أُضحية العيد في ظل الحرب كالحج لمن استطاع إليه سبيلاً

أيام قلائل تفصلنا عن حلول عيد الأضحى المبارك، حيث يتركز اهتمام المسلمين فيه على شراء الأضاحي لذبحها “يوم النحر” لتكون أعظم قربة لله سبحانه وتعالى، إلا أن أسواق بيعها في صنعاء تشهد أسعاراً خيالية بل جنونية ، ما أدى إلى عزوف المواطنين عن شرائها، في ظل انقطاع المرتبات وتدهور الأوضاع الاقتصادية بسبب استمرار العدوان والحصار المفروض على بلادنا منذ أكثر من خمس سنوات.

اليمنيون ثابتون ثبوت الجبال وبشكل اسطوري في كل عيد يحتفلون به في ظل استمرار هذا العدوان السعودي الامريكي الغاشم وحصاره الظالم ، ويقتنعون بأقل القليل ، فمظاهر العيد وإن تبدو بسيطة لديهم تكشف عن الفرحة المنقوصة التي يعيشونها.. إذ لم يستطع الكثير منهم من شراء أضاحيهم لغلاء أسعارها بل واستحالة البعض من الحصول حتى على رُبعها ، ما جعلها من صعوبة شرائها أو الحصول عليها كفريضة الحج لمن استطاع إليها سبيلا.

ومع دخول العشر الأوائل من ذي الحجة، يكتفي غالبية المواطنين بالمرور من أسواق بيع المواشي والنظر إليها ومبايعتها فقط والتمني بدلا من شرائها ، أما من يتوافر لديهم القليل من الدخل والإمكانات فيتشاركون بالأضحية في شراء خروف واحد ، أو رأس بقر واحد لسبعة أشخاص، أما أغلب الناس فيكتفون بشراء كيلو من اللحم ، أو ذبح دجاجة ولا دخل لهم بالأضاحي لا من قريب ولا من بعيد.

وعلى غير عادتها قبيل عيد الأضحى المبارك من كل عام، فقد شهدت أسواق المواشي في العاصمة صنعاء هذا العام ركوداً ملحوظاً، وتراجعاً ملموساً في نسبة إقبال المواطنين على شراء أضاحي العيد، في ظل استمرار انقطاع مرتبات موظفي الدولة، وتفاقم الأوضاع المعيشية والإنسانية والإقتصادية واحتجاز السفن والإمعان في حصار وتجويع الشعب اليمني.

حكم الأضحية شرعاً:

أضحية العيد سنة مؤكدة عن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي إحدى الشعائر الإسلامية، التي يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل بتقديم ذبح من الأنعام بدءً من أول أيام عيد الأضحى حتى آخر أيام التشريق (الثالث عشر من ذي الحجة) يُثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركها، وهي مشروعة بالكتاب والسُنة القولية والفعلية ، والإجماع.. قال تعالى: «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ* إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» [سورة الكوثر].

وشٌرعت الأضحية في السنة الثانية من الهجرة النبوية ، وهي السنة التي شرعت فيها صلاة العيدين وزكاة المال.

وثبت أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يُضحي ، وكان يتولى ذبح أضحيته بنفسه فمن ذلك : عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا)) متفق عليه.. وأجمع المسلمون على مشروعية الأُضْحِيَّة.

لمن استطاع إليها سبيلا:

يقول الأستاذ خالد حسين الذي يعمل مدرساً في متنة مركز مديرية بني مطر وراتبه منقطع منذ 4 سنوات : إن الأضحية أصبحت مثل الحج لمن استطاع إليها سبيلا، وإنهم سيلجئون إلى شراء كم كيلو من اللحم في يوم العيد ، أو المشاركة في “أضحية” مع عدد من الجيران والأصدقاء ولو بأقل الإمكانات ، لأنها أصبحت من العادات السنوية التي لا يمكن التخلي عنها بسهولة، ولأنها جزء من شعائر المسلمين الدينية.

وأوضح أنهم عادة ما يُضحون برأس من الغنم (طلي) أو رأس من الماعز (تيس) سنوياً ولكن هذا العام لقلة الدخل واستمرار انقطاع المرتب فهم مضطرين إلى التشارك في الأضحية مع مجموعة من الأقارب والأصدقاء سواء سُبع أو ثُمن عجل أو رأس بقر أو نُص رأس غنم.. الخ لأن أسعارها أصبحت خيالية وغير مقدور عليها.

