الحقوقية التشيلية “كوني دي وايت”.. نموذج للإنسانية العابرة للجغرافيا
أن تشهد العاصمة التشيلية سنتياغو في 12 نوفمبر 2020م مظاهرة حاشدة وأمام السفارة الأمريكية احتجاجا على المجازر التي يرتكبها التحالف السعودي الإماراتي الأمريكي على اليمن وبعد قرابة ستة أعوام من بدء العمليات العسكرية والحصار الشامل، فذلك يعني لتأثير الدبلوماسية الشعبية ينتشر ويتوسع على مختلف خارطة العالم، وكذلك يعني أن المهنة الحقوقية في جوهرها الأصيل لا تؤطرها الأيدولوجيا ولا المذاهب ولا المصالح ولا الجغرافيا ولا ولن تستطيع مغالطات المنابر الإعلامية التضليلية حجب الحقائق عنها وإن بدا ذلك فمؤقتا مرهون بعامل الزمن الكفيلة تحولاته بتغيير القناعات لصالح الحقيقة.
الثورة/ محمد إبراهيم
في هذه الزاوية نعرض سريعا واحدة من أصدق أصداء المظلومية اليمنية التي تكشفت مع مسار زمن الحرب والحصار لتصل إلى كل أحرار العالم من الحقوقيين والناشطين، وهي قصة الناشطة الحقوقية التشيلية “كوني دي ويت” (connie de witt) التي قادت المظاهرة الاحتجاجية المشار إليها آنفا وبمشاركة العديد من الأحرار في ذلك البلد القصي (تشيلي) الأمريكية اللاتينية رافعين صور ضحايا القصف المباشر لطيران التحالف من المدنيين أطفالا وكهولا ونساء مطالبين بوقف الحرب وفك الحصار ومحاكمة أطراف التحالف كمجرمي حرب… إلى التفاصيل:
كتب/ كانت الصورة الذهنية معتمة كما حبكتها آلة التحالف الغربي الأمريكي والإسرائيلي عن مقاصد الحرب على اليمن عبر أدواتهما السعودية والإمارات ومن وقت مبكر سبق الحرب والحصار والعمليات العسكرية على الأرض وبكل اللغات، وكل ما في الأمر أن عمليات عسكرية خاطفة تقودها دولة عربية جاثمة على أكبر احتياطي نفطي في العالم (السعودية) على واحدة من أفقر دول العالم وهي اليمن، بغية إنقاذ هذا البلد من المد الإيراني وفي ظرف ثلاثة أيام وفق الصورة التي رسمتها الأدوات المنسلخة من جلد هويتها لأسيادهم (التحالف) الذي دخل حربا مفتوحة، غلفتها الشعارات الإنسانية وفضحتها مشاهد المجازر والضحايا وفرض التحالف كغزاة ومحتلين على كثير من المناطق اليمنية.
أسئلة محورية
السؤال الأهم هنا هو ما الذي سيصنعه ناشطو وأحرار العالم ومنهم في تشيلي لاستيعاب المفارقات بين الأهداف المعلنة للعمليات العسكرية في اليمن وبين النزوات والنزعات والأطماع الاستعمارية المضمرة؟، فبين تشيلي التي تقع في أقصى غرب الكرة الأرضية، واليمن الواقعة في أقصى جنوب الشرق الأوسط، بون شاسع، ومثلما سمع العالم في الأشهر والسنوات الأولى للحرب على اليمن سمع التشيليون الأخبار المغلفة للحقائق بالزيف، ووحدها الناشطة الحقوقية كووني ظلت تتابع بمهنية عالية وتفحص لبيب لمشاهد وصور الحرب المنقولة عبر الأثير الإعلامي الواسع، طارقة أبواب التواصل والعلاقات الإنسانية، التي توصلت كوني عبرها لأحد تقارير فريق التواصل الخارجي الذي يعمل من صنعاء، مصدرا للأحرار الشرفاء في العالم تقاريره النصية المترجمة بثمان لغات المشفوعة بالصور والموثقة للأوضاع الكارثية والمأساوية التي خلفتها الحرب على الأرض والإنسان، فبدأت الحقائق ماثلة كالشمس في رابعة النهار، وصولاً إلى الصدمة التي أحدثتها تلك الصور المرفوعة في الاحتجاجات أمام حراس السفارة الأمريكية في العاصمة التشيلية سنتياغو، ثم على الحقوقيين الذين انظموا تباعا للمسيرة ثم عامة الناس، الذين صدمتهم رؤية الصور التي تحكي حجم الجرائم التي يرتكبها التحالف السعودي الأمريكي بحق الشعب اليمني.
السيرة الحقوقية
بدأت الناشطة السياسية والاجتماعية التشيلية كوني عملها الحقوقي المهني والأول في مجال حقوق الإنسان في سبعينات القرن الماضي عندما تم اعتقال أختها الكبرى في العاصمة سانتياغو دي تشيلي، لتبدأ رحلتها في زمن كانت تشيلي تشهد فيه وحشية لا تكترث لحقوق الإنسان، وفي ظروف سياسية جعلتنا نعيش ديكتاتورية أوغستو بينوشيه 1973م “أكثر الديكتاتورية فاشية وقمعية في القارة الأمريكية بأكملها.. تختصر كوني تجربتها في ذلك الزمن بالقول: “هنا تعلمت ما تعنيه كلمة حق الإنسان!”
