أثر الحرب على النسيج الاجتماعي اليمني
من يُطالع في المصادر التاريخية، وكُتب الآثار والسير، سيجد وصفاً مبهراً لما وصل إليه المجتمع اليمني من رغد العيش ورخاء الحياة بكلِّ أبعادها واتجاهاتها المختلفة قبل الإسلام وبعده. فعلى سبيل المثال لا الحصر ورد في “صبح الأعشى” عن بعض الأقدمين قوله:” ولأكابر اليمن حظٌ من رفاهية العيش والتنعم ولهم الدور الجميلة والمباني الأنيقة “، وقد ورد في كتب التاريخ الكثير من الوصف، والإطراء عن اليمن أرضاً ومجتمعاً وحضارة، يوضح ما حققه اليمنيون وخاصة في ظل الإسلام، وقيامهم بنصرته والذود عنه، وقد ساهمت الطبيعة الجغرافية، والتنوع البيئي لليمن في تشكيل نسيج اجتماعي متعدد ومتنوع، توزع على بيئات اليمن المختلفة، في تجمعات قبلية، فالقبيلة هي الركيزة الرئيسية في بناء النسيج الاجتماعي اليمني، وتكاد تكون اللبنة الأولى التي حافظت على تماسكه واندماجه ببعضه، إلاَّ أن النسيج الاجتماعي اليمني قد مرَّ بمنعطفات خطيرة، وأحداث جسيمة في تاريخه الحديث والمعاصر، وبخاصة في ظل وجود المؤامرات الخارجية والأطماع الدولية، والتحولات العالمية، ويمكن حصر أهم الأسباب التي ساهمت في تمزيق النسيج الاجتماعي ومحاولة تفتيته في النقاط التالية:
الثورة / ثابت القوطاري
زحف الفكر الوهابي:
منذ فجر الرسالة ومجيء الإسلام، كان لأهل اليمن السبق في دخوله ونصرته ونشره في أصقاع العالم، والأحاديث النبوية في فضائل أهل اليمن أكثر من أن تستوعبها هذه الورقة. وعرف اليمن في ظل الإسلام تعدداً مذهبياً متنوعاً:(إسماعيلية-زيدية-شافعية-صوفية) تعايشت هذه المذاهب جنباً إلى جنب، في ظل هوية إيمانية شاملة، وفي بيئة اجتماعية واحدة غلب عليها طابع التسامح والإخاء، وترابطت هذه المذاهب بعلاقات اجتماعية مختلفة من عادات وتقاليد ومصاهرة وأحلاف ومواثيق، ساهمت القبيلة في الحفاظ عليها، وكفلت حرية ممارسة أيَّ خصوصية مذهبية في ظل الإسلام وثوابته التي لا يختلف عليه اثنان، إلاَّ أن المملكة السعودية منذ نشأتها الطارئة، وظهورها على الخارطة عام (1818م) عملت على نشر (الفكر الوهابي) الذي يحمل أيديولوجية تكفيرية وعنصرية، وبأمر من الغرب عملت على تصديره إلى العالم الإسلامي والعربي ، ومن ضمنه اليمن، من خلال استقطاب شخصيات اجتماعية وفكرية وعلمية ودعمها، ودعم بعض القبائل اليمنية التي تأثرت بهذا الفكر، وتدخلت في صياغة المنهج المدرسي عن طريق عملائها، كما عملت على بناء الجوامع والمعاهد العلمية في محافظات اليمن المختلفة، وإرسال الدعاة، وطباعة ونشر الكتب التي تُكرس الفرقة بين أفراد الأسرة الواحدة، وبمساعدة العامل الاقتصادي استطاعت أن تحول أفراداً من أبناء القبائل عن مذهبهم المتعارف عليه في اليمن إلى (الفكر الوهابي) الذي شكلَّ دخوله إلى اليمن بداية تصدع النسيج الاجتماعي اليمني، حيث ظهر الخلاف العقائدي على مستوى الأسرة الواحدة، والتعصب، والتكفير، فكان الولد يتبرأ من والديه لأنهما ماتا على الشرك في نظره، ويعيد الرجل عقده على زوجته لأن العقد السابق باطل، وهنا بدأ المجتمع يردد لغة الخلاف والاختلاف المجتمعي، بل وصل الحد إلى استهداف المساجد والأسواق والمستشفيات بالعمليات الانتحارية، سبقتها حملات ممنهجة من التشويه والتكفير والتحريض، فأصبح النسيج الاجتماعي متصدعاً، يعاني من الانقسام إلى درجة كبيرة تهدد مستقبله.
