“جريمة الكلورديكون”… إحدى جرائم فرنسا في جزر الكاريبي
Share
لا تزال جزيرة غوادلوب الفرنسية تعيش على صفيح ساخن مع ازدياد حدّة الاحتجاجات التي تهزّ شوارعها منذ أكثر من أسبوع. النقطة التي أفاضت كأس الغضب كانت فرض إلزامية “الجواز الصحي”، فيما كانت الكأس أساساً مليئة مع “غياب تامّ للرعاية الحكومية، ومشكلات الولوج إلى المياه الصالحة للشرب، والتربة المسمَّمة، وضعف البنية التحتية” حسب إحدى نقابيات الجزيرة.
مشكلات على رأسها “قضيّة الكلورديكون”، التي عادت إلى السطح مع الحراك الاحتجاجي الغوادلوبي، حيث يطالب المحتجون الحكومة الفرنسية بتحمُّل مصاريف التحاليل المخبرية للكشف عن هذه المادة القاتلة بشكل كامل ولكل سكان الجزيرة.
هذا مع استمرار تأثير الكلورديكون القاتل متفشياً بين الغوادلوبيين، فاضحاً إحدى أبشع جرائم التسميم الممنهج الذي مارسته السلطات الفرنسية ضد أولئك السكان، وضربها بصحتهم العامة عُرض الحائط، مقابل جشعها لما تُدِرّه محاصيل الموز القادم من هناك.
عام 2006؛ أي بعد سنوات من انتشار المبيدات السامة في أقاليم ما وراء البحار الفرنسية في جزيرة “مارتينيك” و”غوادلوب”، قدمت 7 منظمات شكوى ضد الحكومة بتهمة “المخاطرة المتهورة”.
وفي مقال رأي نشرته “واشنطن بوست” (Washington Post) الأميركية، قالت الكاتبة، رقية ديالو، إنه بعد مرور 15 عاما، في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، نظر أخيرا قضاة المحكمة العليا بباريس في هذه القضيّة.
وعلى الرغم من أنه ما تزال هناك مخاوف جدية من رفض القضية قبل تحقيق العدالة، فقد تأخر هذا الأمر كثيرا نظرا لحجم المأساة، وهناك العديد من القصص المماثلة في المستعمرات الفرنسية السابقة.
وصُنع مبيد الكلورديكون في الخمسينيات من القرن الماضي في الولايات المتحدة، وبيع تحت اسم “كيبوني”. وتسبّب هذا المنتج بإقامة محاكمة أثارت اهتمام وسائل الإعلام، حيث وقع حظر المبيد بالولايات المتحدة في 1975.
وبعد 4 سنوات، صنفت منظمة الصحة العالمية المادة الكيميائية على أنها مادة مسرطنة محتملة. وفي 2009، وقع إدراج المادة في قائمة الملوثات العضوية الثابتة بموجب اتفاقية ستوكهولم، وحظر إنتاجه في جميع أنحاء العالم.
وبدأت فرنسا باستخدام المبيد في منطقة البحر الكاريبي في مزارع الموز عام 1972، ووافقت رسميا على المنتج في 1981. وفي نهاية المطاف، وقع حظر المبيد في الأراضي الفرنسية في 1990.
وحتى بعد ذلك، سمح تصريح وزاري باستخدامه إلى حدود عام 1993 في هذه “المحافظات”، وهي التسمية الفرنسية للوحدات الإدارية للحكومة المحلية مثل تلك الموجودة في “مارتينيك” و”غوادلوب”.
جماعات الضغط التجارية
في هذا الصدد، كانت الوكالات الصحية وجماعات الضغط التجارية الزراعية متواطئة، وهو ما وضّحته جيسيكا أوبلي في روايتها المصورة “توكسيك توبيكس” (Toxic Topix). وأدت العواقب الوخيمة إلى حالة تلوث بيئي فريدة من نوعها في العالم، ويمكن أن تستمر إلى حدود 700 عام.
وأضافت الكاتبة أنه نتيجة لتسمم التربة والمجاري المائية والماشية والمخزون الزراعي، تضرر آلاف الأشخاص جسديا. وبالإضافة إلى ذلك، تعرضت قرابة 95% من جزر غوادلوب، و92% من جزر مارتينيك لمبيدات الآفات، وسجّلت الإدارات أعلى معدلات للإصابة بسرطان البروستات في العالم عام 2018.
وقد أثبتت لجنة تحقيق برلمانية بقيادة عضو البرلمان في مارتينيك، سيرج ليتكيمي، أن التلوث يؤثّر على نمو دماغ الأطفال، ويزيد من مخاطر الولادة المبكرة. ووفقا للتقرير، كانت الدولة على علم بالخطر المحتمل للكلورديكون منذ عام 1969.
