أم منال : أحمل رزقي فوق رأسي
عرفات مكي
في صباح كل يوم تخرج “أم منال ” من منزلها ، حاملةً فوق رأسها كيساً بلاستيكياً ، يحوي بداخله ملابس جديدة، وأدوات الزينة النسائية ، والعطور والحناء، وتتنقَّلُ مشياً على أقدامها ، تطرق أبواب المنازل ، وتعرض لساكنيها مالديها من البضائع ؛ لأجل أن تبيع لهم، وتكسبُ من تلك البضائع ما يسد جوع أطفالها ..
أم منال ، تبلغ من العمر 46 عاماً تروي “لموقع الحديدة نيوز” رحلة معاناتها وكفاحها وتضحياتها ؛ في العمل ، حيث واجهتها بعض الصعوبات والمتاعب إلا أنها تغلَّبت على غالبيتها
تقول : ” أنا وهذا الكيس لانفترق أبداً ، فهو يحوي مصدر رزقي الذي أعيش منه أنا وأطفالي، فمنذ أن توفي زوجي تفاقمت معاناتنا ، وأصبح وضعناً صعباً للغاية، إذ لا يوجد مَن يُعيلنا ويصرف علينا ، قررت تخطِّي بعض العادات والتقاليد ، وكسر قيود المجتمع التي يفرضُها علينا نحن معشر النساء ، همَمْتُ بالخروج للعمل ، ولم يكنْ أمامي غير هذه المهنة المُتعِبَة والشاقَّة ..
تُضيف ” في بداية الأمر لاقيت معارضة من والدي حول خروجي للعمل ، وكان يرى أن خروجي يُعد (عيباً )، لكن بعد مرور عدة أيام بدأت ظروفنا المادية تزداد صعوبة ، فطرحت عليه فكرة الخروج للعمل مرة أخرى ،ووضعتُه بين خيارين : إما أن أعمل أو نموت جوعاً .
أدرَكَ صعوبة الموقف، إذ لايوجد أي بدائل أخرى ، وليس باستطاعته أن يوفر لنا كل احتياجاتنا، فوافق هذه المرة ومن حينها بدأت العمل ” .
تتذكر “أم منال ” أحداث اليوم الأول الذي خرجت فيه للعمل وتقول ” كمغامرةٍ منِّي ذهبت لبيع آخر قطعة من ذهبي، وبعتها بمبلغ 50 ألف ريال يمني، واتجهت بها مباشرة لسوق الجملة ، قمت بشراء بعض الملابس وبعض من أدوات الزينة النسائية ، وانطلقت عائدة إلى الحارة التي أسكن فيها ، دخلت عدة منازل وعرضتُ عليهم بضاعتي، وللأسف لم يقوموا بالشراء منِّي ، حزنت كثيراً ، وشعرت باليأس ، ولكن أصررت الاستمرار في الدخول لبقية المنازل ، والحمدلله اشترى منّي بعض النساء، وعُدْتُ إلى منزلي وبداخلي الفرحة، إذ حصلتُ يومها على( ألفين ريال يمني) كأرباح لثمن البضاعة، وهذا ما شجعني على الاستمرار ، وبَدَأ النساء يعرفونني، ويتواصلون معي إذا احتجن أي شيء” .
استطاعت مع مرور الأيام أن تكسب ثقة الزبائن و بعض المحلات التجارية، وأعطوها نسبة أرباح جيدة، واستطاعت أن توفر لقمة العيش لأطفالها ، وتتحول من عائل إلى معيلة ، كما أصبح لديها زبائن كثر حتى من الحارات المجاورة ، خصوصاً بعد توفيرها للكثير من متطلبات النساء ، من الملابس وأدوات الزينة، فتحسَّنَ الوضع المعيشي لأسرتها ، واستطاعت أن توفر كل احتياج والدها وأطفالها، ليس فقط بتوفير لقمة العيش بل قامت بتسجيل أطفالها بالمدارس ، ووفرت لهم كل ما يحتاجون من المستلزمات المدرسية من ملابس وأحذية ودفاتر وأقلام وحقائب وغيرها من الاحتياجات الضرورية .
لاقت “أم منال ” تشجيعاً كبيراً من والدها بعد أن رأى نجاحها في العمل، رغم معارضته لها في البداية ، حتى أنه أصبح يساعدها في عملها ، فيذهب لمحلات بيع الأقمشة ويستلم منهم البضاعة التي طلبتها، ويعود بها للبيت ليتم فرزها وتجهيزها ، لتقوم ابنته ببيعها على النساء في المنازل حتى نفاد الكمية، ليعود مجدداً لشراء كمية أخرى.
وترى أن نجاحها في العمل لم يكن بالأمر السهل؛ بل واجهت الكثير من المتاعب في البداية ، لكنها تحمَّلتْ وصبرت كثيراً، رغم أنها فكَّرت في ترك العمل في الأشهر الأولى لكن تشجيع والدها وصديقاتها على الاستمرار والصبر جعلها تستمر حتى حققت هذا النجاح .
تقول أن أبرز ما واجهته ولا زالت تواجهه هو نظرة المجتمع للمرأة العاملة ، فهم لا يزالون ينظرون أن عملها يُعد عيباً ، هم لا يعيشون معنا ، ولا يُقاسمونا الظروف القاسية التي نحن نعيشها، لقد مرَّت علينا أيام قاسية جداً، ولم يلتفت إلينا أي أحدٍ منهم.
تختم أم منال حديثها معنا بتوجيه نصيحتها للنساء اللواتي مازلن راضخات لقيود وعادات المجتمع .
تقول ” أدعو النساء للخروج للعمل، ومساعدة أسرهن على مواجهة ظروف الحياة؛ لأجل توفير متطلبات العيش الكريم، وعدم الاستماع لكلام المجتمع الذي لايزال يتمسَّك بعادات وتقاليد قديمة ؛ ساهمت في تقييد المرأة وحرمانها من حقها في العمل ” .