مسنودةً بوعي أبناء الشعب.. صنعاء تواجه الحرب الاقتصادية بمستوى عالٍ من الثقة
Share
منذ بدأت العمليات العسكرية التي قادتها السعودية على رأس تحالف إقليمي ودولي في السادس والعشرين من شهر مارس عام 2015م بحُجة دعم وإعادة ما أسموها بالشرعية وإنهاء ما وصفوه بالانقلاب الحوثي على السلطة؛ كان لدى التحالف قائمة طويلة من الأهداف، أو لنقل من الآمال التي بناها مزهواً بقوة نفوذ اكتسبها بما تحصل عليه من المال والثروات التي أوجدتها الطفرة النفطية في السعودية والإمارات، اللتين تقودان التحالف، وتبددان أموالاً طائلة في الإنفاق على عملياته العسكرية في اليمن، وزعزعة أمن واستقرار وسكينة عدد من دول المنطقة، تنفيذاً لأجندات ومخططات دولية، تكشّف تباعاً أن الدولتين ليستا سوى أداتي تنفيذ لا ترقيان أبداً إلى مستوى يوازي ذوي الأطماع والمصالح الذين يستخدمونهما من القوى الدولية التي تطمع في السيطرة على العالم وثروات دوله.
استخدم التحالف أعتى ترسانات الأسلحة الحديثة والذكية التي أنفق على شرائها مئات المليارات من الدولارات، وقتل مئات الآلاف من الأطفال والنساء في مختلف مدن وقرى ومناطق اليمن، وأجهز على كل مقومات الحياة، وكان من ضمن قائمة الآمال العريضة التي وضعها لنفسه أنه سيحسم أمره في مدة قياسية، حيث يكون قد استكمل أهدافه المعلنة وغير المعلنة، لكن خطأ حساباته كان كارثياً، فمن قتلهم بطائراته كانوا شريحة معينة من اليمنيين لا تشكل خطراً كونهم أطفالاً ونساء ومسنّين، ومنازلهم التي أسقطتها القنابل على رؤوسهم لم تكن مخازن السلاح الاستراتيجي الذي قالت وسائل إعلام التحالف أنها مصدر القوة وبتدميرها ستتحقق المقاصد، ففي أثناء احتفالهم بتحقيق الأهداف المعلنة للعمليات العسكرية كانت قوات صنعاء على مشارف حدود المملكة، ومن هناك بدأت معادلات المعركة تتغير وفق معايير الإنجاز على الأرض، ومن هناك أيضاً بدأ التحالف أولى خطوات التعويض عن فشله عسكرياً.
لم تتمكن آلة الإعلام التابعة للتحالف من إبقاء متابعيها في دائرة الأوهام التي أحاطتهم بها، فقد تجاوزت المدة الإطار الزمني الذي حدده التحالف لحسم المعركة، فالأسابيع امتدت إلى شهور، وبعد اكتمال العام الأول من الحرب تسارع الزمن لتتجاوز عامها السادس، مخيبة كل تلك الآمال التي تساقطت تباعاً أمام إنجازات صنعاء ميدانياً، وعلى مدى تلك الأعوام وضعت قوات صنعاء- عبر إعلامها الحربي- قوات التحالف في متوالية فضائح أفضت إلى إجماع إقليمي ودولي على فشل التحالف عسكرياً، ومع استمراره في تضليل الرأي العام العربي والعالمي بأهدافه التي ألبسها أقنعة الإنسانية والواجب، واستمرار صنعاء في كشف كل الادعاءات المزيفة بنقلها واقع ما يحدث على الأرض من توغل التحالف حتى في المحافظات اليمنية البعيدة عن مناطق المواجهات، أصبح العالم يشاهد بوضوح فشلاً سياسياً ذريعاً لم يستطع التحالف التعتيم عليه، وهناك بدأ في استخدام آخر أوراقه كاشفاً بذلك أهدافه الحقيقية تجاه اليمن واليمنيين، وهي ورقة الاقتصاد، وبدأ فعلاً تحريك تلك الورقة في خط تصاعدي لا يحقق له نصراً وإنما يضيّق الخناق على اليمنيين في معيشتهم، رغم أن ذلك مُجرّماً في قوانين الحروب عبر التاريخ.
