الأمم المتحدة تحتفل بمرور 75 عاما على تأسيسها بالدعوة إلى تعددية أقوى وأكثر فعالية

تحت شعار “المستقبل الذي نريد، الأمم المتحدة التي نحتاج”، انطلقت صباح يوم الاثنين فعالية الإحياء الرسمي للذكرى السنوية الخامسة والسبعين للأمم المتحدة- ذكرى هذه المنظمة الدولية التي “ولدت من رحم معاناة هائلة”، بحسب الأمين العام.

السيد أنطونيو غوتيريش وفي كلمته بهذه المناسبة نوه بالجهود العظيمة التي قامت بها الدول الأعضاء من أجل تفادي حرب عالمية ثالثة، إذ بحسب قوله “لم يحدث أبدا في التاريخ الحديث أن مرّت علينا كل هذه العقود المتعاقبة دون ظهور نزاع بين القوى العظمى”.

وقال إن “هذا إنجاز عظيم يمكن للدول الأعضاء أن تفخر به – ويجب علينا جميعا أن نسعى جاهدين للحفاظ عليه”.

ولكن مازال أمامنا الكثير الذي يتعين القيام به..

التحديات الماثلة

فبعد مرور 25 عاما على منهاج عمل بيجين، قال الأمين العام إن عدم المساواة بين الجنسين لا يزال أكبر تحد على الإطلاق أمام إعمال حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. كما أشار إلى الكارثة المناخية التي تلوح في الأفق وإلى انهيار التنوع البيولوجي.

UN Photo

لقد فضحت جائحة كوفيد-19 ما يعتري العالم من ضعف. لا يمكن أن نواجهها إلا معا– الأمين العام

وقال غوتيريش إن “معدلات الفقر ترتفع، والكراهية تنتشر، والتوترات الجغرافية السياسية تتصاعد. ولا يزال وضع الأسلحة النووية في أقصى حالات الاستنفار.”

وفيما أتاحت التكنولوجيات المفضية إلى التحول فرصا جديدة ضخمة، إلا أنها كشفت أيضاً، ووفقا للأمين لعام، عن ظهور تهديدات جديدة. “لقد فضحت جائحة كوفيد-19 ما يعتري العالم من ضعف”، أوضح السيد غوتيريش، مؤكدا أنه “لا يمكن أن نواجهها إلا معا”.

منظمة فريدة لا يضاهيها أي كيان آخر

رئيس الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، فولكان بوزكير، تحدث عن الإنجازات التي تمكنت المنظمة من تحقيقها خلال العقود الماضية ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتطوير أنظمة الحد من التسلح، واعتماد الأهداف الإنمائية للألفية عام 2000 وأهداف التنمية المستدامة عام 2015 لمحاربة الفقر والجوع والأمراض والأمية والتدهور البيئي والتمييز ضد المرأة.

وقال بوزكير إن التعددية ليست خيارا بل ضرورة، في الوقت الذي يُعاد فيه البناء بشكل أفضل من أجل عالم أكثر استدامة وإنصافا وصمودا. وشدد على ضرورة أن تكون الأمم المتحدة في قلب هذه الجهود.

United Nations
رئيس الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، فولكان بوزكير

 

وتحدث رئيس الجمعية العامة عن أهمية أن تتكيف الأمم المتحدة مع التغيرات التي حدثت منذ إنشائها قبل 75 عاما، لتصبح أكثر شمولا للجميع بما في ذلك المنظمات الإقليمية ودون الإقليمية، والمنظمات غير الحكومية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، والمجالان الأكاديمي والبرلماني.

وأكد أن الأمم المتحدة منظمة فريدة لا يضاهيها أي كيان آخر في شرعيتها وقدرتها على الجمع بين كل الأطراف ومنح الأمل للناس في مستقبل أفضل. وقال إن قوة الأمم المتحدة تقاس بقوة أعضائها، داعيا كل الدول الأعضاء إلى حشد الموارد وتعزيز الجهود وإظهار الإرادة والقيادة من أجل المستقبل الذي يريده الجميع والأمم المتحدة التي يحتاجونها.

