مجزرة قانا في لبنان شاهد تاريخي لن يزول على جرائم الاحتلال

خمسة وعشرون عاما مضت على مجزرة قانا الأولى وما زالت ذكرى هذه المجزرة الدموية التي تصادف اليوم ماثلة في أذهان اللبنانيين وشعوب المنطقة كأكبر دليل على وحشية كيان الاحتلال الإسرائيلي وعقليته الإرهابية التي تكشفت أمام الرأي العام العالمي بعشرات المجازر المروعة التي ارتكبها في فلسطين المحتلة ولبنان وغيرهما من دول المنطقة.

ووقعت تفاصيل المجزرة المروعة في مثل هذا اليوم 18 أبريل/نيسان 1996، بمركز قيادة فيجي التابع للأمم المتحدة في قرية قانا جنوب لبنان، حيث شنت قوات الاحتلال الاسرائيلي عدوانا عسكريا، في اطار عدوان “عناقيد الغضب” وفق التسمية الإسرائيلية، الذي كان قد انطلقت منذ 11 أبريل/نيسان وشملت مدنا وبلدات لبنانية، منها العاصمة بيروت.

إرهاب الكيان الصهيوني في المنطقة اتخذ دائما أشكالاً متعددة بما فيها الاغتيالات والمجازر الجماعية التي يستهدف بها الأبرياء من أطفال ونساء وهذا ما حدث في جنوب لبنان يوم الـ 18 من نيسان عام 1996 عندما قصفت قوات الاحتلال بشكل متعمد مبنى مقر الكتيبة الفيجية التابعة لقوة الأمم المتحدة في لبنان بعد لجوء نحو 800 مدني من عدة قرى بالجنوب اللبناني إليه هرباً من العدوان الإسرائيلي ما أسفر عن استشهاد 110 مدنيين بينهم الكثير من النساء والأطفال ومن بين جثث الضحايا كانت هناك 18 جثة لم يتم التعرف عليها لشدة ما لحق بها من تشويه فيما أصيب العشرات من الأشخاص بجروح وإعاقات وتشوهات في أجسادهم.

بدأ الكيان الصهيوني قبله بأيام على لبنان حرب اسماها “عناقيد الغضب”، ما أدّى إلى لجوء العوائل إلى قاعدة فيجي التابعة لقوّة حفظ السّلام الدّوليّة في قانا، ظناً منهم أنّ مراكز الأمم المتحدة ستكون بمنأى عن القصف فأطلقت المدفعيّة “الاسرائيليّة” بعد ظهر ذلك اليوم قذائفها نحو القاعدة ما أدّى إلى قتل العشرات بينهم أطفال ونساء وشيوخ. وقد أصيب بعض النّاجين بجروح فظيعة، ووصلوا إلى المستشفيات المحلّية بأجساد مشوّهة ومحروقة ومصابة بشظايا.

ورد الجنرال فرانكلين فان كابن، في تقريره بتاريخ 1 أيار 1996 م حول الهجوم على قانا، أنه “كانت هناك أدلّة مهمة على إنفجار قذائف مدفعية، مزودة بصواعق تفجير فعند الاقتراب من الهدف، فوق المجمع مباشرة، وتغطيتها لجزء كبير من مساحته. وعلى الرغم أنّ عدد القذائف لا يمكن أن يحدد بالضبط، فإنّ الأدلة المتوفرة تشير إلى أنّ ثماني قذائف من هذا النوع انفجرت فوق المجمّع ولم تنفجر سوى قذيفة واحدة خارجه”.‏‏‏

فيرجع العدد المرتفع للشهداء إلى نوع القذائف التي استخدمت في القصف، فحوالي ثلثي مجموع القذائف كانت من التي تنفجر في الجوّ فوق الهدف؛ وهذه القذائف الشديدة الانفجار أسلحة مضادة للأفراد ومصمّمة لتنفجر فوق الأرض وتنشر الشظايا على امتداد منطقة واسعة بهدف زيادة حجم الإصابات على الأرض إلى أقصى ما يمكن.

