الأمم المتحدة تدعو اليمنيين إلى التكاتف من أجل حل سياسي شامل فيما يحوم شبح المجاعة فوق رؤوس المدنيين

“النزاع قائم بين الطرفين اليمنيين، ووحدها الالتزامات الجادة والمدروسة لقادة الطرفين قادرة على إنهاء هذا النزاع”، هذا بحسب مارتن غريفيثس، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، الذي كان يتحدث اليوم أمام مجلس الأمن دولي حول آخر المستجدات في البلاد.

غريفيثس شدد على أن “الوقت قد حان للطرفين لاتخاذ القرارات النهائية المطلوبة لكي تؤتي مفاوضات الإعلان المشترك ثمارها”.

شارك في جلسة مجلس الأمن أيضا كل من وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارك لوكوك؛ والمدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي؛ وعمر بادُخن، المؤسس والمدير التنفيذي لمبادرة المجتمع المدني “حلول من أجل المجتمعات المستدامة”.

وركز الاجتماع -بالإضافة إلى وقف القتال والسعي إلى حل سياسي للنزاع الدائر- على أهمية تمسك الطرفيين اليمنيين بالالتزامات التي يفرضها عليهما القانون الدولي بشأن حماية أرواح المدنيين والبنى التحتية المدنية، حتى يتسنى للوكالات الأممية العمل على وقف المجاعة السائرة بخطى حثيثة وإنقاذ المدنيين اليمنيين من براثنها.

رهان حازم على السلام

وفي كلمته أعرب المبعوث الخاص عن قلقه إزاء تصاعد العنف من حين لآخر بين الطرفين في مأرب وتعز، وتزايد الهجمات على أراضي المملكة العربية السعودية، وتكرار أحداث إطلاق النار والقصف في الفترة الأخيرة مما أدى إلى تدمير منازل ومدارس ومستشفيات ودور للعبادة في عدة مواقع في اليمن.

كما لفت الانتباه إلى أهمية نجاح اتفاق الرياض من أجل اليمنيين، ومن أجل الجنوب، ومن أجل عملية السلام. ودعا في هذا السياق “حكومة اليمن والمجلس الانتقالي الجنوبي إلى تنفيذ الاتفاق بشكل عاجل”.

وقال السيد غريفيثس إن اليمن قد وصل إلى نقطة لابدّ فيها من اتخاذ القرار وذلك ليس للمرة الأولى وحتما ليس للمرة الأخيرة، مضيفا أن “المحنة التي يعاني منها شعب اليمن لا تتطلب أقل من رهان حازم على السلام وإنهاء الحرب وفتح البلاد واستئناف السعي نحو حلّ سياسي يشمل الجميع”.

كما شدد أيضا على أهمية إشراك النساء اليمنيات في صنع مستقبل بلادهن. وكان مكتبه قد نظم، بالتشارك مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، اجتماعا لإحياء الذكرى العشرين لقرار مجلس الأمن رقم 1325، ضمّ 30 من القيادات النسوية اليمنية ركزن على أهمية استئناف المفاوضات وتعزيز مشاركة المرأة وتمثيلها. وقال في هذا الصدد: “لا بد من أن نرى التمثيل النسائي في وفود الطرفين”.

خزان صافر

وذكر المبعوث الأممي أن الأمم المتحدة تحاول منذ أشهر التفاوض على وصول بعثة خبراء لتقييم وضع ناقلة النفط صافر والقيام بإصلاحات أولية، وصياغة التوصيات حول الإجراءات اللازمة لتجنب أي تسرب للنفط.

وأوضح قائلا: “بالرغم من المحادثات البناءة، إلا أننا لم نتلق بعد الموافقات المطلوبة لتحرك البعثة. ونظرا لجسامة الخطر الذي تمثله الناقلة، تتعاظم أهمية أن تعطي جماعة أنصار الله الضوء الأخضر للأمم المتحدة للمضي قدما”.

وعن خزان صافر تحدث أيضا الناشط البيئي اليمني عمر بادُخن، المؤسس والمدير التنفيذي لمبادرة المجتمع المدني “حلول من أجل المجتمعات المستدامة”، داعيا الدول الأعضاء في مجلس الأمن إلى أن “يضعوا كل ثقلهم في الوصول إلى سلام دائم في اليمن من أجل الإنسان والبيئة”.

 

وأكد الناشط البيئي أن معاناة اليمنيين والبيئة اليمنية لا يمكن أن تتوقف إلا بتوقف الحرب، داعيا إلى القيام ببعض الإجراءات العاجلة من أجل الحفاظ على سلامة البيئة اليمينية، عددها عمر بادُخن كالتالي:

  • أولا، فيما يخص خزان صافر: منع استخدام واستغلال البيئة كورقة ضغط سياسية كما هو الوضع في حالة الناقلة.
  • ثانيا، أدعو إلى تفريغ محتوى الخزان بشكل عاجل قبل وقوع كارثة، ثم عمل فحص وصيانة شاملة له.
  • ثالثا وأخيرا، أدعو إلى توسيع التدخل الإنساني في قطاع التكنولوجيات الخضراء بما فيها تحويل النفايات إلى طاقة واستثمار الطاقة الشمسية التي أثبتت الأزمة الحالية فعاليتها في توفير مصدر طاقة مستدام لليمنيين.

