الأمين العام للأمم المتحدة يدعو إلى تجاوز الخصومات المدمرة للسلام والأمن في منطقة الخليج
عقد مجلس الأمن الدولي اليوم الثلاثاء مناقشة افتراضية على المستوى الوزاري تحت عنوان “صون السلام والأمن الدوليين: استعراض شامل للحالة في الخليج الفارسي”، نظرت بشكل شامل في أسباب تزايد احتمالات النزاع في منطقة الخليج وإيجاد سبل لتهدئة الوضع.
وركزت كلمة الأمين العام بشكل خاص على الوضع في اليمن الذي مازال يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم على الإطلاق.
قال السيد غوتيريش إن الوضع في اليمن انتقل من صراع محلي إلى صراع إقليمي بمرور الوقت، مشيرا إلى أن حوالي “ست سنوات من الحرب دمرت حياة ملايين اليمنيين وقوضت جهود بناء الثقة في المنطقة”.
نحن بحاجة إلى تكثيف الجهود. فالوقت يمضي والناس يموتون–الأمين العام أنطونيو غويتيريش
وكان الأمين العام قد دعا، في آذار/مارس، إلى وقف إطلاق نار عالمي فوري للتركيز على المعركة الحقيقية الوحيدة: ألا وهي المعركة ضد جائحة كوفيد-19، وقد ضم مجلس الأمن الدولي صوته إلى هذه الدعوة.
ولكنّ الأمين العام كرر مجددا، في جلسة مجلس الأمن، الحاجة إلى تكثيف الجهود، “فالوقت يمضي – والناس يموتون”.
هذا وقد لفت الأمين العام الانتباه إلى بصيص الأمل الذي شق طريقه الأسبوع الماضي وسط الوضع الكئيب، حيث اتخذت الأطراف خطوات واعدة بإطلاق سراح أكثر من 1000 سجين – وهو أكبر تبادل للأسرى منذ بداية النزاع اليمني.
“لم يقتصر هذا الإجراء على لم شمل العديد من العائلات اليمنية بأحبائهم فحسب، بل أظهر أيضا أن الأطراف قادرة على التوصل إلى اتفاق ومتابعة التزاماتها”، بحسب السيد غوتيريش.
وقف فوري لإطلاق النار وعودة إلى طاولة المفاوضات
وتواصل الأمم المتحدة تسهيل المفاوضات بين الأطراف اليمنية بشأن الإعلان المشترك، الذي يرتكز على ثلاث نقاط أساسية وهي “وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وتدابير بناء الثقة الاقتصادية والإنسانية، واستئناف العملية السياسية”.
في غضون ذلك، لا تزال الحالة الأمنية هشة.
فخلال الأسابيع الأخيرة، شهدت البلاد تصعيدا إضافيا للصراع، يتركز بشكل أساسي في محافظات الجوف ومأرب والحديدة. وتعتبر الحديدة مصدر قلق بالغ لأن الوضع بها يهدد بتقويض اتـفاق ستوكهولم لعام 2018.
لحسن الحظ، خفت حدة الأعمال العدائية، لكن هذا لا يكفي، وفقا للأمين العام الذي قال إننا “بحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى تسوية سياسية لإنهاء الحرب. ولن يكفي دون ذلك شيء”.
وفيما أقر السيد غوتيريش بالحل الوسط المضني الذي طُلب من الأطراف لإتمام هذه المجموعة من الاتفاقات، كرر دعوته للأطراف إلى مواصلة الانخراط مع مبعوثه الخاص مارتن غريفيثس – دون شروط مسبقة – لوضع اللمسات الأخيرة على الإعلان المشترك.
وقال “إننا نعلم أن الحل السريع للصراع اليمني يمكن أن يساهم في بناء الثقة في جميع أنحاء المنطقة”.
هذا ويظل اليمن أكبر حالة طوارئ إنسانية في العالم. فالمجاعة تلوح في الأفق – وقد فاقمت جائحة كوفيد-19 الوضع الإنساني في البلاد وزادته سوءا.
أهمية خفض التوترات بين الفرقاء
للنزاعات في الشرق الأوسط تأثير مزعزع لاستقرار الحالة العسكرية والسياسية في المنطقة وأيضا للعلاقات الدولية بشكل عام. كما أن أثرها ملحوظ في منطقة الخليج الفارسي.
وبالنظر إلى منطقة الخليج الفارسي الأوسع، قال غوتيريش إن التوترات تتصاعد، والثقة تتدنى.
ويتمثل العامل الرئيسي لعدم الاستقرار خلال الفترة الأخيرة في غموض ما لدى دول المنطقة دون الإقليمية من تصورات بشأن مكانة جيرانها ودورهم. وقد كان هناك تبادل للاتهامات بتنفيذ نشاطات مزعزعة للاستقرار. وعلاوة على ذلك، هناك ميل إلى تجاهل المسائل ذات الاهتمام المشترك، وفق ما ذكره الأمين العام.