كان هناك الكثير من الصراخ، وكانت المباني تشتعل لم نستطع ان نصدق ان قاعدتنا تتعرض إلى هجوم، كان صوت القذائف آلاتية، تعقبها الانفجارات، ومنظر القتلى يفوق حدود الوصف. كانت هناك اشلاء في كل مكان. الكولونيل واهمي

شنّ الكيان الصهيوني في الحادي عشر من نيسان عام 1996 على لبنان حرب اسماها “عناقيد الغضب” بحجة القضاء على القوة العسكرية لحزب الله. كان أسلوبه الحرب عن بعد، حملة جوية شاملة وقصف من البر والبحر دون توغل بري، قصفت مدن لبنان وقراها خلالها بما لا يقل عن 23 ألف قذيفة وانتهكت سماؤه بـ 523 غارة جوية حصيلتها 5 مجازر آخرها مجزرة قانا.

فركز القصف الإسرائيلي على الجنوب معقل المقاومة مما دفع أهل القرى إلى النزوح شمالاً، بلغ مجموع العائلات النازحة حتى مساء الخامس والعشرين من نيسان عام 1996 م 22945 عائلة مسجلة علماً بأن 40% من مجمل النازحين غير مسجلين لدى هيئة الإغاثة أو لدى أي مؤسسة أخرى لأنهم نزلوا عند أقارب لهم، أخلي ما يزيد على 100 قرية وبعض من بقي من أهلها التجأ أيام القصف المكثف إلى مراكز هيئة الأمم المتحدة العاملة في الجوار طلباً للمأوى والحماية.

وبلغت الحرب ذروتها في الثامن عشر من نيسان مما أجبر مجموعة من أهالي قانا المدنيين اللجوء إلى معسكر للأمم المتحدة لحماية حياة الأطفال والنساء والشيوخ، ظناً منهم أنّ القوات الإسرائيلية لا تقصف مراكز قوات الطوارئ الدولية، ولكن في الساعة الثانية بعد ظهر 18 نيسان إنهار وابل من قذائف المدفعية الإسرائيلية الثقيلة على مقرّ فيجي لقوات الأمم المتحدة في قانا. وبعد أقل من ربع ساعة تحول 107 من المدنيين اللبنانيين إلى جثث محترقة وأشلاء يصعب تميّزها.

بعد إطلاق قذائف الهاون رفعت قاعدة قانا “تقريراً عن الحادث” إلى قيادة “يونيفيل” وأصدرت تحذيراً عبر أجهزة الميكروفون إلى جنود القوة الدولية بأنّ عليهم أن يرتدوا السترات الواقية من الرصاص، فإنّ أولى القذائف بدأت تسقط قرب موقع الهون بعد انقضاء حوالي 8 إلى 10 دقائق على التحذير الموجه عبر الميكروفون، في الساعة 2.08 أو 2.10 تقريباً بعد الظهر، ثم تعرضت القاعدة ذاتها إلى القصف، وسقطت القذيفة الأولى على محيط المجمع، قرب المدخل الرئيسي، ودمرت بنايتين من النوع المسبق الصنع. وأدّت القذائف الثلاث الأولى إلى تدمير خطوط الكهرباء والاتصالات. وقال الكولونيل واهمي: “كانت مواقعنا في التلال تنقل إلينا ما يجري كنّا هنا في انتظار الموت. لم يكن هناك إطلاقاً ما يمكن أن نفعله”.

وأضاف: “كان هناك الكثير من الصُراخ، وكانت المباني تشتعل لم نستطع أن نصدّق أنّ قاعدتنا تتعرض إلى هجوم، كان صوت القذائف الآتية، تعقبها الانفجارات، ومنظر القتلى يفوق حدود الوصف. كانت هناك أشلاء في كل مكان”.‏‏‏

وأبلغ موظف في “يونيفيل” كان موجوداً أثناء الهجوم، أنّ العائلات المشرّدة كانت متجمّعة في ثمانية مواقع في القاعدة. ودمّر القصف بشكل كامل ثلاثة مبان جاهزة كانت تؤوي حوالي 240 شخصاً ـ كل ما تبقّى عند زيارتي للمكان حفرة مستطيلة ضخمة أحدثها القصف وقال : “كان هناك 126 شخصاً آخرين داخل منزل “فاتوا” حيث انفجرت قنبلة في الجوّ فوقه وقتلت 52 شخصاً”.‏‏‏

