسمنت، وكل شيء من المواد الغذائية والمستلزمات الأخرى.
وأضاف: المريض نحتاج إلى نقله إلى المركز الصحي بالمديرية إلى طلب جايش (مجموعة من الرجال يحملونه على أكتافهم على نقالة)، وكذلك إذا حصل وأن أعسرت يحملها الرجال جايش، والتعاون موجود حتى إذا كان هناك شخص وقرر أن يعمر له بيتاً يقوم الكل بمساعدته في توفير مواد ومتطلبات البناء من إسمنت ونيس وخلافه؛ تجمع لذلك الحمير من كل بيت في الوادي.
وتابع: قبل حوالي عام أطلقنا نحن أبناء الوادي، وبتحفيز من فرسان التنمية ومباركة مدير المديرية مبادرة شق طريق بطول 2 كيلومتر، لكن الحلم توقف فجأة، ولم يشق فيها إلا قليل، وتوقفت بسبب أن الناس معهم أسر، وهم مشغولون بالبحث وراء لقمة العيش، ورتبنا العمل أدواراً بحيث يكون على كل شخص في الأسبوع ثلاثة أيام، وتبرع المدير بمخيم كنا نقعد فيه نتغدى ونخزن، ونشتغل، وأثناء ما نحن على هذا الحال، إذا بمنظمة تأتي، وتقول إنها سوف تدرج المشروع في خطتها القادمة، فتكاسل الناس، وتفالتوا واحداً بعد واحد، والآن وقفنا منتظرين لها إلى أن تأتي تساعدنا.
جلسة توعية
قلت: هذه الطريق هي في الأصل لكم، وأنتم المستفيدون من خدماتها، وهي رأس مال لا تقلّ أهمية توفيره عن ما تقوم بتوفيره من مدخلات زراعة الموز، والبن، وبالتالي فأنتم المسؤولون أولاً عن مواصلة جهودهم الذاتية في شق ورص الطريق بجهودكم الذاتية من خلال التبرعات بما يتطلب المشروع من كلفة، وتقسيم الأدوار فيما بينكم أو تحددون يوماً أو يومين في الأسبوع تجتمعون فيه كلكم يا أبناء المغاوير (إشارة إلى مجاميع كانت تصعد وتقف لتستمع وتشارك في الحوار)، وتنجزون- إن شاء الله- ولو مترين في الأسبوع، فالألف ميل يبدأ بخطوة، لا تنتظروا المنظمات، ولا الحكومة حاليا قادرة على فعل شيء.. المجتمع، أعني أنتم يا أبناء المغاوير، في الظروف الحالية هو الأجدر بتولي حلحلة مشاكله بنفسه بجهوده وفي حدود إمكانياته الذاتية، وقليل في المثل (ما شلته الرجال خف) و(غرامة ولا ملك).
أنتم تقولون إن الوادي يمدكم بخير وعطاء من الله، وأنكم تزرعون البن والموز والقات، وتبيعون في السوق المحلي، وتصدرون، والحمد لله الذي منّ عليكم- كما قلتم- بنعمة الثروة الحيوانية من أغنام وضأن وبقر وحمير، وأن أقلّ أسرة معها من 20 إلى 80 رأساً، والبعض يصل إلى 100 رأس، والأرض مدرجات خيّرة، والوادي يزرع الذرة الرفيعة بأنواعها.. انذروا من عطاء الله عليكم بنسبة بسيطة يدفعها كل واحد إلى صندوق خاص بشق الطريق، وانطلقوا في أدواركم مراهنين على هداية وعون القائل سبحانه وتعالى: “والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا”.
وهناك عقدت جلسة توعوية لمجموعة من المزارعين بأهمية تشكيل الجمعية التعاونية، وشرح دورها في تنظيم عملية التسويق، وتوفير المدخلات من بذور محسنة ومناسبة حسب لنوعية التربة وأحوال المنطقة، انتهت بتفهم الحاضرين لأهمية الإسراع في تشكيل الجمعية.
انشرحت وجوه الحاضرين من أبناء الوادي بما سمعوا من نقاش شاركني فيه المهندس عبدالله عايض مدير مكتب الزراعة بالمديرية بالكثير من العبارات التحفيزية الحاثة على التعاون، وبيان عن توفيق الله الذي يبعثه في الأعمال الجماعية، وخاصة تلك التي يستفيد من عوائدها شريحة كبيرة من الناس.
هذه كانت محطتنا الأخيرة في رازح، فالعودة مباشرة إلى مدينة السلام صعدة على متن سيارة شاص لأحد المقاوتة من أبناء رازح الطيبين.
ختاما
يغلب على مناطق بني معين، والشوامي في رازح زراعة الذرة الرفيعة بيضاء، حمراء، ورومي (الذرة الشامية)، وتزرع عقر عنثري وخالية من الأمراض.. كما تشتهر رازح بزراعة الخضروات كالبطاط والطماطم والقشمي والبقل، تزرع على آبار سطحية تحفر على أبعاد تتراوح ما بين 50_70 مترا، وغالبا ما تكون حصادا لمياه الأمطار، هذا بالإضافة إلى ما تشتهر به مناطق (البرك، دهوان، المغاوير، سجر، بيناو، وغربي الشوارق، وبني صياح) من زراعة الموز، والبن، ومناحل العسل، ومحاصيل زراعية متنوعة.
وتعتمد الحراثة، وكامل العمليات الزراعية على الوسائل التقليدية، لأنها مناطق مدرجات ووديان وعرة، وتحتل الحمير رقما قياسيا مهما في عالم الحراثة، ووسائل النقل، يليها في وسائل المواصلات الموترات فالشاصات، والسيارات الدبل المرتفعة خاصة في المناطق التي فيها طرق وعرة معلقة في الجبال.
وتحتل نسبة زراعة القات في رازح المرتبة الأولى، إذ يزرع في بني ربيعة بنسبة 90 %، والغور 40 %، والشوامي 40 %، والشوارق 60 %، وبني القم 90 %، الحجلة 20 %، وبكيل 40% قات. العلى60 %، ويعمل فيه أكثر من 12 ألف ((عتال))، يأتون للعمل فيه من مختلف محافظات الجمهورية، بالإضافة إلى أبناء المنطقة الذين لهم حوالي80 % من مصدر الدخل.. الميزة أن المزارعين يحرصون على زراعة الذرة الرفيعة، والشامية زراعة بينية في مزارع القات، والبن، وكذلك الموز.

قد يعجبك ايضا