حين قرر التحالف بدء حربه الاقتصادية على اليمن، كان على يقين بأن من عجزت صواريخه وقنابل طائراته عن إبادتهم، سيكونون في مرمى مرحلته الأخيرة من الحرب، إذ أن ضررها لا بد أن يطاول كل أبناء الشعب اليمني، ومن إجراءات الإغلاق الشامل لكل شرايين الحياة من المنافذ البرية والبحرية والجوية، إلى قطع المرتبات مروراً بحجز سفن المشتقات النفطية ومنع وصولها إلى موانئ الحديدة، سعياً لتعطيل كل مظاهر الحياة في مناطق سيطرة سلطات صنعاء، وصولاً إلى استخدام أشد الأسلحة فتكاً من القنابل والصواريخ وهو سلاح العملة المزورة التي طبع منها التحالف نحو 400 مليار ريال لضرب العملة اليمنية وإفقادها قيمتها أمام العملات الأجنبية، وما كان سيترتب على ذلك من انهيار اقتصادي لا طاقة لليمنيين بمواجهته، لو لم تتعامل سلطات صنعاء مع ذلك الإجراء بذكاء ويقظة غير مسبوقة، فسرعان ما أدرك البنك المركزي في صنعاء كارثية ما سيترتب على إغراق البلاد بعملة مزورة من مآلات مأساوية ستنعكس في حياة اليمنيين المعيشية، وقبل وقوع الكارثة أصدر البنك تعميماً بمواصفات العملة المزورة التي طبعها التحالف من فئة الألف ريال، عبر الحكومة التي يدعمها، مع قرار بحظر تداولها أو حيازتها.
كان من الصعب على التحالف وحكومة هادي تقبل الضربة الاستباقية التي وجهتها سلطات صنعاء، من خلال بنكها المركزي، بشأن حظر التعامل مع العملة المزورة التي كانوا على وشك ضخها إلى الأسواق، إلا أن الصراخ لم يكن مجدياً حينها، ففضلاً عن تجنيب مناطق سيطرة صنعاء الضرر الذي كانت ستلحقه تلك العملة بالاقتصاد والحياة المعيشية، بدأ أبناء المحافظات اليمنية الواقعة تحت سيطرة التحالف والحكومة الموالية له يدركون كارثية الخطوة التي أقدم عليها، فقد تجاوز الدولار حاجز الألف ريال بعد قرار مركزي صنعاء حظر تداول العملة المزيفة، بينما لا يزال مستقراً ولم يتجاوز سقف 600 ريال في مناطق سيطرة سلطات صنعاء، وفي وقت يواجه التحالف وحكومة هادي سخطاً شعبياً متنامياً بسبب انهيار الأوضاع الاقتصادية والخدمية في مناطق سيطرتهم؛ أظهر المواطنون في مناطق سيطرة صنعاء مستوى متقدماً من الوعي في التعامل مع توجيهات البنك المركزي اليمني بحظر تداول وحيازة العملة المزورة، الأمر الذي أسقط رهانات الكثير من المتربصين، وأثار إعجاب الكثير من المتابعين لتطورات الشأن الاقتصادي في اليمن، وهو ما جعل مهمة مواجهة الحرب الاقتصادية أكثر سهولة للجهات المعنية، فمن كان خط دفاعه الأول عن عملته واقتصاده هم أبناء الشعب، فلا شك بأنه سيقف على أرضية صلبة في المواجهة، وسيصل بأبناء شعبه إلى برٍّ آمنٍ بخسائر وأضرار أقل وبمكاسب وإنجازات أكبر وأكثر ديمومة.
بعد تجاوز الدولار حاجز الألف ريال، ارتفعت وتيرة الغضب الشعبي في مناطق سيطرة التحالف والحكومة التي يدعمها، جنوباً وشرقاً، لضيق الأحوال المعيشية التي أوصلهم إليها فشل حكومة هادي في إدارة السياسة المالية، نتيجة لتبعيتها المطلقة لسياسات وتوجهات التحالف، بدون أن تنظر إلى ما يهم مصالحهم بالدرجة الأولى، كونها المسئولة عن كل شيء هناك، خصوصاً أنهم لا يزالون عالقين في تداعيات الخطوة الأولى من طباعة العملة غير القانونية التي أغرق التحالف بها تلك المناطق، والانهيار الاقتصادي والخدماتي الذي نتج عنها، رغم أن التحالف منذ سيطرته على تلك المناطق نهاية عام 2015م، ظل يبيع الأوهام لهم بأنه سيحول حياتهم إلى نعيم دائم ورخاء لا حدود له، لكن تلك الوعود كانت مجرد طُعمٍ حصل بموجبه التحالف على قبول تواجده العسكري هناك وزحفه على مناطق الثروات والمواقع والجزر الاستراتيجية، وبالمقابل لم يحصد المواطنون سوى الفوضى الأمنية والانهيار التام في كل مناحي الحياة، وحسب تحليلات وردود فعل خبراء الاقتصاد حتى الموالين للتحالف وحكومة هادي، بدأت تلوح في الأفق قناعات بأن عودة الاستقرار المالي لن تتم إلا بإنهاء الانقسام المالي الذي أوجده التحالف بين صنعاء وعدن، وهو ما لن يتم إلا بإعادة وظائف البنك المركزي وصلاحياته إلى مقره الرئيسي في صنعاء، التي يرى خبراء اقتصاديون أنها الأكفأ لإدارة السياسة النقدية، حسب معطيات الأوضاع الاقتصادية هناك والهوة الشاسعة بينها وبين مناطق سيطرة التحالف والحكومة التي يدعمها.