في يومها العالمي …. الأمم المتحدة ما بين زمنين
خلال عقود طويلة عرف العالم منظمة الأمم المتحدة بإنها “المنظمة الأكبر على مستوى العالم” والتي تضم في عضويتها الدول المستقلة الراغبة في الانضمام، وفي مراحلها المختلفة سعت الأمم المتحدة “التي تحتفل يوم ٢٤ أكتوبر بمرور ٧٥ عاما على تأسيسها” إلى تحقيق الأمن والسلم ومنع وإيقاف الصراعات والحروب والحد من تأثيرها على مستوى العالم.
وعند الحديث عن الأمم المتحدة التي تأسست في 24 من شهر أكتوبر عام 1945 لا بد من الاشارة إلى أن الحفاظ على السلام عن طريق التعاون الدولي والأمن الجماعي كان الدافع الرئيسي في أنشاء المنظمة من قبل الدول المؤسسة والبالغ عددها يوم التأسيس 51 دولة.
كان من الواضح أن الحرب العالمية الثانية قد القت بضلالها على ميثاق الأمم المتحدة لا سيما أن المقاصد الرئيسية للمنظمة ركزت وبصورة واضحة في مهامها وعملها، على صون السلم والأمن الدوليين، وتنمية العلاقات الودية بين الأمم، وتحقيق التعاون على حل المشاكل الدولية، وتعزيز احترام حقوق الإنسان، وجعل هذه الهيئة “الأمم المتحدة” مركزاً لتنسيق أعمال الأمم.
النشأة وما قبلها:
كان للفشل الذريع في منع اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 بعد أن اجتاحت المانيا النازية جارتها بولندا، سبب كافي للتأكيد أن “عصبة الأمم” كمنظمة عالمية والتي انشئت في اعقاب الحرب العالمية الأولى عام 1920 فشلت في صون الأمن والسلم العالمي.
يشار إلى أن منظمة “عصبة الأمم”، تم تأسيسها بعد الحرب العالمية الأولى والهدف من إنشائها هو التقليل من عملية التسلح العالمية ومنع النزاعات قبل ان تتطور لتصبح نزاعاً مسلحا، وانشأت بموجب معاهدة فرساي “لتعزيز التعاون الدولي، وتحقيق السلام والأمن”، إلا أن تزايد النزاعات والصراعات في الثلاثينيات من القرن العشرين كانت مؤشراً على فشل المنظمة في اداء الدور المناط بها، وأوقفت عصبة الأمم أنشطتها بعد أن فشلت في منع اندلاع الحرب العالمية الثانية.
وفي زمن الحرب العالمية الثانية سعت بعض الدول إلى العمل على إنشاء منظمة دولية بديلة تكون قادرة على تحقيق ما فشلت فيه “عصبة الأمم”، وفي هذا السياق كانت هناك تحركات مكثفة ما بين دول الحلفاء بقيادة “الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا” في سبيل بلورة فكرة إنشاء منظمة دولية تعنى بحفظ السلام والأمن الدوليين، وبالفعل نجحت تلك التحركات بالخروج بما يسمى “ميثاق الأطلسي” في 1941.
وفي العام التالي، تواصلت التحركات الدولية الساعية إلى تشكيل تحالف دولي واسع قائم على الالتزام الجماعي بمواصلة الحرب ضد دول المحور بقيادة المانيا النازية والمعروفة أيضاً باسم «محور روما – برلين- طوكيو»، وهو ما تحقق عندما توافقت 26 دولة على القبول بما سمي “إعلان الأمم المتحدة” والهادف إلى التوسع في مبادئ الأمن العام والمقر في ميثاق الأطلسي.