وأشار إلى أنهم عادة في الريف اليمني ما يتم المشاركة في الأضحية خصوصا البقر بين كل سبعة أشخاص ، كل شخص بقدر ما يستطيع ، فالاشتراك في البدنة والبقرة جائزٌ شرعاً.. لِمَا أخرجه الخمسةُ إلَّا أبا داود مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فِي سَفَرٍ فَحَضَرَ الأَضْحَى فَاشْتَرَكْنَا فِي البَقَرَةِ سَبْعَةً، وَفِي البَعِيرِ عَشَرَةً».

تجارة المواشي.. وركود الأسواق:

أثناء زيارتنا الميدانية لأسواق بيع المواشي من الأغنام والأبقار في شارع خولان ومنطقة نقم بالعاصمة صنعاء وجدنا أنه لا يختلف البائع عن المواطن ، من حيث التذمر والشكوى من اشتعال الأسعار وركود البيع والشراء بالأسواق وعزوف المواطنين عن شراء الأضاحي.

خالد عزيز القاولي ، أحد أبرز بائعي المواشي، والذي يعمل في بيع الأغنام بسوق شارع خولان منذ نعومة أظافره ، أكد لنا ركود السوق في عملية البيع والشراء ، فبسبب غلاء الأسعار حيث تتراوح قيمة الكبش الواحد ما بين (50-150) ألف ريال يمني، أصبحت حالة المواطنين لا تسمح لهم بشراء الأضاحي، وصار العرض أكثر من الطلب، بسبب ما يأتي من تهامة والجوف ومديريات وأرياف محافظة صنعاء بالكامل من مواشي لأنه موسم سنوي.

وقال القاولي في العادة يتم تصدير معظم المواشي من تهامة إلى السعودية خصوصا في موسم الحج، لكن هذا العام مع استمرار الحصار وتوقف موسم الحج فقد تم توريد أغلبها إلى صنعاء وبعض المدن اليمنية الأخرى .. ولكن بسبب العدوان على بلادنا والحصار واستمرار قطع مرتبات الناس أصبحت القوة الشرائية ضعيفة ولا يستطيع شراء الأضحية إلا من يملك عمل تجاري أو من لديه مصدر دخل آخر.

أما التاجر عبدالخالق العوامي الذي يقوم ببيع الأغنام المروعية الآتية من تهامة والتي يتراوح سعرها ما بين (50- 80) ألف ريال في سوق نقم فيقول: السوق بورة طاحنة وتزداد البورة عند هطول الأمطار خصوصاً في هذه الأيام، ولكن كلما قرب العيد كلما تحرك السوق قليلاً، وكل شيء بيد الله.. “إحنا طالبين الله ولن يخيبنا”.

أحمد العصيمي هو الآخر من أبناء مدينة باجل في تهامة يملك عدداً لا بأس به من رؤوس الأبقار، حيث يقوم بتربيتها في مزرعته وبيته ويقوم بتسويقها في سوق نقم لبيع المواشي سنوياً خلال موسمها المعتاد يشكو ركود السوق بشكل كبير مقارنة بالأعوام السابقة بقوله “بوووووره”.

ومن شدة البورة وركود البيع والشراء في أسواق المواشي بمجرد دخولنا إليها تهافت إلينا أصحاب المواشي قائلين: “أيش ندي لك (أيش نعطيك) أطَلى تُيوس بقر.. كل ما في نفسك.. نحن تحت أمرك.. وبأقل الأسعار..!! رديت عليهم إن شاء الله لو اشترينا بالعيد ما نشتري إلا من عندكم”.

لا مجال للشراء:

المواطن محمد الشيخ يؤكد عدم قدرته على شراء الأضحية لهذا العام، بسبب ارتفاع أسعارها وبسبب قلة دخله.. بقوله: لا يوجد مجال لشراء الأضحية إطلاقاً فقد أصبح شرائها مستحيل ليس عندي فقط بل عند معظم الأسر اليمنية وفي مختلف المحافظات.