وجود الاحتلال
عرف اليمن عدداً من أشكال الاحتلال الأجنبي خلال تاريخه، ويكاد يكون الاحتلال البريطاني هو أقربها، وأشدها خطراً وتأثيراً، حيث ساهم هذا الاحتلال في إعادة إنتاج النسيج الاجتماعي اليمني، محاولاً إيجاد فوارق طبقية عميقة بين النسيج الواحد يقوم على فوارق اجتماعية ومادية، وفكرية وتبعية، وعمل على فصل اليمن جغرافياً وسياسياً وأيديولوجياً إلى شطرين (شمالي وجنوبي) وبثَّ فيه ثقافة مستوردةً ساهمت إلى حدٍ كبير في إعادة صياغته وبنائه، وطمس هويته الإيمانية، ولم يخرج المستعمر من اليمن إلاَّ وقد وضع عملاءه وأوصياءه في بنية النسيج الاجتماعي، ومفاصل الدولة، وأصبح يدير أموره بالوكالة وعبر أدواته في المنطقة وفي اليمن، وما ظاهرة الارتزاق والعمالة القابعة في فنادق الرياض وغيرها من دول العالم إلاّ مثال بسيط على ذلك.
سوء فهم دور الأحزاب السياسية والممارسة الخاطئة للتعددية
كفل النظام السياسي للجمهورية اليمنية حق الحرية السياسية، والتعدد الحزبي، فظهرت الأحزاب السياسية على المسرح السياسي اليمني إلا أنها ساهمت بطريقة سلبية في صياغة النسيج الاجتماعي، نتيجة قصور الوعي بطبيعة دور الأحزاب في تشكيل التعددية المتنوعة، التي تتنافس في بناء الوطن والمحافظة على تماسك مجتمعه، وليس المختلفة التي تتنافس في الاستقطاب وتعمق الانقسامات وتهدد سلامة النسيج الاجتماعي، فحشرت المجتمع في قمقم التبعية الحزبية الضيقة، من خلال زرع روح الانتماء للحزب السياسي وليس للوطن، علماً بأن بعض هذه الأحزاب يدين بالولاء لقوى خارجية، وينفذ أجندة استعمارية بعضها على استعداد لإبادة (24 مليون) في سبيل أن يبقى مليون فقط، وعلى الأرجح أن المليون أعضاء في الحزب ومنتمين إليه.
وقد فضح العدوان كثيراً من الشعارات الزائفة التي طالما رددتها بعض الأحزاب باسم الوطنية ومواجهة الرجعية، واليوم يقبع بعض قادتها في أحضان الرجعية وأكناف أعداء اليمن التاريخيين.
