صباح العتبي .. تحدّت الإعاقة وتُوّجت “ملكة الشطرنج”

لحظة… انظروا معي إلى هناك ، فثمة ظل يقترب منا بهدوء، انهضوا لتنظروا معي – ماذا رأيتم؟ امرأةٌ مقعدةٌ على كرسي متحرك ما الملفت في الأمر قد تجيبون ببرود. لكن بطلتنا لا تعتبره مجرد كرسي متحرك بل عرشاً تتربع عليه .
هل قالت ذلك ؟ لا لم تقل ذلك بل فعلت. كيف؟ حسناً سأجيبكم أو دعوا صاحبة الشأن ستجيبكم بنفسها فتفضلوا معي لنسمعها.
من أنت سيدتي؟ وما قصة الإلهام التي يمكننا أن نرويها عنك في المركز الإعلامي لذوي الإعاقة لتكون نبراساً لأجيالنا القادمة؟
أنا: صباح محمد قائد العتبي ، من صنعاء، من ذوي الإعاقة الحركية، بكالوريوس إدارة أعمال وبطلة السيدات ذوات الإعاقة في لعبة الشطرنج، سأحدثكم عن نفسي بأكثر تفصيلاً، ولكن اسمحوا لي بعض الوقت لأذاكر لعمار في الصف السادس بعض دروسه، وأساعد إسراء في الصف الرابع في حل واجب الرياضيات، وأيضاً حتى أحضر آلاء ذات العام الواحد لتنام فلا تقطع أفكاري، وحينها سيكون زوجي ياسر بجانبي كما تعودت دائماً أن يكون معي فهو زوجي وسندي.
إذاً بطلت قصتنا مرتبطة وعمار وإسراء وآلاء هم أبناؤها؟
نعم ولكن تعالوا لنتصفح قصة صباح من البداية.
طفولة بمرارة اليتم
ولدت صباح العتبي في العاصمة صنعاء، وكمعظم العظماء عاشت طفولتها يتيمة الأب فقد توفي والدها رحمه الله وعمرها سبعة أشهر فقط.
أصيبت صباح بحمى شوكية أصبحت على إثرها معاقة حركياً على كرسي متحرك. وتتحدث صباح عن أسرتها بكل حب واعتزاز وتخص والدتها بالذكر والدعاء فلقد عاشت في كنف أسرتها حياةً جميلة وعاشت تفاصيل طفولتها كباقي إخوانها لا تشعر بكثير فرق بينها وبينهم. ولكن كيف لطفلة من ذوي الإعاقة ألا تشعر بالتمييز وقهر الاستثناء بسبب الإعاقة في مجتمع يعاني الفقر والحروب المستمرة وعدم الاهتمام بذوي الإعاقة على حد تعبير صباح.
صباح تتعلم رغم الحواجز والعوائق
بادرت والدة صباح المثالية بتسجيل ابنتها المعاقة ذات الخمس سنوات في أقرب مدرسة من المنزل، ولكن صباح الطموحة وقفت باب المدرسة منكسرة بعض الشيء وهي اليوم لا تتذكر شقاوة الأطفال ولا وجوه بعض المعلمات بل تتذكر تلك الفصول المرتفعة والدرج والسلالم التي وقفت حائلاً أمام كرسي صباح المتحرك فاضطرت للتسجيل منازل وتذهب إلى المدرسة للاختبار فقط، واستمر ذلك الحال حتى الصف السادس، بعدها التحقت صباح بجمعية المعاقين حركياً والتي تتحدث عنها بكل إيجابية كيف لا وهي المكان المُهيئ نفسياً وبيئياً لها ولرفاقها الأطفال من ذوي الإعاقة الحركية، ثم انتقلت صباح في الإعدادية والثانوية لمدارس الدمج، والدمج هي المرحلة التي تتحدث عنها صباح بوجع فقد أصبحت فتاة أكثر إدراكاً ونضجاً فهي ترى أنصاف النظرات لها بعض الأحيان والأعين المحدقة إليها أحياناً أخرى، كما كانت تتحاشى أن ترى فتاة بجانبها جاءت لتساعدها فإذا بها دون قصد تحبطها بدموعها المتعاطفة التي كانت ولا تزال صباح المثابرة ترفضها وترفض أن يعامل ذوي الإعاقة بشفقة ورحمة وتطالب أن يعامل ذوي الإعاقة بتقدير واحترام وتهيئة للبيئة فقط.
وفي الجامعة انتقلت صباح لكلية الإدارة قسم إدارة الأعمال حاملةً همها وهمتها لتوصلها إلى بر الأمان حيث تخرجت من الجامعة عام 2007م وتوظفت في إدارة الأحوال المدنية.
صباح تضع بصمتها وتتميز
درست صباح المرحلة الأساسية فالثانوية فالجامعة وتوظفت ، و لكن الكثيرات يفعلن ذلك وصباح امرأة لا تحب الازدحام بل تحب أن تكون حين يكون القليل (أنها القمة) فالكثيرون يزدحمون في الأسفل، فحصلت صباح على الرخصة الدولية لقيادة الحاسوب، ولكن كان المنعطف والتميز الحقيقي في خوضها لمجال رياضة النساء ذوات الإعاقة وبالتحديد لعبة الشطرنج، حيث تميزت فيها وأصبحت تُعرف بين بعض ذوي الإعاقة بملكة الشطرنج اليمنية، فقد حازت صباح العتبي على المركز الأول على مستوى الجمهورية في لعبة الشطرنج للشرطة النسائية عام 2014م، وحصلت على المركز الأول في الجمهورية للعبة الشطرنج للسيدات ذوات الإعاقة، بينما حصلت على المركز الثالث في بطولة العالم السابعة للشطرنج في سلوفاكيا والتي جرت عبر الإنترنت عام 2016م.
ترى صباح أن أهم إنجاز حققته في حياتها هي تمكنها من بناء أسرة مثالية وناجحة على الرغم من الصعوبات والعقبات التي يضعها المجتمع أمام المرأة ذات الإعاقة. وتعتقد أن المجتمع اليوم أكثر تقبلاً للأشخاص ذوي الإعاقة وأكثر إصغاءً لقضايهم من ذي قبل رغم أن المطلوب والمأمول أكثر بكثير مما هو حاصل، وتتوجه برسائلها أولاً للأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم والنساء ذوات الإعاقة على وجه الخصوص بألاّ يستسلمن للظروف والحواجز البيئية والاجتماعية مهما كان مطالبة زميلاتها أن يكن قويات من الداخل وأن الإنسان الذي يشعرن به في أنفسهن سينعكس على شخصيتهن وحياتهن كما قالت.
ثم تتوجه صباح لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة وتطالبهم بأن يكونوا سنداً وعوناً لأبنائهم المعاقين وأن يأخذوا بأيديهم حتى ينهضوا وينطلقوا وسيعتمدون على أنفسهم. كما طالبت صباح الدولة ومؤسسات ذوي الإعاقة أن تواكب تزايد الأزمات بمضاعفة خدماتها لذوي الإعاقة بشكل عام والنساء ذوات الإعاقة بشكل خاص لأنهن الحلقة الأكثر تضرراً.
إعداد/ إبراهيم محمد المنيفي

قد يعجبك ايضا