لنتجاوز الخصومات المدمرة وندرك ما يوحدنا. ولنبق مصالح شعوب المنطقة في الصدارة–الأمين العام أنطونيو غوتيريش
وأوضح الأمين العام أن “بعض الدول قد يشعر أن دولًا أخرى تتدخل في شؤونها الخاصة أو شؤون جيرانها. وقد يعتقد البعض أن دوره الإقليمي غير معترف به”.
وقد أدى عدد من الحوادث الأمنية منذ أيار/مايو 2019، إلى رفع التوترات إلى مستويات جديدة، مما زاد من مخاوف احتمال وقوع صراع أكبر.
وقال غوتيريش إن هذا تذكير صارخ بأن أي سوء تقدير يمكن أن يتصاعد بسرعة.
وفي هذا السياق كرر دعوته لجميع الأطراف المعنية إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والامتناع عن الأعمال التي يمكن أن تكون لها آثار مزعزعة للاستقرار.
وقال إن “الوضع الإقليمي يؤكد الحاجة الملحة إلى العمل الجماعي لخفض التوترات ومنع الصراع”.
الاستفادة من دروس الحرب الباردة
ووفقا للأمين العام، فإن الخطوة الأولى نحو خفض التصعيد تتمثل في “تحديد تدابير بناء الثقة القابلة للتطبيق والتي يمكن أن تعالج القضايا ذات الاهتمام المشترك”.
ولفت الانتباه إلى تجربة الحرب الباردة التي أظهرت أنه – بغض النظر عن المواجهات والانقسامات العميقة السائدة في ذلك الوقت – كان من الممكن إطلاق “عملية هلسنكي” لحل الوضع.
وقامت عدة دول، كما فعل الأمين العام- بتقديم اقتراحات في هذا الصدد فيما يتعلق بالحالة في منطقة الخليج الفارسي.
غير أنه لم يكن من الممكن حتى الآن تحقيق توافق في الآراء بين جميع الجهات الفاعلة الرئيسية.
وأعرب الأمين العام عن أمله في إنشاء منصة مماثلة لهلسنكي، بدءا بعدد من تدابير بناء الثقة، التي قد تشمل على سبيل المثال:
- طرق مكافحة كوفيد-19؛
- تعزيز الانتعاش الاقتصادي؛
- ضمان الملاحة البحرية دون عوائق؛
- وتسهيل الحج الديني.
على المدى الطويل، يرى المسؤول الأرفع في الأمم المتحدة، فائدة في “إنشاء بنية أمنية إقليمية جديدة” لمعالجة الشواغل الأمنية المشروعة لجميع أصحاب المصلحة.
وتماشيا مع مـيثاق الأمم المتحدة ودوره الخاص في المساعي الحميدة، أعرب الأمين العام عن استعداده لعقد أي شكل من أشكال الحوار الإقليمي الذي قد يحظى بالإجماع الضروري من جميع الأطراف المعنية.
كما أيد بشكل كامل الجهود التي أطلقتها دولة الكويت لتعزيز الحوار وحل التوترات بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، ومثنيا مرة أخرى على عمل الوساطة الذي قام به أمير الكويت الراحل سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي وافته المنية في وقت سابق من هذا الشهر.
عدم الانتشار النووي
وخلال السنوات الماضية، شكلت خطة العمل الشاملة المشتركة – أو JCPOA – عنصرا هاما في احتواء التصعيد في المنطقة.
وفي عام 2018، انسحبت الولايات المتحدة بشكل انفرادي من هذه الخطة وأعادت فرض عقوبات أحادية الجانب ضد إيران. ولكن بفضل الجهود المشتركة والجماعية التي بذلها المشاركون الباقون في الاتفاق النووي، لا يزال هذا الاتفاق ساريا.
وقال الأمين العام إنه دائما ما اعتبر خطة العمل الشاملة المشتركة أداة مهمة ضد الانتشار النووي والأمن الإقليمي.
وأوضح أن مسألة عدم الانتشار النووي مسألة حاسمة للاستقرار الإقليمي، قائلا “إن جسامة التحديات المقبلة لا ينبغي أن تردعنا” عن العمل.
وفي هذا السياق دعا إلى العمل على “خلق مناخ من الثقة وتحسين آفاق الحوار الإقليمي”.
“لنتجاوز الخصومات المدمرة وندرك ما يوحدنا. لنبقِ مصالح شعوب المنطقة في الصدارة – ونحافظ على تطلعاتها إلى الحريات والفرص ومستويات أفضل للحياة والسلام”، قائلا إن ذلك، قبل كل شيء، “ينبغي أن يدفعنا إلى تكثيف جهودنا الجماعية”.