ولا يخفى علينا ما يقوم به النظام السياسي القائم في (الرياض) منذ وجوده على مسرح التاريخ من محاولة صياغة النسيج الاجتماعي بما يخدم توجهه في المنطقة، ويظهر ذلك من خلال بعدين اثنين يمكن إيجازهما فيما يلي:
اولاً : البعد السياسي والاقتصادي
تنتج المملكة السعودية النفط الخام بكميات كبيرة، ويُعد إنتاجه الركيزة الاقتصادية الأولى للملكة السعودية. كما أن وجود المقدسات الإسلامية فيها أضفى عليها طابع القدسية الدينية التي استغلته سياسياً واقتصادياً، وبدلاً من توجيه عائدات هذه الثروة لخدمة الأمة الإسلامية والعربية، نجدها تستخدمها بشكل سلبي لاسيما في اليمن باعتباره بلداً جاراً، بل ينظر إليه على أنَّه الحديقة الخلفية ، ويتولى ما يسمى (ملف اليمن) أحد الأمراء في الأسرة المالكة، وقد بدأ تدخلها بشكل كبير وملفت منذ مطلع الستينيات من خلال الضغط على الحكومات، وشراء الذمم والولاءات، وإيجاد التناقضات ودعمها، وتصفية الكثير من الكوادر والرموز الوطنية اليمنية، كما عملت على فصل اليمن إلى شطرين (شمالي وجنوبي) ودعم الحرب التي قامت حينها في 1994م، محاولة منها لشق صف النسيج الواحد، بل وصل الأمر إلى التدخل في تعيينات بعض الشخصيات الموالية لها في مناصب حكومية، عبر سفيرها في اليمن.
ثانياً : التدخل العسكري المباشر
يحفل التاريخ اليمني السعودي بالمواجهات المسلحة، والتدخلات العسكرية التي استطاعت المملكة السعودية بعد جهدٍ جهيد فصل إقليم المخلاف السليماني (نجران-جيزان-عسير) عن الجغرافية السياسية اليمنية، وبعد أنّ عبثت المملكة باليمن (أرضاً/ من خلال احتلالها جيزان ونجران وعسير ونهب ثرواته) و(إنساناً/ من خلال تغيير فكره وانتمائه ووطنيته وهدم أواصر تماسكه) و(حكومة/ من خلال زرع عملائها في مفاصل الدولة والسيطرة على القرار السياسي) اعتقدت أن الأمر استتب لها، وأنَّ اليمن أصبح تحت الوصاية، وأنّه لا يزال تلك الحديقة الخلفية التي يجب أن تبقى على ما هي عليه من الارتهان والفقر والعمالة، إلاَّ أنها تفاجأت بثورة 21سبتمبر/2014م والتي صححت المسار، وأيقظت الشعب من سباته، ووضعته أمام عدوه الحقيقي من قوى الاستعمار والامبريالية الحديثة المتمثلة في الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية ومن يدور في فلكها من الأنظمة العربية والإسلامية العميلة، هذه الثورة أربكت النظام السعودي، وخلطت عليه الأوراق، وأسقطت مشروعه بالكامل، وقطعت يده المتمثلة في عملائه على المستوى الحكومي والعسكري والمدني، وما أن بدأت هذه اليقظة الشعبية، وهذه الثمار الطيبة تؤتي أكلها، حتى أعلنت المملكة من واشنطن بدء عدوانها السافر في 26/مارس/2015م ومعها قوى الشر من المأجورين والمرتزقة على مستوى الدول والأنظمة، لا لشيء ارتكبه اليمن سوى عزمه الخروج من الوصاية، والفكاك من التبعية، والاستقلال بقراره السياسي، فكان هذا العدوان الغاشم الذي أتبعه حصار مطبق وخانق.
– تأثير العدوان على النسيج الاجتماعي اليمني
يمثل العدوان القائم امتداداً للعدوان التاريخي السعودي على اليمن، وأداة صلبة بعد فشل الأدوات الناعمة السياسية والاقتصادية والعقائدية، الذي اتسع نطاق آثاره المدمرة ليشمل جميع الجوانب البشرية والمادية والاجتماعية، فقد تأثر النسيج الاجتماعي كثيراً جراء هذا العدوان، إلاّ أنّ بعض شرائح هذا النسيج كانت مهيأة لاستقبال هذا العدوان ومرحبة به، نظراً للعوامل المذكورة سابقاً، ولذا ظهرت الجبهات الداخلية التي قاتلت في صف العدوان، والتي تعددت ووصلت بالعشرات في مناطق مختلف من اليمن، وهنا حاول العدوان أن يجني ثمار أعماله المبكرة على مدى العقود السابقة، وبتواطؤ من النظام السياسي السابق، كونه أداة من أدواتها.
