مؤجرون انتزعت من قلوبهم الرحمة وآخرون يضربون أمثلة راقية في الإنسانية
يعيش المستأجر في اليمن واقعاً مريراً في ظل استمرار العدوان والحصار وانقطاع المرتبات، حيث أن غالبية المستأجرين تركوا أعمالهم في المدينة وعادوا إلى قراهم لعدم قدرتهم على دفع الإيجارات المتراكمة عليهم منذ سنوات ، وآخرون كانت الضغوطات فوق تحملهم وإمكانياتهم المادية ليفارقوا الحياة فجأة لنفس السبب ، وكم من القصص والمآسي التي نسمعها عن طرد وتشريد الكثير من المستأجرين الذين لا حول لهم ولا قوة في مواجهة هذه الظروف الصعبة والقاسية.. فهل من سبيل ومخرج لهذه الشريحة المغلوبة على أمرها؟
الثورة / افتكار القاضي
أجبرت الظروف التي تعيشها البلاد الكثير من المستأجرين على مغادرة الشقق والمنازل التي ظلوا فيها سنوات طويلة، بعد أن تراكمت عليهم الإيجارات لأشهر بل وسنوات وعجزوا عن تسديدها للمؤجرين الذين ضيقوا الخناق على المستأجرين من كل جانب، بل لجأ البعض منهم للمحاكم لإجبار المستأجرين على ترك منازلهم، وتسليم ما عليهم من إيجارات متراكمة.. قصص مريرة لمستأجرين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت بعد أن تكالبت عليهم الشدائد من كل صوب، فاضطروا مجبرين مغادرة منازل الإيجار بلا رجعة، فمنهم من عادوا إلى قراهم خارج المدن بعد أن تركوا أثاث وعفش منازلهم أو جزءاً منه للمؤجرين، ومنهم من أصبح بلا مأوى يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.
البقاء للأقوى
أم صابرين،أرملة لا تمتلك راتبا ولا دخلا شهريا، أجبرتها الظروف التي تعيشها البلاد، على ترك منزلها الصغير الذي كانت تسكن فيه بعد عجزها عن تسديد الإيجارات، والعمل في البيوت بأجر يومي، والبحث عن مسكن آخر بإيجار زهيد، قضت شهورا وهي تبحث عن مأوى يلمها مع بنتها وحفيدتها، وأصبح كل حلمها أن تحصل على مكان صغير بحمام، وبعد بحث ومعاناة حصلت على غرفة، لكنها لم تنعم بالاستقرار بسبب رفع المؤجر للإيجار فاضطرت إلى مغادرتها بحثا عن مكان آخر واليأس يخيم عليها خوفاً من ألا تحصل على مكان صغير يأويها مع ابنتيها، وكلما حصلت على مكان “دكان” تستقر فيه تضطر لتركه بعد عدة أشهر.
وأصبح حلم أم صابرين البسيط ينصدم بواقع مرير يتحكم فيه قانون البقاء للأقوى.
ترحيل ومعاناة
اقسى ما يمكن أن يواجه الإنسان هو أن يجد نفسه بلا مأوى أو يقع فريسة لقلق الإيجار الذي ارتبط بالراتب بالنسبة للموظف الذي اصبح ضحية حرب لا ترحم وعدوان ظالم.. هكذا هي قصة زملينا الإعلامي علي الشرجي الذي لم يستطع الإيفاء بدفع إيجار المسكن لمالكه بعد انقطاع مرتبه، فاضطر إلى ترحيل أسرته إلى قريته في الضالع بعد ثلاثة أعوام من بدء العدوان..
يقول الشرجي: صمدت في سداد الإيجار بعد انقطاع الراتب لمدة عام كنت أدفعه من تحويشة العمر، لكنني لم أستطع الصمود أكثر من ذلك تحت وطأة الالتزامات المعيشية وانعدام مصادر الدخل رغم محاولتي الاستعانة بأصدقاء لي في بلدان الاغتراب لكن ذلك أيضا لم يستمر لأكثر من ثلاثة أشهر فقط.
