الكارثة المنسية في اليمن
بدون ادنى شك إن كل حياة بشرية ثمينة، بما في ذلك حياة خاشقجي، ويستحق اختفاؤه واحتمالية اغتياله الاهتمام وإدانة مرتكبي هذه الجريمة؛ لكن الاهتمام المفاجئ، أو على الأقل إظهار الاستياء والجزع من تصرفات السعوديين – لذي حدث بعد فترة طويلة من تاريخ الإعدامات المضرج بالدماء، وجرائم الحرب، والإرهاب، والتوجهات المعادية لليبرالية، التي تنفث سمومها من تحت الواجهة الزائفة السطحية للثروة والإصلاح – هو في المقام الأول إشارة إلى نوع من التفضل (أي دعم قضية ما بشكل غير مجدٍ لسبب واحد فقط، وهو أن تُظهر للآخرين كم أنت شخص أخلاقي).
يُعدّ أهم مثال على لامبالاة وسائل الإعلام إزاء تفشي الإرهاب الغاشم للنظام السعودي؛ هو صمتها النسبي حول الأزمة الإنسانية في اليمن، حيث لقي حوالي 16,200 مدني حتفهم منذ آذار/مارس 2015 كنتيجة مباشرة لحصار التحالف الذي تقوده السعودية. تسببت الكارثة التي صنعها البشر في حدوث مجاعة، وسميت بـ “الحرب المنسية” بسبب شح الاهتمام المسلط عليها من قبل وسائل الإعلام الغربية، على الرغم من الخسائر البشرية الكبيرة واستمرارها لفترة زمنية طويلة.
لكن الوسائل الإعلامية مسؤولة أيضًا عن انتقاء التصرفات غير المقبولة التي تستحق سخطها واهتمامها؛ اختاروا تجاهل كل البؤس الذي ألحقه النظام بشعبه وبالشعب اليمني وتشبثوا بقضية خاشقجي.
ليس صعبًا الاشتباه في أن العديد من وسائل الإعلام تتحدث عن القصة من أجل إحداث ضجة حول تسمية الرئيس ترامب لوسائل الإعلام بأنها “عدوة الشعب”، مع قيامها في الوقت نفسه بإبقاء معظم الأمريكيين جاهلين بجرائم الحرب التي تُستخدم أموال الضرائب التي يدفعونها لارتكابها.
إن “تضامن” وسائل الإعلام الجديد مع قضية خاشقجي، ودعوتها إلى تسليم قاتليه إلى العدالة، هي في ظاهرها قضية عادلة؛ لكن الكثير من دعوات ومناصرات الصحفيين لهذه القضية مبهمة وباهتة.