من بين أكثر القضايا إثارة للخلاف في شأن مجزرة قانا هو ما إذا كان الهجوم “الإسرائيلي” عرضياً أم متعمداً. وما إذا كان القذائف التي سقطت داخل القاعدة قذائف طائشة ـ تعرف بـ “نثار المدفعية”.‏‏‏

وعبر مسؤول كبير في “يونيفيل” عن قناعته بأنّ الهجوم على قانا لم يكن حالة “نثار مدفعي”. ولم يجادل هو أيضاً بأنّ القاعدة استهدفت بشكل متعمد: “كانوا يعرفون أنّهم يطلقون النار قرب قاعدة تابعة للأمم المتحدة. كان الخطر الحقيقي هو مدفعية الهاون، وكان مثالاً على الإهمال. كان قراراً اتخذته القيادة الشمالية (للجيش “الإسرائيلي”) بإطلاق النار على منطقة مكتظّة بالمباني. هناك خط دقيق يفصل بين انعدام الحرص والإهمال وبين القتل المتعمد في هجوم مقصود.

تجريم الكيان الصهيوني

علت الصرخات المطالبة بشجبٍ واستنكارٍ دوليين ضدَّ هذه المجزرة التي استهدفت عن قصد مدنيين أبرياء، فاجتمع أعضاء مجلس الأمن للتصويت على قرار يدين إسرائيل ولكن الولايات المتحدة أجهضت القرار باستخدام حق النقض الفيتو.

كان إجمالي الضحايا وفق تقارير إعلامية نحو 175 شهيداً وثلاثمئة جريح، ونزوح عشرات الآلاف، إضافة إلى أضرار مادّية كبيرة في المنشآت.

وأجرت عدّة منظمات عالمية مهتمة بحقوق الإنسان تحقيقات حول المجزرة، وخلصت كلّها إلى ترجيح أن يكون القصف متعمداً وليس نتيجة الخطأ التقني الذي ادّعته “اسرائيل”.

رفضت وزارة الخارجية الإسرائيلية تقرير الأمم المتحدة وتقارير المنظمات الدولية الأخرى حول اتهام “إسرائيل” بارتكاب المجزرة عن قصد وزعمت كذباً وبهتاناً في البيان الصادر عنها أنّ حزب الله يتحمل المسؤولية عن المجزرة، وإنّه من الصعب على “إسرائيل” إدراك سبب عدم إدانة التقرير (الأممي) لحزب الله، وإنّ هذا التقرير غير الدقيق والمنحاز هو تقرير مضلل.

ومارست إدارة الرئيس الأمريكي كلينتون حينها ضغوطاً هائلة على الأمين العام للأمم المتحدة بطرس غالي كي لا ينشر التقرير الأممي، ولكنه أصرّ على نشره فعاقبته أمريكا بعدم تجديد انتخابه مرة ثانية.

وكشف التقرير بجلاء معرفة وعلم “اسرائيل” بوجود المدنيين في مقر اليونيفيل، وإنّها دمرته عن عمد وسبق إصرار وليس عن طريق الخطأ كما زعمت.

وقد اجتمع مجلس الأمن للتصويت على قرار يدين إسرائيل، ولكن الولايات المتحدة الأميركية كعادتها أجهضت القرار باستخدام حق النقض (الفيتو).

مواقف دولية باردة

ورغم هول المجزرة المتعمدة، كانت ردود الأفعال الدولية باردة، حيث طالبت بـ”الهدوء” و”وقف إطلاق النار”، ودعا الرئيس الأميركي حينها بيل كلينتون “جميع الأطراف لوقف إطلاق النار”، ووجه الرئيس الفرنسي جاك شيراك “نداء” إلى “إسرائيل” بضرورة الاستجابة لمطالب وقف إطلاق النار، وإنتقدت روسيا “إسرائيل” وأعربت عن قلقها لتدهور الوضع في لبنان.

في حين لم يتجاوز الموقف الرسمي العربي حدود الإدانة وبعث رسائل تؤكد خطورة الموقف وضرورة وقف العمليات العسكرية في لبنان.

