«واشنطن بوست» : هل وصلنا إلى نقطة تحول في حرب اليمن ؟
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للصحافي إيشان ثارور، يقول فيه إن وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، طالب يوم الاثنين قبل زيارته كلا من السعودية والإمارات، البلدين اللذين يقودان تدخلا عسكريا مدمرا في اليمن، بوقف إطلاق النار مع الحوثيين.
وتنقل الصحيفة عن هانت، قوله: “التكلفة البشرية للحرب في اليمن لا يمكن حسابها: فهناك ملايين النازحين، وينتشر الجوع المرض وسنوات من سفك الدماء، والحل الوحيد الآن هو تحييد السلاح، والسعي وراء السلام”، حيث تسعى الحكومة البريطانية لاستصدار قرار من مجلس الأمن يشجب الحرب.
ويقول ثارور في مقاله إن “الانتصار الذي حققه الديمقراطيون في الانتخابات النصفية الأسبوع الماضي أعطى زخما أكبر لأعضاء الكونغرس الذين يعارضون دعم إدارة ترامب الثابتة للسعوديين، وعندما تصبح السيطرة في يد الديمقراطيين في كانون الثاني/ يناير، فغالبا ما يدعمون الجهود الساعية لممارسة رقابة أكبر على التدخل، الذي حظي بالسلاح والدعم الأمريكيين”.
ويشير الكاتب إلى أن وزير الخارجية مايكل بومبيو تحدث اليوم مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وشدد على أن الولايات المتحدة ستخضع الضالعين في مقتل جمال خاشقجي كلهم للمساءلة، وأكد أن على السعودية أن تفعل الشيء ذاته، لافتا إلى أنه فيما يتعلق باليمن فإن الوزير كرر دعوات الولايات المتحدة لوقف لإطلاق النار، وأن تجلس الأطراف كلها على طاولة المفاوضات للتوصل إلى تسوية سلمية برعاية المبعوث الخاص للأمم المتحدة.
ويتساءل ثارور: “هل تشكل هذه نقطة تحول في حرب اليمن؟ ويبدو الآن أن ذلك ممكن، فقد ركز مقتل الصحافي المعارض جمال خاشقجي الغضب الدولي على الرياض، ويبدو أنه قاد حلفاء المملكة الغربيين لمراجعة دعمهم للتدخل، الذي تسبب إلى الآن بمقتل عشرة آلاف شخص على الأقل، وتسبب في إيصال نصف سكان اليمن تقريبا إلى شفير المجاعة، بحسب الأمم المتحدة”.
وتورد الصحيفة نقلا عن عضوة مجلس الشيوخ جيان شاهين (ديمقراطية عن نيو هامبشير)، وعضو مجلس الشيوخ تود يونغ (جمهوري عن إنديانا)، قولهما في بيان مشترك لهما: “يجب علينا أن نبعث برسالة واضحة ومباشرة وملموسة بأننا نتوقع من الرياض أن تدخل بحسن نية في مفاوضات ضرورية لإنهاء الحرب الأهلية.. وعلى الرياض أيضا أن تفهم بأننا لن نتسامح مع الغارات الجوية المستمرة والعشوائية ضد المدنيين والبنى التحتية المدنية، التي ساعدت في إيصال 14 مليون يمني إلى شفير المجاعة”.
ويلفت الكاتب إلى أن 30 موظفا كبيرا سابقا في إدارة أوباما قاموا خلال عطلة نهاية الأسبوع، بتداول رسالة تدعو الرئيس ترامب لإيقاف الدور الأمريكي في الصراع، وتحملوا مسؤولية بدء الدعم الأمريكي للحرب، لكنهم يقولون إن الوضع تراجع كثيرا في ظل إدارة ترامب، الذي تدور استراتيجيته الشرق أوسطية بشكل أساسي حول مواجهة إيران وتأييد الرياض وأبوطبي.
وينقل ثارور عن مسؤولين سابقين، بينهم مستشارة الأمن القومي السابقة سوزان رايس، ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية جون برينان، قولهم: “لم نرد ان يتحول الدعم الأمريكي للتحالف إلى صك مفتوح، لكن اليوم مع استمرار تزايد عدد الضحايا المدنيين فإنه ليست هناك نهاية منظورة للصراع، وواضح أن ذلك بالضبط هو ما حصل.. لكن وبدلا من التعلم من الفشل، فإن إدارة ترامب ضاعفت من دعمها لتنفيذ القيادة السعودية للحرب، ونحت القيود التي كنا فرضناها، لقد آن الأوان بالنسبة للدور الأمريكي في هذه الحرب الكارثية في اليمن لأن ينتهي”.