ومع اشتداد الحرب العالمية الثانية وانقلاب معادلة الصراع في صالح دول الحلفاء، كانت فكرة إنشاء المنظمة الدولية في طريقها إلى النور، ولا سيما بعد مؤتمر دومبارتون أوكس في أكتوبر1944 ومؤتمر يالطا في فبراير1945 واتضاح شكل المخطط الرئيسي للمنظمة، ومع وضع اللمسات الأخيرة للميثاق الأممي وجهت الدعوة في شهر مارس 1945 للمشاركة في إعلان الأمم المتحدة في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، واقتصرت الدعوات لـ46 دولة التي أعلنت الحرب على دول المحور، وفي يوم 26 يونيو وقعت 50 دولة في على ميثاق الأمم المتحدة في مؤتمر سان فرانسيسكو، بعد نقاشات مطولة استغرقت ما يقارب شهرين، ومع تصديق أغلب الدول وإيداع مذكرات تصديقها على الميثاق، كان العالم مع ميلاد كيان الأمم المتحدة بصورة رسمية في يوم 24 من شهر أكتوبر 1945 .
وجرت العادة أن يحتفل العالم في هذا اليوم من كل عام بمناسبة نفاذ ميثاق الأمم المتحدة، وكان العام 1948 البداية الفعلية في تدشين تلك الاحتفالات، وقررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1971 إعلان يوم الأمم المتحدة عيدا عالميا وأوصت كل الدول الأعضاء الاحتفاء بالمناسبة كعطلة عامة.
الأمم المتحدة في سطور:
تضم الأمم المتحدة منذ نشأتها العديد من الأجهزة والكيانات الرئيسية، ويعنى كل جهاز بمهام محددة حسب ميثاق المنظمة:
الجمعية العامة:
تعتبر الجمعية العامة بمثابة منتدى عالمي للمناقشات المتعددة الأطراف في مختلف القضايا التي يشملها ميثاق الأمم المتحدة، حيث يناط بها وضع السياسات العامة للمنظمة، وتقوم كذلك بدور رئيسي في ما يتعلق بالمسائل المهمة مثل السلم والأمن الدوليين، والمسائل المرتبطة بالميزانية المالية، وما يميز الجمعية عن غيرها من أجهزة الأمم المتحدة أنها تتألف من جميع الأعضاء والبالغ عددهم 193 وهو ما يجعل الجمعية ساحة ذات تمثيل عالمي واسع.
يجتمع الأعضاء في دورة عادية “في مدينة نيويورك الأمريكية” خلال الأشهر “سبتمبر – أكتوبر – نوفمبر – ديسمبر” من كل عام، ويحرص زعماء العالم على المشاركة والقاء خطاباتهم في مختلف القضايا الدولية، يشار إلى ن صدور القرارات من الجمعية يستوجب موافقة الثلثين من الأعضاء في القضايا الرئيسية والمرتبطة بالسلم والأمن، وفيما يتعلق بالقضايا الأخرى يكون التصويت بالأغلبية البسيطة.
مجلس الأمن:
بموجب ميثاق الأمم المتحدة يعتبر مجلس الأمن الجهاز الأهم في المنظمة، والسبب في ذلك أن صون السلم والأمن الدوليين من صميم مهامه، ويتكون المجلس من خمسة عشر عضوا، منهم خمسة أعضاء دائمون “لهم حق النقض والمعروف بحق الفيتو” ويمنح للأعضاء “روسيا – الصين – المملكة المتحدة – فرنسا – الولايات المتحدة الأمريكية”، ويكفي اعتراض أي من الدول الخمس ليتم رفض القرار وعدم تمريره نهائياً، حتى وإن كان مقبولاً للدول الأربع عشرة الأخرى.
أما الأعضاء العشرة “غير الدائمين” فتنتخبهم الجمعية العامة لفترة سنتين ويتم تبديل خمسة أعضاء منهم كل سنة، والعضو الذي انتهت عضويته بعد عامين لا يجوز انتخابه على الفور، ويراعي في عملية الانتخاب التوزيع الجغرافي المناسب حيث توزع مقاعد الدول الأعضاء العشرة حسب الآتي:-
– مقعدان لدول أمريكا اللاتينية.