أما “إسرائيل”، فقد أمعنت في جريمتها عبر تحميل الضحايا مسؤولية المجزرة، وقالت عن المقاومة اللبنانية وحزب الله “يتحملون مسؤولية سقوط قتلى من المدنيين”.

تاريخ طويل من المجازر:

مجزرة قانا الأولى، لا تعتبر أولى الجرائم الصهيونية في لبنان، فقد سجل التاريخ عشرات المذابح والمجازر منذ سنة 1948.

ففي سنة 1948، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتجميع الأهالي في مسجد وبدأت بإطلاق النار عليهم، وقد سميت بمجزرة مسجد قرية صلحا الجنوبية القريبة من بلدة بنت جبيل.

وفي شهر تشرين الأول/أكتوبر 1949، قامت قوات إسرائيلية بمهاجمة بلدة حولا وعمدت إلى إعدام الرجال والمسنين برميهم بالرصاص وتدمير المنازل التي جمعتهم فيها فوق رؤوسهم، وقد عرفت بـ”مجزرة حولا” التي راح ضحيتها 90 شهيدا لبنانيا.

وفي سنة 1967، شهدت بلدة حولا مجزرة ثانية راح ضحيتها 5 شهيدات من النساء.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 1967، قامت “إسرائيل” بارتكاب مجزرة أخرى في لبنان، حيث حاصرت قرية حانين لمدة 3 أشهر ثم قامت باقتحام القرية وأقدمت على قتل السكان وإشعال النار في المنازل.

وفي سنة 1974، قامت “اسرائيل” بارتكاب مجزرة يارين التي نسفت فيها 17 منزلا وقتلت 9 مواطنين.

وفي شهر أيار/مايو 1975، ارتكبت، أيضا مجزرة عيترون التي راح ضحيتها 9 شهداء من الأطفال إثر انفجار قنبلة موقوتة زرعتها قوات الاحتلال.

وسنة 1976 ارتكبت القوات الإسرائيلية مجزرة في بلدة بنت جبيل حينما قصفت إحدى أسواق البلدة وذهب ضحية ذلك 23 شهيدا.

وفي سنة 1978، ارتكبت “إسرائيل” مجزرة راشيا إذ قتلت مدفعيتها 15 لبنانيا كانوا ملتجئين إلى كنيسة البلدة، كما هاجمت قرية كونين في قضاء بنت جبيل وقتلت 29 مواطنا غالبيتهم من الأطفال.

وفي شهر أيار/مايو 1978 قصف الطيران الإسرائيلي مسجدا في بلدة العباسية التجأ إليه عدد من العائلات فقتلت 112 مواطنا معظمهم من النساء والأطفال.

وشهدت سنة 1982 مجزرة صبرا وشاتيلا التي راح ضحيتها 800 شخص من فلسطينيين يقطنون في المخيمين، بالإضافة إلى عدد من اللبنانيين، وبعد 4 سنوات ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجزرة في بلدة سحمر إذ قتلت 13 لبنانيا.

سنة 1985، ارتكبت اسرائيل مجزرة بئر العبد التي سقط فيها 75 شخصا معظمهم من النساء والأطفال من جراء انفجار سيارة مفخخة زرعتها المخابرات الإسرائيلية.

وفي أيلول/سبتمبر 1985 استشهد أكثر من 30 شخصا في مجزرة إسرائيلية استهدفت عددا من القرى في إقليم التفاح.

وشهد الجنوب اللبناني في سنة 1994 مجزرة جديدة ارتكبها سلاح الجو الإسرائيلي حين أغار على مبنى من طابقين في بلدة دير الزهراني ودمره على من فيه.

وفجر 30 تموز/يوليو 2006، تعرضت قرية قانا، لمجزرة أخرى خلفت 57 شهيدا على الأقل أكثرهم من الأطفال، كانوا قد لجؤوا لبناية هربا من القصف الإسرائيلي الذي تشنه على قريتهم، في مذبحة عرفت بمجزرة قانا الثانية.

وسقط آلاف الشهداء من المدنيين اللبنانيين خلال سبعة عقود مع الصراع مع الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين المحتلة، إلى جانب أخوان لهم من الفلسطينيين والجنسيات العربية الأخرى.

المنابع: صحف ومواقع

قد يعجبك ايضا