بعض مظاهر العدوان على النسيج الاجتماعي:
استهداف الهوية الإيمانية لليمن
والتي تمثل الحصن الواقي من تغلغل الثقافات الدخيلة على المجتمع، فقد تم استهداف الهوية الإيمانية اليمانية عن طريق نشر المذهب الوهابي السلفي الذي أدى إلى فرز المجتمع وتقسيمه، وإشعال بؤر من الصراع والخلافات على المستوى الأفقي والرأسي للمجتمع أيضاً عبر السماح بتمرير الثقافة الغربية المخالفة للهوية الإيمانية للمجتمع اليمني المحافظ وغيرها من الوسائل.
استهداف القبيلة اليمنية
باعتبار دورها الأساسي والمهم في تماسك البناء المجتمع، وما تتمتع به من قيم وأعراف تعمل على تعزيز التماسك، وتسعى لحل الإشكالات التي تهدد المجتمع وتنزلق به في هاوية الصراعات، فكان استهداف القبيلة في قيمها وأعرافها وشراء بعض مشايخها وضمهم فيما يسمى اللجنة الخاصة السعودية، ومحاولة تغيير مفهوم دورها لتصبح عقبة أمام مصلحة البلد وتطوره ومسيرته التنموية، ومنذ انطلاقه عمل العدوان على إغراء بعض المشايخ والوجاهات والشخصيات الاجتماعية بالالتحاق بصفه ومغادرة البلد، لتشكيل غطاء ومبرراً لقتل وتدمير اليمن أرضاً وإنساناً، وقد شهدت العقود الماضية استهدافاً ممنهجاً للقبيلة ودورها وتحويلها إلى خزان لتغذية المشاريع التكفيرية في المنطقة العربية والإسلامية.
خطاب الكراهية والتفريق
عمل العدوان على صياغة خطاب إعلامي خطير ومدمر، عمل على فرز المجتمع اليمني إلى فئات مختلفة، يدعمها العدوان ويرعى تمويلها وتوجيهها ضمن سياسة التفريق وبهذا يجني جناية بعيدة الأثر على النسيج الاجتماعي، فمن يقرأ الخطاب الإعلامي السعودي والإماراتي على وجه الخصوص يجده يحرض على الكراهية، ويقسم المجتمع على أسس مذهبية ومناطقية وسلالية ويثير النعرات القديمة، ويعمق الانقسامات ويستدعي الخلافات التي تجاوزها المجتمع اليمني كما فعل في سوريا والعراق ولبنان خدمة للمشروع الصهيوني الأمريكي القائم على التفتيت والتقسيم والتجزئة.
تفريخ الجماعات التكفيرية
ضمن عدوانه التاريخي عمل النظام السعودي على إنشاء ودعم وتمويل الجماعات التكفيرية في اليمن والدخيلة على ثقافته، والخطيرة على نسيجه الاجتماعي، بدءاً بالمذهب الوهابي السلفي الذي لا يقبل التعايش مع المذاهب التي تعايشت لقرون في اليمن، وانتهاء بالقاعدة وداعش التي فرزت المجتمع على أساس تكفيري فكفرت كلَّ من لم يعتنق أفكارها، وتسببت في كثير من الحوادث الدامية والعمليات الانتحارية والتفجيرات والاقتحامات للمنشآت المدنية، والسحل والسلخ، وكلها تحظى بدعم سعودي غير خفي، وفي أثناء العدوان وجدت تلك الجماعات المناخ الملائم للتوسع والانتشار في المناطق المحتلة، بشهادة تقارير دولية ومحلية وشواهد ملموسة في بعض الجبهات التي تم تطهيرها من تلك الجماعات، وكان آخرها مديرية الصومعة التي تنفس أهلها الصعداء بالتخلص منهم، وفي مثال صارخ تدخل العدوان في محافظة المهرة تلك المحافظة الوديعة التي لم تشهد مطلقاً أي خلافات مذهبية أو عنصرية أو طائفية حتى قام العدوان بتأسيس مركز سلفي وهابي فيها، ثم حضر بقواته المحتلة بدعوى محاربة القاعدة ، وتحولت إلى محافظة تفتقر للاستقرار والأمن والتماسك المجتمعي.