وهذا ما ذهب إليه كذلك مواطن آخر يعيش في صنعاء ويُدعى علي محمد حسين حيث يقول إنه لن يستطيع أن يضحي بشيء خصوصا في ظل انقطاع المرتبات وتوقف الأعمال إلا من رحم ربي.. مضيفاً الأضحية أصبحت مقرونة بالاستطاعة وهي سُنة و”نحن لا نستطيع” لذلك لا مجال لدينا لنضحي على الأقل في ظل الوضع القائم حالياً.

جمعيات خيرية:

هيثم العوامي ، دلال في بيع المواشي “غنم وبقر” ويعمل أيضاً جزار في سوق “نُقم” يقول: رغم أن الأسعار غالية في السوق حيث يتراوح سعر الكبش بين (50- 120) ألف ريال وأكثر، وسعر رأس البقر بين (350- 800) ألف ريال، ورغم ضعف القوة الشرائية من قبل المواطنين، ولأنه موسم مبارك.. إلا أن هنالك جمعيات خيرية (لم يُسمها) تأتي وتشتري ما بين (300-400) رأس غنم وكذلك ما بين (150- 200) رأس بقر وتقوم بذبحها في عيد الأضحى وبعد ذلك تقوم بتوزيعها على المستحقين من الفقراء والمساكين.

رأس المال والضمار:

تُعد تربية الأبقار والأغنام في الريف اليمني إحدى دعائم الثروة الحيوانية التي تشكل بحق شقاً هاماً من الثروة الزراعية الأساسية في بلادنا، والتي تنتشر في معظم قرى الريف اليمني وتهدف إلى دعم الاقتصاد وتوفير جانب هام من جوانب الأمن الغذائي وصولاً للاكتفاء الذاتي.. أحمد حسين الغيلي أحد أبناء الحيمة الداخلية يقوم بتربية الأبقار والأغنام في بيته في الريف، ونتيجة لذلك فقد ربى “ثور كبير” وجاء به هذا الموسم لتسويقه وبيعه في سوق نقم.

يقول الغيلي هذا الثور هو “رأس المال وكل الضمار” وهو رزق العيال فقد بذلنا كل جهد في سبيل تربيته على مدى 4 أعوام كاملة وفيه كل مواصفات الأضحية السليمة.. ومن شدة البورة وقلة دخل الناس وعزوفهم عن أسواق المواشي فلم نتحصل على سعر ممتاز، فالسعر المطلوب ما بين (500- 600) ألف ريال.. ولكن لم يعطونا إلا بحدود 400 ألف ريال.. لذلك فقد قررنا البقاء في السوق حتى نحصل على سعر ممتاز أو الرجوع به إلى المنزل.

تيوس بربرية وجاموس:

أثناء تجولنا في سوق نقم لفت نظري نوع مميز من الماعز (تيوس) فلم أتردد بسؤال صاحبها الذي يدعى أحمد العوامي .. ما نوع هذه الماعز فلم أرى مثلها من قبل؟ فأجابني قائلا: إنها تيوس بربرية يتم استيرادها من الصومال عن طريق المخا، رغم أن الإستيراد موقف بسبب العدوان والحصار ، وسوقها لا بأس به وأسعارها ما بين (65- 75) ألف ريال فقط رغم أن حجمها كبير وشكلها جميل جدا وأيضاً تصلح للأضحية فهي جيدة، ولكن الأفضلية بالدرجة الأولى هي للبلدي.

كما لفت نظري أيضاً نوع ضخم يشبه البقر فسألت أحد الواقفين بجانبها وهو هيثم طاهر ما هذه البقرة الضخمة ؟ فأجاب إنها جاموس.. وتصلح للأضحية أيضاً لأنها “ثني” أي يبلغ عمرها سنتين فأكثر.. ويبلغ سعرها مليون وخمسمائة ألف ريال.. وعادة ما كان يتم نقلها إلى اليمن فوق الطيران.

الجدير ذكره أن هناك أعمار محددة لكل أضحية فمثلا الماعز من عمر سنة فأكثر، والأغنام من 6 أشهر فأكثر، والجمال من 5 سنوات فأكثر، والجاموس والأبقار والعجول من سنتين فأكثر.

قد يعجبك ايضا