اليمن في مواجهة مصيرية مع التحديات والتغيرات المناخية

تسببت الأمطار الغزيرة التي شهدتها اليمن خلال الشهرين الأخيرين، بشكل غير مسبوق، بخسائر بشرية ومادية فادحة، نتيجة سوء البنية التحتية في البلاد.

وسواء كان ازدياد هطول الأمطار بداية تحول مناخي جذري أو طفرة طارئة وتحو نسبي، فإنه يتمثل فرصة وتحدٍ في آن واحد.

ودقت وكالة “سبأ”، في تقرير مطول الصحفي أنس القاضي، ناقوس الخطر، محذرة من تضرر قطاعات يمنية هامة وفي مقدمتها القطاع الاقتصادي.

وقالت الوكالة إن “الأوضاع العامة الجارية في البلاد تتطلب من اليمنيين بان يبذلوا كل طاقاتهم في الجانب الزراعي كملف اقتصادي هام إلى جانب بقية القطاعات الاقتصادية ، من أجل تصليب الموقف العسكري وتعزيز الصمود الشعبي الوطني في مواجهة العدوان ، فواقع الحال بأن اليمنيين بحاجة إلى استثمار كل قطرة ماء ، وعلى عكس بقية القطاعات الاقتصادية المخنوقة من الحصار فإن القطاع الزراعي لديه فرص النمو في ظل الحصار أكثر من غيره”.

وتابعت “للتغيرات المناخية أي كانت طبيعتها أهمية كبيرة في بلادنا فاليمن بلاد حضارة زراعية قامت على السدود والحواجز المائية العملاقة”.

وأشارت إلى أنه وخلال الأعوام الماضية “ازدادت معدلات هطول الأمطار في اليمن بشكل لافت ، وهناك من يرى بأنها نتيجة تغيرات مناخية من شأنها أن تجعل من اليمن بلداً مطيراً طوال العام، ويُعد فيضان سد مأرب لأول مرة منذ إعادة اصلاحه قبل ثلاثة عقود مؤشراً هاماً على وجود مثل هذه التغيرات المناخية، التي لم تحسم حقيقتها ببحوث علمية دقيقة”.

طبيعة التغيرات المناخية
وذكرت الوكالة أنه وفي أوائل تسعينيات القرن الماضي، تنبأ مجموعة من الخبراء وعلماء الطقس الفرنسيين بأن تغيرات مناخية في اليمن سوف تحدث في العقود القادمة، بشارة بعث بها الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران إلى الرئيس اليمني آنذاك علي عبد الله صالح ، تضمنت الرسالة المرفقة بالبحوث العلمية بشارة وتحذيراً من أن اليمن ومنطقة الجزيرة العربية سوف تدخل في العقود القادمة إلى مدارات مناخية جديدة تجعله بلداً مطيراً شديد الاخضرار، وان على اليمن تهيئة البنية التحتية لذلك.

وأشارت إلى أن الباحث اليمني في مجال الطقس مكين الكوكباني ، له أطروحة تفاؤلية تنتهي إلى أنه ابتدأ من السنة الجارية 2020 وصاعدا سيصبح هطول الأمطار في اليمن أغلب ايام السنة.

يفترض الكوكباني بأنه ومنذ عقود وقرون كان نظام الطقس في اليمن يقوم على نظام بسيط هو نظام الرياح الموسمية التي كانت توفر الرطوبة البنائية في الطبقة 700 خلال موسم الصيف ثم تعود حوامل الرياح الى المسطحات المائية خلال فصل الشتاء ، اما اليوم -كما يرى الكوكباني- فقد اصبح نظام الطقس في اليمن يقوم على طيف واسع من عناصر الطقس نتيجة التغيرات الجذرية في مناخ الأرض حيث تعد سنة 2019 هي سنة الأساس والبداية لميلاد النظام المناخي الجديد في الارض التي سوف تليها أربع سنوات من التغيرات المناخية ستنتهي باكتمال ميلاد النظام المناخي الجديد عام 2024.

