صدرت عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) فى شهر سبتمبر من العام (2020) وثيقة عن استشراف المرحلة المقبلة للتربية والتعليم، والوقوف على أهم تحدياتها، والتشارك فى صياغة السياسات بشأنها، ووضع الحلول الناجعة لها، فى أعقاب جائحة الكورونا وانعكاساتها المتعددة على جهود بناء رأس المال البشرى من أجل التنمية. وفى ظل تعاظم الطلب على تكنولوچيات التدريس والتعلم وأساليبها الحديثة، وعلى وجه الخصوص التعليم عن بُعد، والتعلم الإلكترونى، ونظم اللقاءات الافتراضية، اقترح خبراء التربية بالمنظمة عددًا من التوصيات والتوجهات لدعم اتخاذ القرار، ورسم السياسات المستقبلية فى مجالات التعليم الأكاديمى والمهنى والتقنى. وقد ارتكزت الوثيقة على الآراء الخبيرة، وتقييم ما تم فى الشهور الماضية على المستوى التطبيقى بدول العالم، بالاعتماد على عدد من الاستبيانات والمسوح الإحصائية التى طالت معظم المهتمين بقضايا التعليم، وخبرائه، والقائمين على تنظيمه وإدارته. وبالطبع فإن ثلاثية «الجودة والإتاحة وتكافؤ الفرص» فى التعليم ظلت دائمًا فى خلفية الدراسة كمعايير حاكمة لما توصلت إليه من نتائج وتوصيات.
وقد خلصت الوثيقة، من حيث المبدأ، إلى نتيجة مهمة مفادها أنه «رغم الفرص التى يتيحها التعليم الإلكترونى، والتعليم عن بعد، والتعلم بالأجهزة المحمولة، وسائر التكنولوچيات الرقمية، وعلى الرغم من التغيرات غير المسبوقة والمتعددة فى أساليب وأنماط التدريس والتعلم، يظل التعليم المدرسى مهمًا وضروريًا كما كان دائمًا، إذ إنه يُعد الخطوة الأولى للإنسان فى رحاب التعلم المؤسسى، وعالم التكيف الاجتماعى خارج الأسرة، فهو مكون جوهرى من مكونات التعليم». لكنها أضافت من ناحية أُخرى أنه «لا غنى فى المرحلة المقبلة عن تعليم يمزج بين مختلف الأشكال المباشرة والإلكترونية، ويضمن وصول المعرفة للجميع، من كل الأجناس، من كل الأطياف، فى كل وقت، وفى كل مكان».
ورغم أن الدراسة ناقشت العديد من المفاهيم والرؤى المرتبطة بتكنولوچيات وأساليب التعلم الحديثة وآليات استخدامها، ولخصت تجارب الدول فى ظل تعليق الدراسة بفعل جائحة الكورونا، فقد وضعت الوثيقة بين أيدى راسم سياسات التعليم وصائغ استراتيچياته مجموعة متكاملة من التوصيات تخص استخدام التكنولوچيا والأساليب الحديثة للتدريس والتعلم، وتطوير المحتوى الأكاديمى، وتنظيم العملية التعليمية بوجه عام، من أهمها فى إطار السياق التعليمى المصرى ما يلى: 1- مراعاة التنوع المجتمعى وتباينه عبر الدول عند تطبيق التعلم عن بعد من أجل ضمان حصول جميع المتعلمين على فرص تعليمية عادلة. 2- ربط عملية التحول إلى التعلم الإلكترونى عن بُعد بالخطط الشاملة «للتحول الرقمى» على مستوى الدول، والوزارات، والمنظمات المعنية. 3- إيلاء علم البيانات الضخمة (Big Data) أهمية متزايدة فى المستقبل القريب لتسهيل عمليات التحليل واتخاذ القرار، وتجويد النتائج. 4- رسم السياسات ووضع البرامج التنفيذية لتأهيل الكادر البشرى (الهيئات الإدارية والأكاديمية والمتعلمين)، وإطلاعهم على كل ما يلزم من التقنيات الأساسية المواكبة للتعليم عن بُعد. 5- تبنى سياسات من شأنها الدمج بين الوسائل والتكنولوچيات التعليمية (أجهزة المحمول، تلفاز، تعلم متزامن وغير متزامن، تعليم مُدمج) لتحقيق تفاعل أكبر، وتحسين دافعية التعلم. 6- الاستعانة بخبراء واختصاصيين للإشراف على «الانتقال المرن» إلى التعليم عن بُعد، والتعلم الإلكترونى المُدمج، ووضع التصورات والحلول للمشكلات التى قد تطرأ. 7- سَنُّ التشريعات واللوائح التى تنظم التعليم عن بُعد، وتفعيل أدوات الرقابة والمتابعة، من أجل الإدارة السليمة للعملية التعليمية. 8- دعم المُعلمين وتشجيعهم وتدريبهم على صناعة المحتوى التعليمى، وتنظيم الأنشطة الطلابية، ووضع التقييمات المناسبة، وصياغة الخطط التربوية ذات الصلة بالتعليم عن بعد. 9- مراعاة الفئات العمرية الصغيرة (بالاعتماد على بث تليفزيونى تتخلله أنشطة خاصة تفاعلية وأعمال مسرحية، على سبيل المثال)، وتوفير موارد تعليمية رقمية خاصة بالمتعلمين من ذوى الاحتياجات الخاصة. 10- التوجه لأولياء أمور المتعلمين باعتبارهم جزءًا مكملًا لفريق التعلم عن بُعد، واعتماد الحوار والتوعية وسيلة من أجل دعم أبنائهم، ومساندتهم معنويًا وفنيًا فى تنظيم ومتابعة التحصيل العلمى. 11- تجهيز وتطوير البنى التحتية لقطاع الاتصالات لمواكبة عملية التعليم عن بعد، وتوفير خدمات الإنترنت فى المناطق غير المشمولة بالخدمة، من خلال الأقمار الصناعية بالاعتماد على التكنولوچيا المناسبة فى هذا المجال. 12- تعزيز الموارد الرقمية للمجالات العملية بالتعليم المهنى والتقنى من خلال الاستثمار فى تصميم برامج المحاكاة، والذكاء الاصطناعى، وتقنيات الواقع الافتراضى.
وفى ظل الجهود المصرية الراهنة لإعادة هيكلة وتحديث منظومة التعليم قبل الجامعى والتعليم الفنى، ومواجهة تداعيات جائحة الكورونا، تُعد التوصيات السابقة إضافة عملية مفيدة لتعزيز القدرات، وتحقيق الاستخدام الأمثل لتكنولوچيا التدريس والتعلم الحديثة من أجل تحقيق الأهداف المعرفية والتنموية المرغوبة.