يوم الأسير الفلسطيني في ظل انتشار “كورونا”
السجون الاسرائيلية بطبيعتها تحمل أبعاداً انتقامية وعنصرية تجاه الشعب الفلسطيني الذي أُعتقل منه أكثر من مليون شخص منذ العام 1967، فكيف هو الحال خلال أزمة تفشي فيروس “كورونا” الذي جاء بمثابة انتقام مجاني للصهاينة لتضييق الخناق على الأسرى الفلسطينيين عبر تعمد الاهمال الطبي وحرمان الأسرى من المعقمات والمواد اللازمة لمواجهة فيروس “كورونا”.
يحدث هذا بينما كان الفلسطينيون يحييون “يوم الأسير” والذي يوافق 17 نيسان/ أبريل من كل عام، لكن الذكرى تأتي هذا العام في ظل واقع مرير للأسرى، من جرّاء سياسات الاحتلال الإسرائيلي الشديدة داخل السجون، بمزاعم الحرص على إجراءات الوقاية من فيروس كورونا.
ويواجه ما يقارب 5 آلاف أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية واقعا من القمع والعزل وسلب الحريات، يتعرضون فيها لأشكال التعذيب والتعنيف كالعزل الانفرادي، الإهمال الطبي، والحرمان من الرعاية الجسدية والنفسية.
وبدل أن تقوم سلطات الاحتلال بتوفير المستلزمات والإجراءات الوقائية للأسرى لمنع انتشار الفيروس، شرعت في إصدار القرارات العنصرية التي تستهدف الأسرى ومصيرهم، ومن أهم القرارات التي أصدرتها مصلحة السجون بحق الأسرى، سحب (140) صنفاً من أصناف “الكانتينا” مشتريات الأسرى، واحتفظت بالأنواع الأعلى سعراً، وتضمنت الأصناف معقمات ومنظفات تُعد ضرورة قصوى في الأزمة التي نعيشها في الوقت الحاضر، حيث أبقت فقط على مادة الكلور كمعقم، ومنظف وحيد في سجون الاحتلال.
ومن السياسات العنصرية التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين، منعهم من التحدث عبر الهاتف مع عائلاتهم، إلا في حالات استثنائية مثل وفاة أحد الأقارب بشرط أن يكون من الدرجة الأولى، بينما السجناء الجنائيين يمتلكون هواتف عمومية موجودة في جميع الأقسام الخاصة بهم، كما يُسمح لهم بشراء بطاقات اتصال من “الكانتينا”، وعلى الرغم من صعوبة الوضع الحالي، قامت سلطات الاحتلال، وبعد الكثير من الضغط يشمل التوجه للقضاء، بالسماح للأشبال والأسيرات بإجراء اتصال هاتفي، ولكن بقيود وشروط لا إنسانية منها حق السجان بالاستماع لمضمون المحادثة وإيقاف المكالمة حينما يريد.
إعلان “يوم الأسير”
في 17 نيسان/ أبريل من العام 1974، أقر المجلس الوطني الفلسطيني، خلال دورته العادية، ذلك التاريخ، يوما وطنيا للوفاء “للأسرى الفلسطينيين” داخل السجون الإسرائيلية.
وبحسب معطيات لنادي الأسير الفلسطيني غير الحكومي، اعتقلت إسرائيل نحو مليون فلسطيني منذ العام 1967، وهو تاريخ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة.
وبلغ عدد القابعين داخل السجون في العام الجاري 2020، حوالي 5 آلاف معتقل، وفق نادي الأسير، ومن بين إجمالي المعتقلين، نحو 130 طفلا، في معتقلات “عوفر”، غرب رام الله، و”مجيدو”، و”الدامون
وتؤكد المؤسسات المختصة في شؤون الأسرى، أن الاحتلال الإسرائيلي، اعتقل منذ مطلع العام الجاري 2020، (1324) مواطن/ة فلسطينية، منهم (210) أطفال و(31) من النساء، كما وصدر (295) أمر اعتقال إداري بحق أسرى.
ومنذ بداية انتشار وباء فيروس كوفيد 19 المُستجد (كورونا)، استمر الاحتلال في اعتقال المواطنين الفلسطينيين: فقد اعتقلت قوات الاحتلال (357) فلسطينيًا/ةً من الأرض الفلسطينية المحتلة خلال شهر آذار / مارس 2020، من بينهم (48) طفلاً، وأربع نساء.
وتشير المعطيات التي وثقها نادي الأسير الفلسطيني، إلى استشهاد 222 فلسطينيا في السجون الإسرائيلية منذ العام 1967، بينهم 73 بسبب التعذيب، و67 من جراء الإهمال الطبي، و75 بالقتل العمد، و7 بسبب القمع وإطلاق النار المباشر عليهم من جنود وحراس.
ومنذ مطلع 2019، استشهد 5 أسرى من جراء سياسات إسرائيلية ممنهجة وأبرزها الإهمال الطبي المتعمد، وعبر التعذيب، وهم فارس بارود، وعمر عوني يونس، ونصار طقاطقة، وبسام السايح، وسامي أبو دياك، وسلمت إسرائيل جثمان عمر عوني يونس، لذويه، بينما تحتجز الجثامين الأربعة الأخرى في ثلاجات خاصة.