وقال الشاب اليمني إنه لا تزال أمام هذا المجلس فرصة للحفاظ على اليمن ووقف نزيف الدماء وحفظ وصون الطبيعة والبيئة “بشرط وجود نية صادقة وعزم قوي” مشيرا إلى أن ما هو ممكن اليوم قد لا يكون متاحا يوم غد.

وأعرب عمر بادُخن عن أمله في أن يتحرك المجلس ويعمل بشكل عاجل من أجل إنهاء الأزمة اليمنية والحفاظ على الإنسان والبيئة.

تجويع اليمنيين 

وقال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارك لوكوك لأعضاء مجلس الأمن الدولي إن “المهمة الأكثر إلحاحاً اليوم في اليمن تتلخص في منع انتشار المجاعة على نطاق واسع”، شارحا بشكل مفصل المراحل التي يمرّ بها جسم الإنسان عندما يفتقر للطعام.

وأوضح لوكوك أنه إذا نجا اليمنيون من المرض، ولكنهم لم يجدوا ما يأكلونه – ستبدأ أعضاؤهم الحيوية في الذبول ثم تفشل. في النهاية، يبدأ الجسم في التهام عضلاته، بما في ذلك القلب. سيعاني الكثيرون من الهلوسة والتشنجات قبل أن يتوقف القلب أخيرا…

وأن يموتَ الفرد بهذا الشكل فهذا، بحسب وكيل الأمين العام، “موت رهيب ومؤلم ومهين”، بل هو موت قاسٍ بشكل خاص في عالم، مثل عالمنا، حيث يوجد في الواقع أكثر مما يكفي من الطعام للجميع، قائلا:

“اليمنيون “لا يجوعون”. بل يتم تجويعهم”.

وحذر منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، من اتساع الفجوة في تمويل خطة استجابة الأمم المتحدة في اليمن، مناشدا المانحين مرة أخرى الوفاء بتعهداتهم وزيادة دعمهم.

وقال لوكوك إن أكثر من 200 مليون دولار من التعهدات هذا العام – بما في ذلك التمويل الجديد المعلن في أيلول/سبتمبر – لم يتم سداده بعد.

مستوى جديد من البؤس ينتظر اليمنيين

UNICEF/UN0253355/Huwais
طبيب يقوم بقياس ذراع الطفل اليمني علي محمد أحمد جمال (12 عاما) يعاني من سوء التغذية في أحد مراكز العلاج في مستشفى بصنعاء. (نوفمبر 2018)

 

وفي سياق متصل، قال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، ديفيد بيزلي، إن “العد التنازلي للكارثة” (المجاعة) بدأ الآن، موضحا أنه لا يفصل بين اليمنيين ومستوى جديد تماما من البؤس سوى أشهر.

وقال: “لقد دقينا ناقوس الخطر” في عامي 2018 و2019، حيث أبلغنا المجلس في “عرض كبير” عن وضعهم المزري، مضيفا أن معاناة اليمنيين اليوم هي “بصراحة تامة أكثر إثارة للشفقة”.

وأضاف السيد بيزلي أن انخفاض قيمة العملة المحلية جعل المخصصات أكثر تكلفة، مشيرا إلى أن برنامج الأغذية العالمي قد أبعد اليمن من حافة المجاعة من قبل، قائلا إن هذا التهديد يطرق بابهم مرة أخرى.

كما أوضح المسؤول الأممي أن العوائق التي تحول دون وصول عمال الإغاثة تقلل من ثقة المانحين. مشيرا إلى احتياجات اليمن، قال بيزلي إن التلاعب بالوصول الإنساني يجب أن يتوقف، داعياً إلى استقرار العملة للمساعدة في زيادة توافر الغذاء وزيادة ثقة المانحين في المجال الإنساني.

ودعا المدير التنفيذي للوكالة الأممية التي حازت على جائزة نوبل للسلام لعام 2020 ، إلى مستويات أعلى من التعاون، ووضع “خطة شاملة وممولة”، وإسكات البنادق بشكل كامل.

“اسمحوا لي أن أقول هذا بوضوح شديد – لتجنب المجاعة لعام 2021، سنحتاج إلى 1.9 مليار دولار”، مضيفا أنه “لا يمكننا أن نقضي الوقت للتدقيق في تفاصيل صغيرة. يجب أن نتحرك الآن، لأن الناس سيموتون إذا لم نفعل ذلك”.

وناشد أعضاء المجلس عدم إدارة ظهورهم لشعب اليمن، بل “اغتنام هذه الفرصة الوجيزة التي لدينا لتجنب المجاعة التي بدأت تكتسب بالفعل موطئ قدم. الأولاد والبنات الصغار والنساء والعائلات يتطلعون إلينا لإنقاذهم”.

 

قد يعجبك ايضا