سعيدة امرأة نازحة عاشت الحزن والفرح في يوم واحد
لم يكن اليوم الأخير من شهر يونيو 2020 يوماً عادياً بالنسبة للحاجة سعيدة (55 عاماً) ؛ بل كان يوماً مليئاً بالأحداث المحزنة والمفرحة في آن واحد، و التي لم تتوقعها أبداً .
سعيدة (نازحة من قرية منظر جنوب مطار الحديدة الدولي ) تسكن هي وزوجها في منزل شعبي استأجرته وسط مدينة الحديدة، وتدفع للإيجار شهرياً مبلغ 15000 ريال يمني ، لكنها عجزت عن سداده في الأشهر الأخيرة ؛ بسبب توقف زوجها عن العمل، بعد إصابته بجلطةٍ جعلته طريح الفراش ، ومن حينها بدأت حياتهم المعيشية والمادية تتدهور ، وفي صراعٍ مستمر لأجل البقاء على قيد الحياة …
تقول سعيدة لموقع ( الحديدة نيوز ) “في صباح يوم الثلاثاء 30 يونيو 2020 تفاجأت بمالكة المنزل (المؤجرة) تدخل متهوِّرةً علينا ، وتطلب منَّا الخروج من المنزل في الحال، أو دفع إيجار الثلاثة أشهر المتأخرة علينا ، لم أكن حينها أمتلك قيمة وجبة الإفطار ، توسلت إليها بأن تعطينا مهلة ، لكنها كانت رافضةً ومُصِـرَّةً على خروجنا أو تسليمها الإيجارات في ذلك الوقت ، وبعد توسلي وإلحاحي عليها وافقت وأعطتني مهلة حتى بعد صلاة العصر ، وخرجت من المنزل وهي تهددني بالطرد ” .
وتضيف محدثتنا ” نظرتُ إلى زوجي وهو طريح الفراش ، عاجزاً عن فعل أي شيء، فكانت دموعه تتحدث عن صعوبة الموقف الذي لم يحصل له من قبل ، حينها شعرتُ بالقهر والغبن ، وخرجت من منزلي إلى الشارع مهرولة باكية لا أدري أين أذهب ، كنا في بيوتنا معززين مستوري الحال، مايعلم بحالنا إلا الله ، ولكن بعد النزوح ذقنا مرارة الحياة وقسوتها “.
و تتابع ” بعد أن خرجتُ للشارع كنت كالمجنونة ، أدخل كل منزل أراه أمامي وأحكي لهم قصتي لأجل أن يجدوا لنا حلاً مع المؤجرة ، أو يقدموا لنا المساعدة، وفي إحدى تلك المنازل شاهدتني فتاة عشرينية كانت بالمنزل حين كنت أتوسل لطلب المساعدة، وأتحدث عن معاناتنا، فقامت وجلست بجانبي وبدأت تطلب مني أن أهدأ ، وأمسكت بيدي وذهبت بي إلى صديقاتها وهُنَّ مجموعة من الفتيات يقُمنَ بصناعة بسكويت (معمول) وبيعه، وعرضنَ عليَّ أن يقُمنَ بنقل هذا المشروع إلى منزلنا ، ويتكفلنَ بسداد إيجارات المنزل، بالإضافة إلى أن أعمل معهم بمقابل أجر يومي، وهنا كانت المفاجأة التي لم أكن أتوقعها وتذكرتُ قول الله تعالى ( إنَّ معَ العُسْرِ يُسْرا) .
بعد تلقيها هذا العرض، ذَهبت سعيدة مع تلك الفتاة وتدعى (هدى) إلى منزل المؤجرة من أجل أن يستأذنوها ، ووافقت لهم مقابل أن يسددوا ما عليها من إيجارات، وتم تحرير عقد الإيجار مع المؤجرة.
تقول سعيدة ” عُدتُ إلى منزلي والفرحة تملأ قلبي ، بعد أن كان الحزن يملؤه منذ الصباح الباكر ، فأخبرت زوجي بما حصل وفرِح كثيراً ، ووافق على ذلك بدون تردُّد .
بدأت سعيدة العمل مع الفتيات من داخل منزلها بإنتاج بسكويت (المعمول ) ، وكانت في البداية تقوم بتوزيعه بعد تجهيزه للمحلات ، ومع مرور الأيأم بدأت تتعلم كيف تقوم بصناعة البسكويت وإعداده بعد أن تحسَّن مستوى العمل، وزاد الطلب على البسكويت ، وكلما ارتفع حجم المبيعات ارتفع معه أجرها اليومي، والذي من خلاله أمَّنَت لنفسها ولزوجها لقمة العيش، كما كانت تقوم بشراء العلاج لزوجها من المال الذي تتعاطاه مقابل عملها ، وتحوَّلت حياتها ومعيشتها إلى الأفضل .
تقول ” لازلت عندما أتذكر هذا اليوم لا أصدق ما حصل لي من مفاجآت ، حيث اجتمع الحزن والفرح في نفس اليوم ، والحمدلله ربنا كريم، لكن لن أنسى هذا اليوم أبدا الذي كرهت فيه الحياة ، لولا النزوح لما وصلنا إلى هذه المرحلة ، كنا نعيش في قرية( منظر) ، لكن الحرب شردتنا وأجبرتنا على النزوح ، ومن هنا بدأت معاناتنا في الكثير من جوانب الحياة ، ومنها معاناة الإيجار وتوفير لقمة العيش” .
في منتصف شهر يونيو من العام 2018 وصلت الحرب إلى قرية منظر واشتدت المعارك فيها مما أجبر سكان القرية على النزوح ومن بينهم أسرة الحاجة سعيدة التي اغتالت سعادتهم الحرب ، وأخرجتهم من قريتهم، وقطعت عنهم مصدر دخلهم حين نزحوا إلى مدينة الحديدة .
تتذكر سعيدة تلك اللحظات التي عاشتها أثناء خروجها من منزلها وتصفها بأنها كانت لحظات مرعبة ومؤلمة ، خصوصاً عندما تترك منزلك بما فيه من ممتلكات، وتصبح في لحظة من إنسان مستقرٍّ إلى إنسان مشرَّد بعد أن كان ينعمُ بحياةٍ آمنة وهادئة ، كما تتذكر اللحظات التي يدخل فيها زوجها إلى البيت عائداً من البحر يحمل بين يديه متطلبات المنزل من الغذاء ومتطلبات الحياة ، وأمنيتها الوحيدة كما هي أمنية كل نازحٍ ومشرَّدٍ أن تنتهي الحرب ، ويسود السلام والأمان هذه البلاد، والعودة لمناطقهم وديارهم بعد هذه الرحلة الطويلة مع المعاناة.