يضيف الكوكباني وجدنا من خلال تتبع فترات هطول الامطار ودراسة نتائج توقعات خرائط الطقس للسنة المنتهية 2019 وتأكد لنا ارتفاع معدلات هطول الأمطار في اليمن حيث اصبحت شبه دائمة على اغلب مناطق مرتفعات اليمن الغربية والجنوبية والشرقية والوسطى.

وعلى العكس من أطروحة الكوكباني يرى الباحث الفلكي اليمني محمد عياش ، في الحديث عن تغيرات مناخية جذرية في اليمن وتحوله إلى إستوائي ماطر طوال أشهُر السنه مسألة مبالغ فيها وفي غير وقتها ، معتبراً الأمطار الحالية مجرد طفرة مناخية مفاجئة.

 

تداعيات كارثية

يقول تقرير وكالة “سبأ”، إن الأمطار الغزيرة تسببت في خسائر بشرية ومادية وأثرية كبيرة، تركزت هذه الخسائر بشكل رئيسي في محافظات الحديدة ومأرب وصنعاء، كما عمت مختلف المدن والمعالم الأثرية اليمنية، التداعيات الكارثية المتزامنة في أكثر من منطقة يمنية أربكت الأداء الحكومي الذي لم يرقى إلى لمستوى التحديات رغم التوجيهات الرئاسية ، وبعد تحمل الصدمة بدأت ردود الافعال الحكومة والمؤسسات بالعمل على معالجة المشاكل ، مثل هيئة الزكاة وهيئة المساحة والجيولوجيا فرع الحديدة وهيئة حماية المدن التاريخية وأمانة العاصمة وغيرها من الهيئات التي بادرت للتخفيف من اضرار السيول ولكن كجهود منفصلة عن بعضها ، فيما الحاجة هي إلى التنسيق والوحدة.

وكانت الهيئة العامة للمدن التاريخية قد أطلقت نداء استغاثة إلى كل العالم بمنظماته الدولية وفي مقدمتها منظمة اليونسكو ومراكز التراث العالمية لإنقاذ مدينة صنعاء التاريخية التي تعرضت بعض مبانيها لانهيارات بسبب استمرار هطول الأمطار.

الصحفي الاقتصادي رشيد الحداد ، يرجع انهيار المنازل في صنعاء القديمة ليس فقط إلى الأمطار والسيول الراهنة بل ايضا إلى ما وصفه بالإهمال والكذب الرسمي على أصحاب المنازل القديمة التي تم تقييمها منذ قرابة 15 عاماـ منها منزل محمد علي عصدة الذي زاره قبل 11 عاما ، وكانت هناك دعامات الترميم مركبة في الدور الاخير, ليظل المبنى قيد الترميم طيلة هذه الفترة حتى سقط المبنى ، في الأمطار الراهنة.

وأفاد الحداد بأنه ما زال هناك الكثير من المنازل التي تم اخلائها منذ عقود وتنتظر الترميم الحكومي حيث يمنع الترميم او البناء إلا باشراف هيئة حماية المدن التاريخية.

وكان منزل أديب اليمن الكبير عبد الله البردوني في صنعاء القديمة أحد ضحايا الأمطار ، فقد أنهار قبل ان تنفذ حكومة الانقاذ وعودها بترميمه وتحويله إلى متحف كما وعدت في ذكرى وفاته العام الفائت.

 

التحديات والفرص

أياً كانت طبيعة التغيرات المناخية سواء دائمة أم مؤقتة ، فهذه التغيرات سيكون لها تداعيات كثيرة ، فوضع البُنية التحتية اليمنية المتخلفة والتي ازدادت سوءً وخراباً منذ شن العدوان على بلادنا – مارس 2015م – هذا الوضع يتطلب عملاً دؤوباً من أجل القيام بمهمتين رئيسيتين، المهمة الأولى تقليل المخاطر حتى أدنى مستوى ومواجهة التحديات ، والمهمة الثانية هي الاستفادة من الفرص التي سوف توفرها هذه التغيرات الى أقصى حد ممكن، فمن الواضح أن واقع البنية التحتية للبلد اليوم غير قادرة على مواجهة التحديات ولا الاستفادة من الفرص التي تصنعها التغيرات المناخية.