وتعتقل إسرائيل 6 نواب سابقين في المجلس التشريعي الفلسطيني، وهم: مروان البرغوثي (حركة فتح)، وأحمد سعدات (جبهة شعبية)، وخالدة جرار (جبهة شعبية)، ومحمد جمال النتشة، وحسن يوسف، محمد أبو طير (حركة حماس). كما اعتقلت إسرائيل 16 ألف امرأة فلسطينية وزجّت بهن في سجونها منذ العام 1967، ويبلغ عدد الأسيرات في السجون الإسرائيلية حتى منتصف نيسان/ أبريل الجاري، 41 امرأة، بينهن 7 جريحات، يقبعن في سجن الدامون، ومنذ بداية العام الجاري، اعتقلت إسرائيل 31 امرأة.
وتفاعلت أكثر من 500 مؤسسة دولية وبرلمانيون وشخصيات اعتبارية يمثلون 44 دولة في ست قارات، مع فعاليات يوم الأسير، ووقعوا على وثيقة تدعو إلى إنقاذ الأسرى في سجون الاحتلال، بحسب فروانة.
وجددت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) نيتها خلال ذكرى “يوم الاسير” لفتح باب الوساطات لتبادل الأسرى مع الاحتلال الإسرائيلي ، وقالت إن المبادرة التي عرضتها مؤخرا قائمة.
وأضافت الحركة في بيان نشرته الجمعة بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني أن المبادرة -التي قدمها رئيس الحركة في غزة يحيى السنوار قبل أسبوعين بشأن صفقة تبادل الأسرى- لا تزال معروضة على الاحتلال، وهي تأتي في سياق إنساني نظرا للمخاطر الصحية المحدقة بالأسرى الفلسطينيين في ظل تفشي وباء كورونا.
الأسرى وكورونا
استغلت إسرائيل أزمة تفشي فيروس كورونا في سياسات العقاب المفروضة على الأسرى والأسيرات، وأعلنت عن إلغاء كافة زيارات الأهالي إلى أجل غير مسمى.
ورفضت المحكمة العليا، وهي أعلى هيئة قضائية في إسرائيل، نهاية آذار/ مارس الماضي، التماسا تقدمت به جمعية “أطباء لحقوق الإنسان”، طالبت فيه بإطلاق سراح السجناء الإسرائيليين، الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما خوفا من تفشي كورونا داخل السجون.
واتهم رئيس نادي الأسير الفلسطيني، قدورة فارس، السلطات الإسرائيلية، بعدم اتخاذ أي إجراءات وقائية لمواجهة الفيروس.
سياسة التعذيب النفسي والجسدي
واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ التعذيب النفسي والجسدي بحق المعتقلين الفلسطينيين، منذ مطلع العام الجاري 2020م، وذلك بعد أن شهد العام المنصرم 2019م، تصاعد في عمليات التعذيب النفسي والجسدي، تحديداً بعد شهر آب/ أغسطس من العام المنصرم.
ويُشكل التحقيق أداة ممنهجة يستخدمها الاحتلال بحق المعتقلين للانتقام منهم وسلبهم إنسانيتهم، والأهم الضغط عليهم من أجل الحصول على اعترافات خلال فترة التحقيق، ووفقاً للمتابعة فإن 95% من المعتقلين يتعرضون للتعذيب، وذلك منذ لحظة الاعتقال، مرورًا بالتحقيق، وحتى بعد الزّج بهم في السجون.
ومن أشكال التعذيب المُستخدمة في التحقيق، الحرمان من النوم عن طريق جلسات تحقيق مستمرة تصل إلى 20 ساعة، وتقييد المعتقل أثناء فترة التحقيق، وشد القيود لمنع الدورة الدموية من الوصول لليدين والقدمين، والضرب والصفع والركل والإساءة اللفظية والإذلال المتعمد، بالإضافة إلى التهديد باعتقال أحد أفراد أسرة المعتقل، أو التهديد بالاعتداء الجنسي على المعتقل أو أحد أفراد أسرته، أو بهدم المنازل أو بالقتل، والحرمان من استخدام المراحيض، ومن الاستحمام أو تغيير الملابس لأيام أو أسابيع، والتعرض للبرد الشديد أو الحرارة، والتعرض للضوضاء بشكل متواصل، والإهانات والشتم.
وهناك أساليب أخرى تندرج تحت ما يسمى بالتحقيق “العسكري”: وهي أساليب تستخدم في حالات تسمى “القنبلة الموقوتة” ومبررة قانونياً لدى الاحتلال تحت شعار “ضرورة الدفاع” ومنها: الشبح لفترات طويلة، فيتم إجبار المعتقل على الانحناء إلى الوراء فوق المقعد أو الشبح بأسلوب “الموزة”: وهو ثني الظهر بشكل معاكس للجسد، والكرسي الوهمي والقرفصاء والوقوف لفترات طويلة مع ثني الركب وإسناد الظهر على الحائط، كما يتم استخدام أسلوب الضغط الشديد على مختلف أجزاء الجسم، بالإضافة إلى الهز العنيف والخنق بعدة وسائل وغيرها.
كما يوضع المعتقل لفترات طويلة في العزل في زنازين صغيرة خالية من النوافذ وباردة جداً، ويحرم من النوم ومن الحق في الحصول على أدوات النظافة الأساسية، والطعام والشراب النظيفين، ومنذ عام 1967م تسبب هذا النوع من التحقيق بقتل (73) أسيراً.
من الجدير بالذكر أن الممارسات العنيفة وغير المشروعة التي تُمارس ضد المعتقل في غرف التحقيق تتعارض بشكل مباشر مع القانون الدولي، بما في ذلك المادة 2 (1) من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، التي وقعت عليها إسرائيل في 3 تشرين الأول / أكتوبر 1991، والتي تقتضي من أي دولة طرف أن تمنع استخدام التعذيب والممارسات المرتبطة به.