استقطاب وتقسيم المجتمع على أسس مختلفة ودعم إفرازات ذلك التقسيم
عمل العدوان على استقطاب وتقسيم المناطق المحتلة فعلياً، على أسس طائفية ومذهبية وسياسية وعرقية ومناطقية، وقام بتعزيز ذلك التقسيم بالمال والمناصب وبطريقة تعمق الخلافات لاحقاً فيما بينها، ثم قام بدعم جميع تلك الفئات والطبقات والتناقضات الناشئة وتمويلها حتى تبقى مختلفة على الدوام ومحتاجة إليه باستمرار، لكي يضمن ولاء الجميع المختلف ويأمن جانب التوحد الذي يهدد بقاءه كمحتل، ولكن ذلك التقسيم كان الأثر البالغ على سلامة المجتمع وتماسكه ووحدته.
وغيرها من العوامل التي أسهمت في تفكك النسيج الاجتماعي وأفرزت نتائج مدمرة على المجتمع خاصة في المناطق الخاضعة للاحتلال، وما نشاهده في المحافظات الجنوبية -للأسف الشديد- من انفلات أمني غير مسبوق، وانعدام أبسط الخدمات، وغلاء معيشي، وتدهور اقتصادي، وظهور المتناقضات، وتصفية الحسابات بين الفصائل، وانتشار ظاهرة الحقد والكراهية والارتزاق الرخيص يرجع في رأيي لسببين اثنين:
الأول: دور المخابرات الأمريكية والصهيونية عبر أدواتها في المنطقة المتمثلة في النظام السعودي والإماراتي، في تفكيك النسيج الاجتماعي، حيث عملت هذه المنظومة الإجرامية على سلب الهوية الحقيقية لليمنيين، واستبدالها بهوية أخرى، قائمة على الارتهان والعمالة والتطبيع، وبث روح الفرقة (المذهبية والمناطقية والحزبية) في نسيج المجتمع اليمني، وإضعاف الجبهة الداخلية، ساعدها في ذلك عمالة النظام السابق، وخيانته.
الثاني: محاولة تقويض ثورة 21/سبتمبر وإجهاضها، والإساءة إليها، وحرمان المحافظات الجنوبية من حصد ثمارها وأهدافها. ومن ينظر إلى وضع اليمن، على سبيل المقارنة، فسيجد أن المحافظات التي وصلت إليها الثورة المباركة تعيش حالة الاستقرار بكافة مستوياته: الأمني والمعيشي والاقتصادي والسياسي، وتكاد تكون الحياة طبيعية رغم العدوان والحصار الجائر، قياساً بكثير من دول المنطقة التي طالها الاحتلال الأمريكي ومن شايعه من الأنظمة الغربية الإمبريالية.
دور ثورة 21 سبتمبر في الحفاظ على النسيج الاجتماعي ومنع انهيار البلد مجتمعياً:
أدركت الثورة خطورة ما يمارسه النظام السعودي -ومن وراءه- من استهداف للنسيج الاجتماعي خدمة للمشروع الأمريكي والصهيوني في المنطقة، وتمهيداً للاحتلال كما كانت تمارسه بريطانيا الاستعمارية من سياسة فرق تسد، التي ضمنت بها ضعف المجتمع وتنازعه وفي نفس الوقت ولاءه للمستعمر.