تحدٍ ثلاثي الأبعاد

وتتولى باكستان الرئاسة الدورية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وهو أحد الأجهزة الستة الرئيسية للأمم المتحدة. ممثل باكستان الدائم لدى الأمم المتحدة منير أكرم تحدث نيابة عن المجلس قائلا إن الأمم المتحدة أُنشئت قبل 75 عاما لإنقاذ الأجيال المتعاقبة من الحرب، وأيضا لتحسين الظروف المعيشية وتعزيز الحريات.

يجب أن يكون اللقاح المضاد لكوفيد-19، بمجرد تطويره، متاحا للجميع في كل مكان بسعر معقول بدون تمييز–رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي

وأشار أكرم إلى الإنجازات التي حققها العالم خلال العقود الماضية في التقدم الاقتصادي ومكافحة الفقر والأمراض، وغير ذلك من المجالات. إلا أنه قال إن انعدام المساواة سمة للوقت الراهن، مضيفا أن جائحة كوفيد-19 سلطت الضوء على هذه المشكلة بين الدول وداخلها وأن أفقر الناس هم أكثر من عانوا من الجائحة.

وذكر أن العالم يواجه تحديا ثلاثيا: التعافي من كوفيد-19، تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتجنب الكارثة المناخية التي تلوح في الأفق. وأضاف:

“الاستجابة لهذه التحديات يجب أن تكون جماعية، لن يكون أحد في مأمن إلا إذا أمن الجميع من الفيروس. يجب أن يكون اللقاح المضاد لكوفيد-19، بمجرد تطويره، متاحا للجميع في كل مكان بسعر معقول بدون تمييز….يجب ألا تتخلى هذه الاستجابة عن أحد. وسيتطلب ذلك تعاونا دوليا غير مسبوق. ولا يمكن تعزيز مثل هذا التعاون في أي مكان آخر باستثناء الأمم المتحدة”.

وأكد منير أكرم أن ولاية المجلس الاقتصادي والاجتماعي لم تكن أكثر أهمية كما هي الآن. وشدد على ضرورة أن يتخذ المجلس القرارات الضرورية لمعالجة آثار كوفيد-19 وتغير المناخ وتعزيز التنمية المستدامة.

استبدال حكم القوة بسيادة القانون

رئيس محكمة العدل الدولية، السيد عبد القوي أحمد يوسف، قال إن إنشاء الأمم المتحدة في عام 1945، اتخذ من قبل الدول المشاركة في مؤتمر سان فرانسيسكو “لاستبدال حكم القوة بسيادة القانون”.

UN Photo/Manuel Elias
رئيس محكمة العدل الدولية، السيد عبد القوي أحمد يوسف يتحدث إلى الجمعية العامة

وأوضح في كلمته المسجلة للمجتمعين، أن هذا القرار أحدث فرقا كبيرا في حياة البشرية في السنوات الـ 75 الماضية.  لمليارات الناس على هذا الكوكب، إن الاعتماد على سيادة القانون الدولي، وتطبيق مبدأ المساواة في الحقوق، وحظر استخدام القوة بين الدول وحماية حقوق الإنسان، “يعني الحرية والاستقلال والتقدم والسلام”.

لا يمكن لأي دولة، مهما كانت قوتها، أن توفر الأمن والازدهار والبيئة النظيفة لشعبها دون التعاون مع الدول الأخرى–رئيس محكمة العدل الدولية

في السنوات الـ 75 الماضية، كل هذا كان بفضل إنشاء الأمم المتحدة. وهذا يمنحنا جميعا سببا للاحتفال اليوم بمرور 75 عاما على هذه المؤسسة الفريدة.

