يصطاد علي محمد الأسماك قبالة شاطئ الحديدة منذ صغره، لكن للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود، يبدو الأب اليمني عاجزًا عن اصطياد ما يكفي لإطعام أطفاله الثمانية بعد وصول الحرب الدائرة في البلد الفقير إلى مدينته الواقعة في غرب البلاد.
على حافة مرفأ الصيادين في المدينة المطلة على البحر الأحمر، يتحدّث محمد، وهو يفرغ الأسماك من شباك الصيد، عن خشيته من الإبحار بقاربه الخشبي الصغير إلى مسافات بعيدة، خوفًا من التعرض لإطلاق نار أو للتوقيف.
ويقول لوكالة فرانس برس “نحن في مأساة في ظل هذا الوضع. أًصبحنا نخاف جدا من الخروج إلى البحر. حتى عندما نغادر البيت، فنحن نقوم بتوديع أطفالنا لأننا لا نعلم إن كنا سنعود أم لا”.
وقطاع الصيد مهم في اقتصاد الحديدة، التي تشهد منذ فترة معارك ضارية حينا ومتقطعة أحيانا. وتشير دراسة للبنك الدولي إلى وجود 10 آلاف صياد في الحديدة قبل الحرب اليمنية.
ويبعد مرفأ الصيادين نحو 3 كيلومترات عن ميناء الحديدة الواقع في شمال المدينة، ويفصله كيلومتر واحد فقط عن جبهة قتال.
وإلى جانب قلة الزبائن، يعاني الصيادون في المرفأ من خطر التعرض للتوقيف في البحر عن طريق سفن التحالف العسكري بقيادة السعودية الذي يتحكم بالحركة في مياه وأجواء اليمن.
ويجبر هذا الأمر الصيادين على الاصطياد في مناطق قريبة من المرفأ وعدم الابتعاد عنه كما كانوا يفعلون طوال سنوات.
ويقول محمد “المخاطر لا تعد ولا تحصى، أوّلها الطائرة والبارجة، فقد ينزل عليك صاروخ أو ضربة لا تعلم من أين أتى. هناك صيادون مفقودون في البحر، دخلوا ولم يخرجوا”.
في سوق السمك التابع للمرفأ، تبدو الأحواض البيضاء المصنوعة من البلاط فارغة إلا من عدد قليل من الأسماك المعروضة في سوق كان يعج يوميا بالناس قبل اشتداد المعارك في المدينة، بداية الشهر الماضي.
وعند مدخل السوق، يهرول قلة من الزبائن وراء أي صيّاد ينجح في الاصطياد ما أن يصل إلى المرفأ حاملا بيديه صيد اليوم، وبين الصيادين من كان أكثر حظا من غيره، إذ حصّل صيدا كبيرا وضعه في مؤخرة شاحنة مكشوفة أو في عربة حديدية.
ويتذكر الصياد محمد سالم عدوين أن الانتاج “كان كثيرا في السابق، لأننا كنا نخرج أبعد من المسافة التي نخرجها الآن”.
ويضيف “الآن نخرج إلى 20 – 25 ميلا بحريا ونكون خائفين جدا. أما قبل الحرب كنا نخرج إلى 50 أو 60 ميلا بحريا وحتى 100 ميل بحري. ولكن هذا الآن أصبح من المستحيلات”.
ويتابع “كلما اشتدت المعركة تضرّر الصيادون”.
وفي بداية آب/أغسطس الماضي، أدّت أعمال قصف على سوق السمك ومستشفى الثورة القريب منه إلى مقتل 55 مدنيا وإصابة 170 آخرين بجروح، بحسب الصليب الأحمر، نتيجة لضربة شنّها التحالف السعودي – الإماراتي. ولا تزال آثار القصف واضحة في بعض أجزاء السوق.