ويضيف : بعدها بلغ القلق ذروته جراء تراكم الإيجارات وإلحاح المؤجر على الدفع أو إخلاء الشقة، فكان لا بد من اتخاذ قرار مغادرة صنعاء التي أفنيت فيها عمري إلى القرية، ولا انكر أن مالك المنزل قدَّم لي تسهيلات الإخلاء بإعفائي من بعض المتأخرات، ومقايضة تكاليف الإصلاح والرنج، مقابل بعض الأدوات المنزلية، إلا أنني واجهت مشكلة أخرى، وهي كيفية إيجاد مكان للعفش، خاصة وأنني لم اكن أستطيع تحمل نفقات النقل إلى القرية، فجاء الفرج من أحد الزملاء في المؤسسة الذي احتضن أثاثي المنزلي في بيته رغم ضيق المكان، وبعدها غادرت صنعاء مع أسرتي بينما كانت بناتي الثلاث يذرفن الدموع لفراق الحارة والمدرسة وبيتنا، حسب قول ابنتي جنى ببراءتها.
ويضيف بتنهيدة مليئة بالكثير من الأوجاع والآلام: ” عدت إلى القرية لأعمل فلاحا “رعوي” تحت التدريب لمدة ثمانية أشهر، وبعدها اندلعت حرب في المنطقة، لتبدأ فصول جديدة من النزوح والمعاناة وانقطاع مصادر الرزق، وحينها كان لا بد من العودة إلى صنعاء مرة أخرى، ولكن بمفردي على أمل أن أبدأ ترتيب نفسي من الصفر، وتعود أسرتي إلى صنعاء من جديد.
ويختتم الشرجي قصته الموجعة بقوله: «شجعني الأستاذ عبدالرحمن الأهنومي -رئيس مجلس الإدارة -رئيس التحرير على إعادة أسرتي إلى صنعاء، وحاولت استئجار شقة، لكنني لم اصمد مرة أخرى تحت ضغط المؤجر والإيجارات وقلة الدخل وها أنذا الآن مضطر للسكن في مقر عملي نظراً لصعوبة الحصول على شقة في ظل أزمة السكن وارتفاع الإيجارات بشكل جنوني، وانقطاع المرتبات»، وأصبح السكن الذي يلم شمل أسرة زميلنا حلما.
تهديد ووعيد
يعتبر الموظف الحكومي الضحية الرئيسي لجشع واستغلال المؤجرين، لما يتعرض له من طرد وتهديدات مستمرة، عبدالله أحمد، مدرس في إحدى المدارس الحكومية بأمانة العاصمة، استخدم المؤجر ضده مختلف أساليب التهديد والوعيد بعد انقطاع راتبه حتى يخرجه من شقته، حتى أجبره هو وأسرته على إخلاء شقته بالقوة، دون أن يمنحه حتى مهلة للبحث عن شقة أخرى.
حيث يقول ” لقد أجبرت على ترحيل أسرتي إلى القرية حتى أحصل على شقة جديدة، كما نقلت عفش الشقة إلى منزل أحد أقاربي.
ولا يزال عبدالله يبحث عن شقة أخرى لأسرته، إلا أن ارتفاع الإيجارات واستغلال المؤجرين وفرضهم شروطاً ضد المستأجر الجديد بقي عائقاً أمامه. وبحسب عبدالله فإن من ضمن هذه الشروط أن لا يكون المستأجر موظفاً حكومياً.
ويؤكد عبدالله أن ملاك القطاعات العقارية يفضلون تأجير شققهم لبائعي القات، ويرفضون الموظف الحكومي.
مطالبة بالإخلاء
يسكن القلق صدور المستأجرين ويؤرق منامهم بل أن أصوات المؤجرين لا تفارق مسامعهم وهم يصرخون في وجوههم : (هيا جيبوا الإيجار أو معاد لكمش مكان عندنا)، وآخرون يطالبونهم بالإخلاء لأنهم يريدون توسعة منازلهم أو تزويج أبنائهم،وهنا يجبرون المستأجرين على الإخلاء، ليصبحوا بين عشية وضحاها في الشوارع مع أسرهم يتوسلون لهذا وذاك على أمل الحصول على مسكن آخر يحتويهم.