وأكد رئيس محكمة العدل الدولية أنه “لا يمكن لأي دولة، مهما كانت قوتها، أن توفر الأمن والازدهار والبيئة النظيفة لشعبها دون التعاون مع الدول الأخرى”.

كما لا يمكن حل جميع مشاكل الأمة على المستوى الوطني، داعيا إلى أن يقوم التعاون الدولي على أساس نظام من القواعد. “ما لم تحترم كل دولة نظام القواعد هذا، فقد ينهار صرح التعاون متعدد الأطراف.”

وبقدر ما قد ترغب الدولة في التحرر من الالتزامات القانونية التي تلزم دولتين أخريين، أكد السيد عبد القوي أحمد يوسف أنها لا تستطيع أن تفعل ذلك من جانب واحد دون أن تفقد المنفعة التي تجنيها من تعاونها مع تلك الدول ومع الآخرين.

الشباب يحاسبون ويطالبون بكوتا 20%

وتحدثت مجموعة من الشباب في أعقاب انتهاء رؤساء الأجهزة الرئيسية في المنظومة الدولية. وافتتحت المنصة افتراضيا، الشابة أكوسوا أدوبيا أجيبونغ، من غانا التي استهلت كلمتها بتوجيه أسئلة إلى المجتمعين قائلة:

  • هل بقيتم جميعاً أوفياء لميثاق الأمم المتحدة؟
  • هل تمسكتم بحقوق الإنسان والعدالة في جميع الظروف؟
  • هل أعطيتم الأولوية قبل كل شيء للرفاهية الاجتماعية والاقتصادية لجميع الأشخاص، بما في ذلك مجموعات الأقليات والنساء والأطفال وكذلك الأشخاص ذوو الإعاقة؟
  • هل احترمتم روح التعددية التي شدد عليها الميثاق؟
UN Photo/Manuel Elias
الشابة أكوسوا أدوبيا أجيبونغ، من غانا تتحدث إلى الجمعية العامة

وفيما تطرقت إلى حوار الأمم المتحدة العالمي الذي أطلق في بداية العام، شددت أكوسوا أدوبيا أجيبونغ على نتائجه التي تأكد بشكل جلي على أن تعددية الأطراف أمر لا غنى عنه في الدبلوماسية الدولية. وقالت أكوسوا “هذا شيء أقرّ به مواطنوكم. إذ وجدت محادثة الأمم المتحدة 75 دعما ساحقا للتعاون العالمي في كل دولة في العالم.”

 تبدأ معالجة قضية عدم المساواة بين الجنسين بمعالجة قضية القيادة النسائية وتمثيلها– الشابة أكوسوا أدوبيا أجيبونغ

كما أشارت الشابة الغانيّة إلى “الجائحة الصامتة” التي تعصف بالعالم منذ قرون -ألا وهي العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي- التي تؤثر على 35٪ من النساء والفتيات على مستوى العالم وتؤثر على عدم المساواة بين الجنسين.

وقالت: “تبدأ معالجة قضية عدم المساواة بين الجنسين بمعالجة قضية القيادة النسائية وتمثيلها.” وفيما أشادت بقيادة الأمين العام المثالية في تحقيق التكافؤ في فريق الإدارة العليا وبين المنسقين الأمميين المقيمين، نوهت أيضا بكافة قادة العالم الذين اتخذوا إجراءات رائعة لتحقيق التكافؤ داخل حكوماتهم وجميع القطاعات الأخرى، داعية الآخرين إلى أن يحذوا حذوهم.

أكوسوا أدوبيا أجيبونغ شددت أيضا على ضرورة البناء على استراتيجية الشباب لعام 2030 التي تم إطلاقها في جلسة الجمعية العامة عام 2018. وطالبت من جميع الزعماء مناصرة العدالة بين الأجيال والحوكمة المشتركة على جميع المستويات، في الحكومات، في الصناعة، وفي القطاع الخاص. وقالت: “نريد منكم أن تعدونا بأنه في برلماناتكم، ستتألف حوكمتكم من 20٪ على الأقل من الشباب.” ودعت الأمم المتحدة إلى أن تتولى القيادة في تحقيق هذا الهدف.