وليست هذه هي المرة الوحيدة، التي أساءت فيها فرنسا معاملة أولئك الذين هيمنت القوة الاستعمارية على أسلافهم.
فعلى سبيل المثال، يحظّر القانون الفرنسي الرشّ الجوي لمبيدات الآفات، التي يمكن أن تنتشر في المنازل والمدارس الخاصة.
وفي المقابل، صاغت الحكومة إعفاءات خاصة للأقاليم الخارجية، مثل زراعة الأرز في غويانا الفرنسية.
وفي بولينيزيا الفرنسية، أخفى الجيش الفرنسي تأثير التجارب النووية، التي أجريت بين الستينيات والتسعينيات من القرن الماضي لفترة طويلة. وفي الوقت الراهن، ما يزال ضحايا هذه التجارب يكافحون للحصول على تعويض.
تتناول القضية المبيد الزراعي “الكلورديكون” الذي صنع في خمسينيات القرن الماضي بالولايات المتحدة، وبيع تحت اسم تجاري آخر هو “كيبوني”، لكن المنتج تسبب بجدل كبير حقبة الستينيات والسبعينيات، بعد ثبوت احتوائه على مواد مسرطنة.
وحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإن شركة Corporation المصنعة للمبيد الزراعي Kepone قد خضعت للمحاكمة بسبب إسهامها بتلوث نهر جيمس بالمبيد الحشري شديد السمية.
وتضيف الصحيفة أنه تم توجيه 153 تهمة لشركتي Allied Chemical و Life Science Products التي ساعدتها في تحضير المركب الحشري، وتسببت بتلوث النهر ورافده.
ومع أن المبيد تم حظره من قبل الولايات المتحدة البلد المصنع له عام 1975، ثم حظره عام 1979 من قبل منظمة الصحة العالمية وتصنيفه كمادة مسرطنة، إلا أن فرنسا وافقت عام 1981 على تسويق المنتج.
وفي عام 1990 قامت باريس بحظره على الأراضي الفرنسية، ومع ذلك استمر تسويقه حتى عام 1993 في الوحدات الإدارية للحكومة المحلية، أي تلك المستعمرات التابعة لفرنسا فيما وراء البحار كجزر “مارتينيك” و”غوادلوب”.
ومنذ عام 1972، تستخدم فرنسا المبيد في منطقة البحر الكاريبي في مزارع الموز، ووفقا لتقرير أصدرته لجنة تحقيق برلمانية بقيادة عضو البرلمان في جزيرة “مارتينيك” الفرنسية، سيرج ليتكيمي، فإن الدولة كانت على علم بالخطر المحتمل للكلورديكون منذ عام 1969.
استغرق الأمر طويلا حتى اعترفت باريس بمسؤوليتها، عندما وصفها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2018 بأنها “فضيحة بيئية”، قبل أن يخفف من لهجته ويقول عقب ذلك إنه لا ينبغي القول إنه مادة مسرطنة.
الأمر لا يتوقف عند تورط باريس بإصدار تصاريح ببيع المنتج المحظور، بل يتعدى ذلك لجريمة إخفاء وثائق قدمت من قبل المنظمات البيئية في المستعمرات الفرنسية.
وحسب التلفزيون الفرنسي France info فإنه تم الاستماع لثلاث جمعيات من “مارتينيك”، و4 من “غوادلوب”، وبعد أكثر من 4 ساعات من النقاش تبين أن عدة وثائق مهمة اختفت بشكل غامض من الملف الذي تم تقديمه للمحكمة.
مواد مسرطنة
وحسب الكاتبة الفرنسية جيسيكا أوبلي، فإن تلك المبيدات أدت إلى عواقب وخيمة وتلوث بيئي فريد من نوعه وطويل الأمد يمكن أن تستمر آثاره لنحو 700 عام، مضيفة أن تلك المبيدات تسببت بتسمم التربة والمجاري المائية والماشية والمخزون الزراعي وتضرر آلاف الأشخاص جسديا.
تضيف الكاتبة الفرنسية في كتابها “Toxic Topix” أن 95 بالمئة من جزر غوادلوب و92 بالمئة من جزر مارتينيك تعرضت لمبيدات الآفات، ما تسبب لاحقا بإصابة سكان تلك الجزر بالسرطان، حيث سجلت تلك الإدارات أعلى معدل للإصابة بسرطان البروستات عام 2018.