وينوه الكاتب إلى أن المؤشر الأول لتغير أكيد في السياسة جاء يوم الجمعة، عندما تم الإعلان بأن الإدارة ستتوقف عن تزويد طائرات التحالف الذي تقوده السعودية، التي قامت بآلاف الطلعات فوق اليمن، بالوقود.
وينقل ثارور عن زملائه، قولهم في التقارير بأنه: “لطالما كان تزويد أمريكا لطائرات التحالف بالوقود مسألة مثيرة للجدل بسبب الأعداد الكبيرة من الضحايا المدنيين في غارات تلك الطائرات.. واستهدفت غارات التحالف المستشفيات والمستوصفات والأعراس وبيوت العزاء والمصانع وغيرها من الأهداف غير العسكرية، وقد شاهدت (هيومان رايتس ووتش) و(واشنطن بوست) شظايا من ذخيرة أمريكية في العديد من مواقع الغارات”.
ويقول الكاتب إن الإدارة لا تزال تقدم الكثير من المساعدة للتحالف، بما في ذلك مشاركته المعلومات الاستخباراتية، فيما هناك تقارير بأنها تقوم بعملياتها السرية الخاصة في اليمن، ومع ذلك فإن الخبراء اعتبروا الإعلان مؤشرا على تغير في اتجاه الرياح في واشنطن.
وتنقل الصحيفة عن الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية بروس ريديل، الذي يعمل الآن خبيرا في معهد بروكينغز، قوله: “هذه هي المرة الأولى التي تتخذ فيها الولايات المتحدة إجراءات صلبة لإنهاء الحرب السعودية.. وكانت إدارتان قد منحتا السعودية صكا مفتوحا لفعل ما تريد، والآن من الصعب على السعوديين القيام بغارات جوية في العمق اليمني، مثل القيام بغارة في العاصمة مثلا”.
ويشير ثارور إلى أن آخرين كانوا غير مقتنعين، فقالت العالمة المتخصصة في اليمن في جامعة إكسفورد إليزابيث كيندال، قولها لمراسل “واشنطن بوست”، سودرسان رغافان: “قرار أمريكا بأن توقف الإمداد بالوقود لطائرات التحالف أمر مهم؛ لأنه يعني أن أمريكا تحاول النأي بنفسها عن الآثار المدمرة على المدنيين للغارات الجوية سيئة الاستهداف.. لكنه لا يغير اللعبة العسكرية”.
ويجد الكاتب أن التركيز الدولي الآن ينصب على معركة ميناء الحديدة، بوابة المواد الغذائية والطبية المدمرة لأكثر من 80% من سكان اليمن، ويعتقد التحالف بأن السيطرة على الحديدة ستوجه ضربة قاصمة للحوثيين، وتضطرهم للجلوس إلى طاولة المفاوضات، مشيرا إلى أن التحالف قام بتصعيد هجومه ضد المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون من المدينة، فيما يحذر المراقبون من وقوع محتمل لضحايا مدنيين.
ويذكر ثارور أن المفاوضات بين الأطراف المتحاربة، بوساطة من الأمم المتحدة في وقت سابق من هذا العام، فشلت، ولام المسؤولون السعوديون والإماراتيون الحوثيين لعدم مشاركتهم في العملية بنية صادقة، مستدركا بأن الحوثيين يدعون الأمر ذاته بالنسبة للسعوديين والإماراتيين، فكتب زعيم الحوثيين، محمد علي الحوثي، في مقال نشر في “واشنطن بوست”، قائلا: “القادة السعوديون متهورون، ولا اهتمام لديهم بالدبلوماسية.. وتمتلك الولايات المتحدة النفوذ لإنهاء الصراع، لكنها قررت حماية حليف فاسد”.
ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أنه في ضوء إصرار الجانبين على مواقفهما، فإن منظمات الإغاثة تخشى الأسوأ، فقال مدير عمليات الشرق الأوسط في وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أمين عواد، في ندوة الأسبوع الماضي في واشنطن، برعاية (توديز وورلد فيو): “هناك حاجة للمساعدات في اليمن.. فليس هناك طعام، وهناك كوليرا، وتستمر وفيات الأطفال، نحن خذلنا الشعب وخذلنا أنفسنا”.