– خمسة مقاعد للدول الأفريقية والآسيوية.
– مقعدان لدول غرب أوروبا.
– مقعد لدول أوروبا الشرقية.
يختص مجلس الأمن بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين، وبحث أي نزاع أو موقف قد يؤدي إلى خلاف دولي، كذلك تحديد ما يمكن أن يمثل تهديدا للسلم أو يكون عملاً من أعمال العدوان، دعوة الأعضاء لفرض عقوبات اقتصادية، استخدام القوة العسكرية ضد المعتدي وغيرها من الاختصاصات الأصيلة للمجلس.
المجلس الاقتصادي والاجتماعي:
ينظر إلى المجلس كونه المنبر الرئيسي للأمم المتحدة لمناقشة القضايا الاجتماعية والاقتصادية وصياغة التوصيات المتعلقة بالسياسات العامة، ويسهم المجلس في تعزيز التعاون الدولي في مجالات التنمية، ويعتبر الجهار الأهم في تنسيق الأعمال الاقتصادية والاجتماعية، وما يتصل بها من أعمال، للمنظمة الدولية والوكالات المتخصصة والمؤسسات التابعة لها، يشار إلى أن الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى جميع برامج وصناديق الأمم المتحدة تعتبر مسؤولة أمام المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
جدير بالذكر، أن المجلس يضم في عضويته 54 دولة تختارها الجمعية العامة لمدة ثلاث سنوات وفي فترات متداخلة. ويخصص للقارة الأفريقية 14 مقعدا ، و6 مقاعد لدول أوروبا الشرقية و11 مقعدا للقارة الآسيوية، و13 مقعدا لدول أوروبا الغربية و10 مقاعد لدول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، ولكل عضو صوت واحد ويكون التصويت بالأغلبية البسيطة.
الأمانة العامة للأمم المتحدة:
تدير الأمانة العامة الأعمال اليومية للمنظمة الدولية، ويناط بها خدمة جميع الهيئات الأخرى للأمم المتحدة لتنفيذ برامجها في مقر الأمم المتحدة في نيويورك وفي جميع أنحاء العالم، ويمثل الأمين العام المنظمة كأعلى رئيس إداري ويتم تعيينه من قبل الجمعية العامة بناء على توصية من مجلس الأمن لفترة خمس سنوات قابلة للتجديد، وللأمين العام حق الإشراف على جميع موظفي الأمم المتحدة، وفيما يخص الهيكل التنظيمي للأمانة العامة فإنها تنقسم إلى تسع عشرة إدارة أو مكتبا يرأس كل منها مساعد للأمين العام ووكيل له:
يتولى منصب الأمين العام في الوقت الحالي السيد أنطونيو غوتيريس برتغالي الجنسية، وسبقه في هذا الموقع ثمانية أمناء منذ انشاء المنظمة الدولية وهم “بان كي – مون (جمهورية كوريا) – كوفي أ. عنان (غانا) – بطرس بطرس غالي (مصر) – خافيير بيريز دي كوييار (بيرو) – كورت فالدهايم (النمسا) – يو ثانت (ميانمار) – داغ همرشولد (السويد) – تريغفي لي (النرويج)”.
مجلس الوصاية:
بموجب ميثاق الأمم المتحدة كان إنشاء مجلس الوصاية كجهاز رئيسي لُيطبق على الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، ولا سيما الأقاليم التي كانت تخضع لسيطرة دول المحور، فأنشى مجلس الوصاية بهدف رعاية مصالح شعوب تلك الأقاليم وللأخذ بيدها نحو الحكم الذاتي والاستقلال، وبحلول عام 1994، كانت الأقاليم “الأحد عشر” المشمولة بالوصاية قد حصلت على الحكم الذاتي وبالتالي اكتملت مهمت مجلس الوصاية.