علي الضلعي مواطن بسيط ساقته الأقدار لأن يستأجر خلف الكلية الحربية ومع بعد المكان عن الشارع العام حصل على شقة بسيطة جدا وبمبلغ كان يتناسب مع دخله الشهري، وبعد انقطاع الرواتب صار علي يكابد من اجل البقاء مع أسرته ولو بشيء بسيط يعينهم في توفير الإيجار ولقمة العيش، وهكذا حتى فاجأه صاحب البيت بضرورة مغادرة بيته لأنه يريد أن يهدّه لتوسعته.
ومضى قرابة خمسة أشهر والضلعي يبحث كل يوم عن شقة للإيجار، ولو صغيرة في الحارة التي ظل فيها سنوات طويلة أو في حارات ومناطق مجاورة، لكنه لم يجد شقة حتى الآن.
ويقول: ( لا أعتب على صاحب البيت الذي طلب مني مغادرة بيته،لكن عتبي هو على الجهات المعنية التي تعلم حالة المواطن وظروفه المعيشية ولم تحرك ساكنا في حل مشكلة المستأجرين الذين ضاقت بهم الحياة ذرعا وأسقتهم المر ليصبحوا بين يدي رحمة ملاك العقارات الذين بيدهم التصرف في بقائهم في منازلهم أو طردهم متى ما شاءوا أو رفع الإيجار، رغم وجود قانون ينظم العلاقة بين المستأجر والمؤجر،لكنه لم يراع ظروف الحرب والحصار التي نعيشها بحكم صدوره قبل العدوان، وهو ما يتطلب إجراء تعديلات عليه تراعي مثل هذه الأوضاع والظروف.
الكثير من المستأجرين اضطروا تحت الضغوطات المتواصلة عليهم من قبل المؤجرين إلى إخلاء شققهم،لعدم قدرتهم على دفع الإيجارات، والتوجه إلى القرى التي ولدوا فيها.
مصادرة الأثاث
وهذا أبو عمرو حمود الذي تراكمت عليه الإيجارات، ولم يستطع دفعها لصاحب المنزل حيث يقول : منتصف شهر 10 من عام 2018م طلب مني المؤجر أن نعمل حل للإيجارات المتأخرة وكانت لمدة عام ونصف وكنت ملتزماً بالسداد، حتى النصف راتب عندما يسلموه أعطيه للمؤجر كاملا.
قلت له: إذا تشتيني اخرج من بيتك أنا مستعد، فقال لي خلاص أريدك تخرج من الشقة وتعمل لي التزام بدفع الإيجارات المتأخرة عندك وتعمدها عند عاقل الحارة، فوافقت على شروطه لأني وثقت فيه جدا، فعملت له الالتزام بالإيجارات المتأخرة بمبلغ 400 الف ريال، بشهادة احد الجيران المشتركين بيننا والتزمت بسداد المبلغ بالتقسيط ومتى ما توفر لدي وسلمته الالتزام.
ويضيف أبو عمرو: لملمت أغراضي وبعض الثياب داخل الشنط وسافرت مع عائلتي إلى مدينة تعز بعد الاتفاق مع المؤجر، وأن أقرباء لي سيأتون آخر شهر 10 لنقل الأثاث كاملا، لثقتي بأن بيننا اتفاقا وخرجنا من البيت خفافا فيما بقي معظم الأثاث في الشقة.
وبعد أيام قام صاحب البيت بإغلاق الشقة بقفل فوق القفل وابلغني انه يريد إيجاراته المتأخرة نقدا أو سيقوم بأخذ ومصادرة العفش كاملا، وحينها انكشفت ألاعيبه ومخططه الذي حاكه عليَّ، تألمت بشدة من طلبه الذي لم يخطر على بالي.
كانت الظروف والأوضاع قاسية وصعبة ولا يمتلك أبو عمرو حتى مبلغاً بسيطاً للعودة إلى صنعاء لمواجهة المؤجر بعدما اصبح نازحاً وبلا أي عفش أو ما يساعده على العيش وأصبح كما يقول على الرصيف بين يوم وليلة.