إعلان يجدد الالتزام بالتعددية

وخلال الاجتماع، أعتمد الإعلان الصادر عن الجمعية العامة بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لإنشاء الأمم المتحدة، بالإجماع.

ومن خلال هذا الإعلان جددت الدول الأعضاء الالتزام بعدم ترك أحد يتخلف عن الركب، مشيرة إلى أنها ستعمل في السنوات العشر القادمة على تحقيق التنمية المستدامة التي لا بديل عنها. كما أنها ستضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات والصكوك الدولية نصب أعينها، وتكفل حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

 وأكدت، في الإعلان، أنها ستحمي الأرض وتعزز السلام وتمنع نشوب النزاع، وتحسن وضع النساء والفتيات، وتبني الثقة وتصغي إلى الشباب وتستعد بشكل أكبر للأزمات المحتملة حتى لا تأخذها على حين غرة كما فعلت أزمة جائحة كوفيد-19.

حوار على مستوى العالم

وكانت الأمم المتحدة قد أطلقت في كانون الثاني/يناير الماضي حورا عالميا لإحياء الذكرى الخامسة والسبعين لإنشائها، مع التركيز بشكل خاص على أصوات الشباب. وحتى الحادي والعشرين من أيلول/سبتمبر، شارك أكثر من مليون شخص حول العالم بهذا الحوار. وقد أتاحت إجاباتهم رؤية فريدة حول ما يريده الناس في ظل هذه الأوقات العصيبة على العالم أجمع.

وقد تقاسم المشاركون في هذا الحوار مخاوفهم وآمالهم للمستقبل. وقالوا إن التعاون الدولي حيوي للتعامل مع التحديات الراهنة. وسلّطوا الضوء على أن جائحة كوفيد-19 جعلت هذا التضامن أكثر إلحاحا. وشددوا على أن العالم بحاجة إلى نظم صحية وخدمات أساسية للجميع.

لقد بدأ مؤسسو منظمتنا عملهم في خضم النزاعات. والآن يقع على عاتقنا أن نشقّ طريقنا للخروج من الخطر–الأمين العام

وفي هذا الصدد، قال الأمين العام في كلمته إن الناس يخشون من أزمة المناخ والفقر وعدم المساواة والفساد والتمييز العنصري والجنساني الذي يتم بشكل منهجي، مضيفا، هم “يرون في الأمم المتحدة أداةً لجعل العالم مكانا أفضل. وهم يعوِّلون علينا لنجتاز الاختبارات التي يواجهها العالم اليوم. “

وقال السيد غوتيريش إن المسؤولية الرئيسية عن تلك العملية تقع على عاتق الدول الأعضاء، موضحا أن الدول الأعضاء هي التي أنشأت الأمم المتحدة، ومن واجبها أن تقوم باحتضانها وتغذيتها وتزويدها بالأدوات اللازمة لإحداث تغيير. وقال:

“إننا مدينون بذلك لعبارة ”نحن شعوب الأمم المتحدة“ الواردة في ديباجة الميثاق.”

وفيما حيا العاملين في الميدان وفي الخطوط الأمامية وبعثات حفظ السلام، دعا الأمين العام إلى النهوض بالقيم المشتركة. وختم كلمته قائلا:

“لقد بدأ مؤسسو منظمتنا عملهم في خضم النزاعات. والآن يقع على عاتقنا أن نشقّ طريقنا للخروج من الخطر. وكما ورد في ميثاقنا، دعونا، كأمم متحدة، ”نوحّد جهودنا لتحقيق هذه الأغراض.”

 

قد يعجبك ايضا