وفي تحقيق أجرته صحيفة لوموند الفرنسية في يونيو/حزيران 2018 قالت إن استخدام مبيد الكلورديكون منذ 1972 وحتى 1993 في مزارع الموز بجزر غوادلوب ومارتينيك يمثل فضيحة صحية في هذه الجزر.
وأكدت الصحيفة أن ذلك “تسبب في تلوث التربة والأنهار والماشية والأسماك والمحار والخضروات والسكان أنفسهم، في قصة شابتها مناطق رمادية غير معروفة كثيرا في فرنسا المتحضرة”، بحسب تعبير الصحيفة.
وفي 2009، تم إدراج المادة بقائمة الملوثات العضوية الثابتة بموجب اتفاقية ستوكهولم، وحظر إنتاجها في جميع أنحاء العالم، ففضلا عن تسببها بسرطان البروستات، فإنها تسبب أيضا اضطرابات في الغدد الصماء، وتؤثر على النظم الهرمونية.
ونقلت “بي بي سي” عن أمبرواز بيرتين أحد سكان جزيرة المارتينيك في البحر الكاريبي وهو رجل سبعيني أصيب بسرطان البروستات متأثرا بالمبيد الحشري الكلورديكون ثم أصيب باضطرابات الغدة الدرقية قوله (استعبدنا أولا.. ثم تسممنا).
ويضيف بيرتين: “لم يخبرونا مطلقا أن الأمر خطير، لذلك كان الناس يعملون، لأنهم يريدون المال، لم يكن لدينا أي معلومات حول ما هو جيد وما ليس بجيد، لهذا السبب يتسمم كثير من الناس، كل ما نعرفه أنه طلب منا أن نضع هذا المسحوق الأبيض (كلوريدكون) تحت أشجار الموز لحمايتها من الحشرات”.
سجل سيء
وحسب واشنطن بوست، فإن “هذه ليست المرة الوحيدة التي أساءت فيها فرنسا معاملة أولئك الذين هيمنت القوة الاستعمارية على أسلافهم، فهناك العديد من القصص المماثلة في المستعمرات الفرنسية السابقة”.
فعلى سبيل المثال، يحظر القانون الفرنسي الرشّ الجوي لمبيدات الآفات التي يمكن أن تنتشر في المنازل والمدارس الخاصة، غير أن الحكومة منحت إعفاءات خاصة للأقاليم الخارجية، مثل زراعة الأرز في غويانا الفرنسية.
وفي بولينيزيا الفرنسية أيضا، أخفى الجيش الفرنسي تأثير التجارب النووية، التي أجريت بين الستينيات والتسعينيات من القرن الماضي لفترة طويلة. وفي الوقت الراهن، ما يزال ضحايا هذه التجارب يكافحون للحصول على تعويض، بحسب تعبير الصحيفة.
وتحمل فرنسا سجلا سيئا في مجال المركبات الكيميائية، سواء الزراعية أو الطبية، فقد اتهمت فرنسا باختبارها مركبا كيميائيا طبيا يستخدم كلقاح للسل على أفارقة لمعرفة قدرته على الوقاية من الإصابة بفيروس كورونا.
وفي مقطع مصور لطبيبين فرنسيين، على قناة “LCI”، قدم الدكتور كاميل لوكت وهو مدير عام للمعهد الوطني للصحة والأبحاث الطبية، مقترحا باختبار فعالية لقاح السل BCG على الأفارقة لمعرفة قدرته على الوقاية من الإصابة بفيروس كورونا.
وقال: “ألا يمكننا اختبار هذا العمل أولا في إفريقيا التي لا توجد فيها كمامات ولا علاج ولا عناية مركزة؟”. ليوافقه الرأي الدكتور بول ميرا وهو رئيس طوارئ مستشفى كوشان باريس، قائلا: “أنت على حق.. نعتزم إجراء دراسة حول BCG في إفريقيا. سنطلق هذه الدراسة”.
المقطع تسبب بحالة غليان واسعة، ومع أن الطبيبين قدما اعتذارهما لاحقا، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لإطفاء حالة الغليان لدى كثيرين رأوا هذا الأمر مثيرا للاشمئزاز، وأنه استمرار لسجل الانتهاكات الفرنسية بحق أبناء القارة السمراء، سواء في التجارب الدوائية، أو النووية.
وبالقدر الذي كانت المستعمرات حقلا للتكسب من المبيدات المحرمة دوليا، كانت القارة السمراء حقلا للتجارب النووية الفرنسية، حيث أجرت فرنسا على مدار 36 سنة، أي من 1960 وحتى 1996 سلسلة تجارب نووية راح ضحيتها الآلاف من الأشخاص بالصحراء الجزائرية وبعض مناطق بولينيزيا بالمحيط الهادي.