واصلت كوني بعد تلك الفترة مشوارها المهني كحقوقية متطلعة إلى تطوير ذاتها المعرفية عن أوضاع الشعوب والحروب العالمية، مرورا بتحولات صناعة وسائل الاتصال والوصول إلى المعلومات، وصولا مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات التواصل الفوري، التي جسرت المسافة بين الدول والقارات لتكون في غرفة واحدة لا أكثر، ومنذ العام 2011م سمعت بمجريات الربيع العربي في الشرق الأوسط وفي اليمن، لكنها تساءلت أكثر مع إعلان التحالف السعودي الأمريكي المتعدد بدء عملياته العسكرية في اليمن تحت الشعارات المشار لها سابقا، تقول كوني في هذا السياق: “تابعت أخبار الحرب في اليمن، لقد كانت أصعب تجربة حقوقية مررت بها على الإطلاق، وغموضا وتطلبت الوقت لانكشاف حقائقها، ونتائجها المأساوية على الإنسان اليمني”.. مضيفة: “إذا كانت وسائل الإعلام التقليدية ستوفر 50٪ من المعلومات عن حقائق الحرب في اليمن للقراء في تشيلي، فأنا متأكدة من أن ذلك سيشكل دعما إنسانيا مهما للغاية، بطبيعة الحال تمكنت فقط من التواصل على الشبكات الاجتماعية وبإرسال الأخبار والرؤى والقراءات عن الحرب وجرائمها الفظيعة بحق المدنيين إلى الصحف الرسمية التشيلية لتنشر فيها”.
وتواصل الناشطة الحقوقية كوني : “كان من حسن الصدف ودوافع الاطلاع أن تعرفت على اليمن أكثر من خلال صديق أتى على صفحتي على الفيسبوك، في مارس 2015م أخبرني بكل شيء عن الحرب في أرضه وكيف مات أطفال يمنيون في تفجيرات السعودية.. كان اللورد اليمني مثقفًا جدًا ولكن قلقه كان كبيرًا جدًا مما كان يحدث في أرضه شعرت بألمه لكلماته وكانت أخباره حزينة جدًا لمعاناة رب اليمن، فبدأت في مشاركة أخباره حول حالة الحرب في بلاده”.
أنشطة حقوقية هامة
لم تتوقف الناشطة الحقوقية التشيلية عند الحصول على إجابات أسئلتها عن الحرب في اليمن فقط بل ترجمت ذلك إلى أنشطة ذات بعد حقوقي إنساني بحت يكاشف الرأي العام العالمي بحقائق الحرب وجوهر المظلومية اليمنية، وفي هذا السياق تقول كوني: “منذ العام 2015م قمت بإنشاء منصات إعلامية متنوعة على وسائل التواصل الاجتماعي وتم عبرها نقل مظلومية الشعب اليمني وكشف جرائم تحالف العدوان الأمريكي السعودي بحق اليمن، في الأوساط الحقوقية التشيلية ومن ثم تعميم هذه الحقائق على الشبكات الحقوقية الدولية، وقمت مع بعض الأحرار هنا في تشيلي بعدة مسيرات واحتجاجات أمام السفارة الأمريكية في العاصمة سانتياغو تندد بالحرب وتطالب بوقفها فورا.
وتضيف: “كنا في يوم الطفل العالمي في شوارع سانتياغو دي تشيلي، ندين “مشاكل أطفال اليمن” في الحرب وسوء التغذية الحاد الذي يعانون منه من الحصار المفروض على البلاد من قبل الجارة السعودية، وسنواصل احتجاجاتنا ضمن أطياف واسعة من الناشطين والأحرار في سانتياغو دي تشيلي حتى إيقاف الحرب على اليمن ورفع الحصار”.
شهادة دولية
ست سنوات من الحرب المتعددة الأوجه السياسية والعسكرية والإعلامية والاقتصادية، على الشعب اليمني، غير أن الأهم من هذا التعدد أنها قرنت بالصمود الأسطوري الذي جعل أحرار العالم وحقوقيه في دوامة من فوضى الأسئلة والانبهار حول حيثيات وعوامل هذه المفارقات، وفي هذا السياق تقول كوني: “أنتم يا رجال اليمن ستسجلون في تاريخ العالم معركتكم الخالدة المشهود لها بالصمود والمقاومة، رغم لا مبالاة المجتمع الدولي والخذلان الأممي، وما عليكم إلا الحفاظ عليها والحفاظ على بلدكم! والتحية لليمن وقائد ثورتها السيد عبد الملك الحوثي ورئيس المجلس السياسي مهدي المشاط، أحيي فريق التواصل الخارجي اليمني في صنعاء الذي ظل يمدنا بالتقارير والصور الصادقة عن الواقع في اليمن وعن جرائم العدوان في البلاد، والذي استطاع كسر الحواجز وفتح قنوات التواصل بنا وكان يمدنا بالصور والتقارير اللازمة، والتحية والمحبة للشعب اليمني البطل وقريبا إن شاء الله أزوركم في صنعاء لنحتفل معا بتحقيق النصر على العدوان الأمريكي السعودي.