سكان محافظة بيت لحم يتحدّون كورونا عبر “الأمل والتكافل”.. سيّدة فلسطينية تشاركنا قصتها
يخضع سكان محافظة بيت لحم إلى الحجر الكامل منذ الأسبوع الأول في شهر آذار/مارس، إذ كانت المحافظة من أولى المناطق الفلسطينية التي ظهرت بها حالات إصابة بفيروس كورونا المستجد. ولم يكن مستغربا ذلك فهي مقصد سياحي مهمّ ووجهة للزوّار من كل حدب وصوب، وكان لا بد للفيروس أن يجد موطئ قدم له هناك، لكن السكان والمدينة كانوا له بالمرصاد.
لبنى خروفة من سكان بيت جالا في محافظة بيت لحم، تعمل كطاهية في القنصلية البريطانية في القدس (شمالي بيت لحم) التزمت بالتعليمات منذ البداية. وتجلس في منزلها منذ نحو شهر تقريبا الآن لا تزور أحدا ولا أحد يقوم بزيارتها، إذ لم يكن كـوفيد-19 بعيدا عنها كثيرا، حيث أصيبت إحدى قريباتها بالفيروس وتتماثل الآن للشفاء، وكان لزاما عليها أن تأخذ كل أساليب الحيطة والحذر.
البقاء في المنزل ضرورة للحياة
منذ ذلك الحين حتى اليوم وأنا ملتزمة بالبقاء في المنزل لعدة أسباب أهمها الحفاظ على صحتي وعلى صحة الغير — لبنى خروفة
كان يوما عاديا أمضته لبنى خروفة في مقرّ عملها في القدس إلا أن عودتها إلى المنزل لم تكن عادية. فقد اتُخذ قرار عاجل بفرض الحجر على المحافظة بأكملها بعد توثيق حالات إصابة بفيروس كورونا لدى البعض من أبناء المدينة خاصة بعد زيارة قامت بها مجموعة من السيّاح الذين أقاموا في أحد الفنادق في المدينة قبل أن تغادر في 27 شباط/فبراير، وكان من بينهم مصابون بالفيروس.
“تلقينا النبأ في الرابع أو الخامس من آذار/مارس، وعندما أعلنوا عن فرض الحجر كنت في مكان عملي، ولدى عودتي إلى المنزل تم إبلاغنا بالحجر على مدينة بيت لحم. ويضمّ الحجر منع الزيارات للمدن والمحافظات الأخرى، وطلب منا التزام البيت، ومنذ ذلك الحين حتى اليوم وأنا ملتزمة بالبقاء في المنزل لعدة أسباب أهمها الحفاظ على صحتي وعلى صحة الغير.”
أخذ الحيطة والحذر واجب
علمت لبنى منذ البداية ما كان مقبِلا نحو تلك المدينة الصغيرة، مهد السيد المسيح عليه السلام. وقبلها بأيام أو أسابيع كانت الأخبار تتوالى من الصين وإيطاليا وإسبانيا ولم يكن يخفى على أحد أن الفيروس بدأ يعبر القارّات وهو في الطريق إلى المنطقة. إلا أن لبنى فوجئت بسرعة قدومه وفُجعت من انتقال المرض إلى تلك المنطقة لتكون بيت لحم أول مدينة تصاب بالشلل.
وتقول: “فوجِئنا وفُجعنا من انتقال المرض إلى مدينة بيت لحم وهي أول مدينة فلسطينية تصاب، ومنذ ذلك الوقت لم أخالط أحدا والتزمت المنزل ولا أسمح لأي شخص بزيارتي.”
وفي ذلك الأسبوع قررت المحافظة إغلاقَ جميع المساجد والكنائس والأديرة والمواقع الأثرية والمتنزهات وأي مكان قد يشهد تجمعا للناس، إضافة إلى المدارس والمؤسسات التعليمية.
كيف تقضين يومك في المنزل؟
فوجِئنا وفُجعنا من انتقال المرض إلى مدينة بيت لحم وهي أول مدينة فلسطينية تصاب — لبنى خروفة
البعض يلتزم المنزل بضع أيام فيشعر بالملل، أما البقاء نحو شهر فلا بد أن يكون ذو طابع مختلف. تقول لبنى: “بصراحة الأمر صعب جدا. وأنا سيّدة تعمل باستمرار وبلا انقطاع منذ سنوات، وفجأة يُطلب مني التزام المنزل.” وكشفت لبنى عن أنها في الأيام الأولى من الحجر كانت “محطمة نفسيا” وخاصة بسبب متابعة الأخبار وسير الفيروس ووفاة الآلاف. “شعرت أنني أتعرض لضغط نفسي وأصبح لدي هوس التغسيل والتطهير.”
ولكن بفضل التكنولوجيا استطاعت لبنى البقاء على تواصل مع الأسرة وخاصة زوجة أخيها المصابة، ومع والدتها في بيت لحم وابنتها التي تعيش في أوروبا وبقية أفراد الأسرة. وإلى جانب ذلك، لم تتخلَ لبنى عن مهنتها الأساسية، وهي الطهو.. ولكن كيف تواصل القيام بوظيفتها من المنزل؟
“إنني أتواصل مع العمل باستمرار، فأنا أعمل كشيف في القنصلية البريطانية في القدس، وأقدم لهم نصائح تغذية في هذه الظروف، وأرسل لهم وصفات طبخ ونصائح مأكولات لتقوية جهاز المناعة وقائمة بالمشتريات الضرورية.”
بحسب الشيف لبنى، فإن تناول البقوليات مهم جدا وعلى رأسها العدس على سبيل المثال، وإذا كانت الأسواق مفتوحة فمن الممكن إضافة مكملات غذائية على المائدة مثل السبانخ وغيرها من الخضروات. كما تنصح بتناول الكثير من الفاكهة والخضار لأنها مهمة جدا في الوقاية وتعزيز مناعة الجسم.
بيت لحم.. بيت الأشباح
وتصف لبنى المشهد في بيت لحم على أنه “محزن للغاية” ويشبه مدينة الأشباح، فقد اعتادت المدينة على الزوار لاسيّما أنها تضمّ كنيسة المهد. ومع قرب عيد الفصح المجيد فإن المدينة ستكون مقفرة إذ منع دخول السواح وتم إلغاء الحجوزات. تقول لبنى: “كانت بيت لحم تعجّ بالزوار والآن هي خالية. كثيرون من الناس خائفون، ونأمل ونتضرع إلى الله أن ينتهي هذا الكابوس.”
كانت بيت لحم تعجّ بالزوار والآن هي خالية. كثيرون من الناس خائفون، ونأمل ونتضرع إلى الله أن ينتهي هذا الكابوس — لبنى خروفة