محكمة العدل الدولية:
تعتبر الجهاز القضائي للأمم المتحدة، ويناط بالمحكمة تسوية المنازعات ما بين الدول الأعضاء، وإصدار الفتاوى بشأن المسائل القانونية التي تحيلها إليها هيئات الأمم المتحدة ومؤسساتها المتخصصة، وتتشكل المحكمة من 15 قاضيا تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لفترة 9 سنوات.
وتأخذ المحكمة أحكامها وفقا للمعاهدات والمواثيق الدولية المعمول بها، والعرف الدولي والقواعد القانونية العامة والأحكام القضائية وتعاليم خبراء القانون الدولي البارزين، كمصادر إضافية، وقرارات المحكمة غير إلزامية إلا إذا اتفقت الدول المتنازعة سلفا على القبول بها.
ماذا بعد؟
السنوات 75 الماضية كشفت أن المنظمة الأممية الكبرى مازالت تعاني في العديد من الجوانب، والسبب في ذلك أن الاصلاح المنشود من أجل النهوض بالمنظمة مازال بعيد المنال بحسب الخبراء الدوليين، وفي هذا السياق يرى مايكل مولر “المدير العام لمكتب الأمم المتحدة في جنيف” أن “على المنظمة أن تعمد إلى التغيير والإصلاح، لكي تستجيب لوقائع العالم اليوم بشكل أفضل”.
وفيما يخص مقترحات الاصلاح علي سبيل المثال لا الحصر، هناك العديد من المقترحات تطالب بتوسيع أعضاء مجلس الأمن “الدائمين العضوية” للوصول إلى حالة من التوازن عند مناقشة وإصدار القرارات الدولية من المجلس، كذلك هناك من يرى أن بقاء ما يسمى حق النقض “الفيتو” للخمسة الكبار في المجلس يسهم بصورة سلبية في تقويض نزاهة مجلس الأمن والأمم المتحدة من ناحية ويضعف القدرة على حفظ الأمن والسلم الدوليين من الناحية الأخرى.
وعند الحديث عن التحديات الرئيسية التي تواجه الأمم المتحدة خلال سنواتها الطويلة، تقف مجموعة كبيرة من تلك التحديات وفي مختلف الجوانب بما فيها السياسية والاقتصادية والبيئية والرقمية، وفي العام 2020 كان التحدي الصحي هو الأبرز مع تفشي وباء فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» وانتشاره على مستوى العالم، حاصدا أرواح البشر إلى جانب تدهور الاقتصاد العالمي وركود حركة التجارة عالميا، وذلك منذ ظهور الفيروس في مدينة وهان الصينية في أواخر ديسمبر 2019، وتشير الاحصائيات إلى ان أعداد المصابين قد تجاوز 41 مليون إصابة فيما ارتفعت أعداد حالات الوفاة إلى مليون ومائة وثلاثين الف حالة وفاة.
إلى ذلك، كان من الواضح أن تفشي وباء كورونا على مستوى العالم سوف يكون له ما بعده خاصة مع تفاقم الأزمة التداعيات المتوقعة، ولم يكن الأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش مبالغا في وصف أزمة الوباء بقوله بأنها “الأزمة الأكثر تحديا التي تواجهها الأمم المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية”.
وينظر العديد من الخبراء في شؤون الأمم المتحدة أن انتشار وباء كورونا حاسم لأهمية وجدوى المنظمة الأممية، فعند تحقيق النجاح واحتواء الوباء سوف يكون ذلك مثال بارز على أهمية تعددية الأطراف في الوصول إلى بر الأمان، ولكن في حال فشل الحكومات في التنسيق فيما بينها وقامت باتباع نهج وطني مستقل للحد من انتشار الوباء، سوف يخلص الكثيرون إلى أن الأمم المتحدة كمنظمة أولى على مستوى العالم لم تعد ذات جدوى، وبالتالي سوف تكون النتائج سلبية فيما يخص القضايا الأخرى ذات الاهتمام المشترك لدول العالم.
|