جاءت الثورة بمنطلقاتها الإيمانية، ومبادئها الوطنية التي جعلت من الوطن أساساً وهدفاً، ومن سيادته واستقلاله وحريته ثوابت لا يمكن التفريط فيها، تلك المبادئ والثوابت تستلزم تماسكاً مجتمعياً وانسجاماً يشكل حصانة أمام مخططات التقسيم والتفكيك، ومشاريع الهيمنة والسيطرة عملاً بقول الله سبحانه وتعالى: “وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ” وقوله تعالى: ” وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا”، وقد جاء خطاب الثورة في أول أيامها، وأثناء نشوة انتصارها معتدلاً متوازناً داعياً إلى إشاعة السلم والعفو والدعوة للمشاركة، وتم توقيع اتفاق السلم والشراكة، وإن كان ذلك الاتفاق سياسياً إلا أنه انعكس على المجتمع بإشاعة الطمأنينة وتجاوز الماضي وتطبيع الحياة.
يمكن الإشارة هنا إلى بعض الإجراءات التي اتخذتها ثورة 21 سبتمبر للمحافظة على النسيج الاجتماعي ومواجهة تحديات التفكيك والتمزيق فيما يلي:
-1 التركيز على أهمية الهوية الإيمانية اليمانية في الحفاظ على وحدة المجتمع اليمني وتماسكه وطالما ينبه عليها قائد الثورة في مناسبة جمعة رجب.
-2 تعزيز دور القبيلة اليمنية والحفاظ على كيانها واستعادة دورها الوطني، وتم إنشاء مجلس التلاحم القبلي الذي سعى لحل مشاكل الثأر بين القبائل والنزاعات على الأراضي. واليوم نشاهد القبيلة تقوم بدورها التاريخي في مواجهة العدوان، ورفد الجبهات بالرجال والقوافل وفي نفس الوقت تعمل على تماسك الجبهة الداخلية.
-3 الخطاب الإعلامي المتزن الداعي للوحدة والتماسك، وذلك ظاهر عند المقارنة مع خطاب العدوان التكفيري والمفرق في مصطلحاته وعباراته. فلم ينزلق الخطاب الإعلامي إلى مجاراة خطاب العدوان بل سعى إلى معالجة آثار ذلك الخطاب على المجتمع، وقد انعكس ذلك في تحول العاصمة صنعاء إلى مأوى آمن لكل أبناء اليمن في ظل خطاب الثورة الوطني الذي لا يحرض ولا ينشر الكراهية.
-4 الدعوة للتكافل الاجتماعي ومساعدة الفئات الأكثر احتياجاً في المجتمع، إضافة إلى إعادة توزيع المساعدات ضمن أولويات تراعي الفئات الأكثر احتياجاً.
-5 لم تنتهج الثورة الإقصاء والاستحواذ، أو القيام بأعمال انتقامية ضد أي فئة أو منطقة أو غيرها بل جعلت القانون هو معيار التعامل، وعليه تم تطبيق مبدأ الثواب والعقاب.
وبالرغم من كلِّ ما مرَّ بالوطن من منعطفات خطيرة، وعدوان سافر، إلاَّ أن ثورة 21/سبتمبر استطاعت تحقيق الأمن والاستقرار، وضمنت لليمن عزته وكرامته واستقلاله، كما تمكنت من فضح العملاء والخونة والمرتهنين وإسقاطهم، والتصدي لمشاريع قوى الاستكبار العالمي في المنطقة، كما أصبحت صمام أمان للوطن وللمنطقة، وحجر الزاوية في تحقيق السيادة والحرية، وإضافة نوعية لمحور المقاومة الذي غيّر خارطة المنطقة، وأسقط كلَّ المشاريع المتربصة، والتي حاولت قوى الاستكبار صياغة شرق أوسط جديد، قائم على التطبيع والتحالف والموالاة للكيان الصهيوني.