التهديدات :
· تهدم وغرق المنازل الطينية والشعبية ، وخاصة المبنية في الأودية.
· خراب المدرجات الزراعية.
· حدوث انزلاقات ترابية وانهيارات صخرية ، تهدد القرى والطرق الرابطة بين المدن.
· تضرر المنازل التاريخية في صنعاء القديمة ووادي حضرموت.
· عودة الخلافات حول الأراضي التي سوف تتحول من جرداء إلى أراضي زراعية.
· فيضان السدود الصغيرة ، وخراب القديمة والمتآكلة منها.
· انسداد عبارات المياه والجسور الصغيرة.

الفرص:

· إمكانية زراعة موسمين أو أكثر.
· تغذية المياه الجوفية وعودة المياه إلى الآبار التي جفت.
· الاستغناء عن كميات كبيرة الديزل المستخدم في عملية استخراج المياه.
· إمكانية زراعة الحبوب بشكل أكبر.
· انتعاش التنمية الريفية المرتبطة بالزراعة وتربية الحيوانات.
· ازدياد حجم المحاصيل الزراعية.
· تعميق السوق المحلية الواحدة بين المحافظات والمناطق اليمنية باختلاف تضاريسها.
· عودة العيون والينابيع والشلالات القديمة التي جفت.
· فرص أكبر للصناعات الغذائية المعتمدة على وفرة المحاصيل الزراعية.

التوصيات:

– تشكيل لجنة مشتركة من وزارة الزراعة والري وهيئة الجيولوجيا وهيئة حماية المدن التاريخية وهيئة الزكاة وهيئة الإغاثة والأجهزة الأمنية والدفاع المدني ، لتنسيق الجهود المطلوبة للتعامل مع الاشكاليات الطارئة.
– القيام بدراسات علمية لمعرفة معدل ازدياد هطول الامطار وحقيقة التغيرات المناخية من أجل رسم مختلف الخطط على بيانات دقيقة.
– القيام بدراسات جيولوجية لمجاري السيول والأودية والمنحدرات لتحديد المناطق المهددة بالسيول والغير صالحة لبناء المنازل فيها.
– صيانة واستصلاح السدود القديمة ، وبناء سدود وحواجز جديدة وفقاً للإمكانيات المتاحة ، وبشراكة القطاع الخاص والإسهامات الشعبية.
– توجه المواطنين إلى صيانة المدرجات الزراعية وتغذيتها بالتربة وتقوية جدرانها الساندة.
– عمل جدران للطرق الجبلية المهددة بالانهيارات الصخرية.
– اطلاق مبادرات شعبية تعاونية لاستصلاح الأراضي الزراعة غير المستثمرة وغير المزروعة.
– شق ورصف الطرق الرابطة بين القرى ومراكز المديريات والمدن من اجل مواكبة حركة التنمية الريفية.
– بناء شبكات تصريف للمياه وإصلاح المطمور منها.
– تشجيع قيام اتحادات تعاونية زراعية جديدة منتخبة تتحمل المسؤولية نيابة عن المزارعين وتربط المزارع بجهود الدولة.
– اقامة مصانع محلية للأسمدة.
– اقامة معامل ومصانع لحفظ الاطعمة عن طريق التجفيف والتخليل والطحن وغيرها من الطرق.
– تشكيل لجنة صلح مركزية من القضاء والنيابة والأجهزة الأمنية ومجلس التلاحم القبلي، لحل النزاعات المرتبطة بالأراضي الزراعية المهيأة للاستثمار الزراعي حصراً.

قد يعجبك ايضا