ويواصل قصته مع المؤجر ” حاول بعض الوسطاء التدخل لدى المؤجر لكنه أبى واستكبر واصر على انه سيصادر عفشي كاملا مقابل إيجاراته المتأخرة وان كل ما املكه في شقتي اصبح ملكا له، حيث لم يراع لا ضمير ولا دين ولا أخلاق ولا أعراف، حيث قام بفتح الشقة بمفاتيح كان يحتفظ بها لديه دون علمي، وأخذ دولاب غرفة النوم الخاصة بي ونقلها إلى بيته بالإضافة إلى أدوات أخرى، وبعدها ذهب للمحكمة مدعيا كذبا أنني أغلقت الشقة وسافرت إلى مكان مجهول ويطالب من المحكمة بفتح الشقة، وتعويضه عن خسارته، وقدم دعوة للمحكمة محملة بالأكاذيب والخداع- كما يقول- وحكمت المحكمة لصالحه بدفع الإيجارات المتأخرة وتغريمي أيضا مبلغ مائه وخمسين ألف ريال قيمة إيجارات الشقة وأتعاب للمحامي وتم فتح الشقة وحصر ما فيها من أثاث وعفش في غيابي، وبمراجعة كشف الحصر، تبين أنها خلت من العديد من الأثاث والأدوات من بينها دولاب غرفة النوم وشاشة تلفزيون وأشياء أخرى كثيرة. وبعد ذلك قام المؤجر بإخراج ما تبقى من العفش، وأخذ منه ما يريد، وأجَّر الشقة، ولا اعلم أين ترك أثاثي وعفشي الذي تتعدّى قيمته مليوني ريال.
ويختم قصته المؤلمة بقوله : “الآن يطالبني المؤجر بـ 750 ألف ريال بحكم محكمة، وانا بلا رواتب وبلا أي سند أو قانون يحميني.
قلوب رحيمة
ورغم انعدام الرحمة من قلوب غالبية المؤجرين وملاك العقارات وتجاهل الجهات المعنية للمستأجرين وما يعانونه من انعدام الدخل وارتفاع الأسعار والظروف الاقتصادية الصعبة إلا انه مازال هناك اصحاب قلوب رحيمة لمؤجرين محدودين يضربون أمثلة راقية في الإنسانية والتسامح.
المرحوم المؤجر ناجي ثوابة، وقبل أن يلتحق بربه الأعلى أوصى أولاده، بعدم تضييق الخناق على أسرة المهندس علي الضامري الذي يسكن في احد شقق عمارته منذ اكثر من عقدين أو إخراجها، بل وتخفيض الإيجار على الاسرة.
ولم يكتف ناجي ثوابة بذلك فقط، بل إنه بعد وفاة المهندس الضامري الذي كان عليه إيجار عدة سنوات لم يستطع سدادها، أعفى أسرته من تسديدها، حيث كان المبلغ المتراكم عليه يصل إلى 600 ألف ريال.
تقول نبيلة – زوجة المرحوم الضامري ( كان كرماً من المرحوم ناجي ثوابة أن يعفينا عن دفع المبلغ الكبير المتراكم علينا الذي اسأل الله أن يجزيه عنا خير الجزاء في الآخرة وأن يبارك له في ماله وفي أولاده).
اتفاق
أديب محمد سيف -مدرس- هو الآخر يسكن في شقته منذ قرابة ثلاثين عاما حتى أصبح يرى انه بيته وعلى الرغم من الأزمة الخانقة والإيجارات المتراكمة عليه للمؤجر إلا أن المؤجر ظل يراعي ظروفه الصعبة عدة سنوات،وأنه مدين للمؤجر الذي يتعامل معه بكل لطف واحترام.
يقول أديب ” لقد تراكمت عليَّ الإيجارات لسنوات، ولم استطع دفعها لمالك الشقة، إلا أنني توصلت معه إلى اتفاق بتجميد الإيجارات المتراكمة حتى 2018م، إلى أن تنفرج الأمور، ويتم صرف مرتباتنا، على أن ادفع الإيجار بانتظام بعد ذلك، والحمد لله، أحاول قدر الإمكان الإيفاء بالتزاماتي حسب الاتفاق، كما أن صاحب البيت وتقديرا للظروف التي نعيشها وانقطاع المرتبات لم يرفع الإيجار عليّ أو يطالبني بإخلاء الشقة.