حرب التجويع على اليمنيين..تورط أمريكي لا يستثني النظام السعودي.. والأمم المتحدة متهمة بالتواطئ
إبراهيم يحيى
فشلت أم أفشلت .. تظل النتيجة واحدة لأداء الأمم المتحدة ومبعوث أمينها العام إلى اليمن مارتن غريفيث، لا يزال الملف الاقتصادي سلاح حرب بيد تحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي على اليمن، رغم إعلان غريفيث لدى تسلمه مهامه خلفا للمبعوث الأممي الثاني إلى اليمن، بأن «استخدام مرتبات الموظفين وتدفق سفن الغذاء والوقود والمساعدات سلاح حرب، يجيب أن يتوقف».
عجزت الأمم المتحدة ومبعوثها عن تحريك الملف الاقتصادي، واتخذت موقف المتفرج على تفاقم تداعيات استخدام دول العدوان الاقتصاد سلاح حرب، وتصعيد حربها الاقتصادية على اليمن ومجاهرتها بأهداف أحكام الخناق على نحو 20 مليون يمني لكسر إرادتهم الوطنية الحرة وصمودهم، وإرغامهم على الرضوخ والاستسلام لأجندة دول العدوان.
قيادة أمريكية
بدأت دول تحالف العدوان حربها الاقتصادية منذ اللحظات الأولى لبدء عدوانها على اليمن فجر الـ 26 من مارس 2015م، بإعلانها حظرا بحريا وجويا وبريا على اليمن، وتقييد حركة السفن الواصلة إلى ميناء الحديدة وميناء عدن، وتهديدها بالقصف، قبل أن تحول حركة السفن إلى ميناء عدن بعد احتلالها المدينة ومينائها في يوليو 2015م.
لكن الحرب الاقتصادية أخذت منحى أكبر تصعيدا، بعدما عمدت أمريكا عقب إفشالها مفاوضات السلام المنعقدة في الكويت عام 2016، إلى إحكام خناق الحصار المفروض على اليمن بحرا وجوا وبرا، وتصعيد الحرب الاقتصادية للعدوان، بدءا بدعم نقل إدارة البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى عدن، ووقف صرف مرتبات الموظفين.
وفي العام 2007م أضيفت إلى هذه الأدوات «طبع ترليون و700 مليار من العملة اليمنية» من دون غطاء نقدي أجنبي، وإغراق السوق المحلية بـ (74%) فائض سيولة عن العرض النقدي، وتشجيع عمليات المضاربة بالعملة في سحب العملات الأجنبية وبخاصة الدولار والريال السعودي، في سياق تنفيذ تهديد مباشر للسفير الأمريكي.
كشف السفير الأميركي حينها، ماثيو تولر، عن قيادة بلاده حربا اقتصادية اشر، في سياق تهديده رئيس الوفد الوطني المفاوض، محمد عبدالسلام، على هامش مفاوضات الكويت، بأنه «في حال عدم الموافقة على شروط السعودية لوقف الحرب فإن طباعة العملة اليمنية ستصبح أغلى من قيمتها الشرائية»، وهو ما حدث فتراجعت قيمة الريال بين 70-100%.
لكن جهود وزارة المالية في حكومة الإنقاذ والبنك المركزي اليمني في العاصمة صنعاء في تنفيذ إجراءات رقابية على البنوك وشركات الصرافة وتحويل الأموال، وقرار حكومة الإنقاذ حظر التعامل بطبعات العملة غير القانونية، وإمهال حائزيها شهرا لاستبدالها بالعملة الوطنية المعتمدة، استطاعت كبح آثار هذا الإغراق النقدي، والمتواصل تصاعدها في المناطق الخاضعة لاحتلال العدوان.
وقف الرواتب
بالتزامن، استمرت حكومة مرتزقة الرياض ومن ورائها دول تحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي في تصعيد سلاح الإفقار والتجويع لليمنيين بإخضاعهم للعقاب الجماعي، والرهان عليه في كسر إرادة اليمنيين وصمودهم ودفعهم باتجاه ما سمته «ثورة جياع»، والضغط على المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ للاستسلام.
وبدأ هذا التوجه لتحالف العدوان جليا، من إعلان المستقيل والفار هادي في لقاء تلفزيوني معه على هامش مشاركته في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة بنيويورك، قال فيه: «تأخر قرار نقل البنك المركزي خطأ اعترف به». مردفا: «لو نقلنا البنك من البداية لأمكننا حسم الحرب في ستة أشهر فقط». مجاهرا باتخاذ الرواتب سلاح حرب.
توازى اتخاذ رواتب موظفي الدولة سلاحا للإخضاع مع إعدام العدوان فرص العمل، وتسبب وقف صرف رواتب موظفي الدولة منذ نقل البنك المركزي إلى عدن نهاية سبتمبر 2016م، في مضاعفة «الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم» وفق توصيف وتأكيد الأمم المتحدة»، وأدى إلى «الدفع بنحو 75% من اليمنيين إلى دائرة الفقر وافتقاد الغذاء اللازم للبقاء أحياء».
وظهر واضحا تواطؤ منظمات الأمم المتحدة، إذ تم وقف صرف المرتبات واستمر رغم التزام المستقيل والفار هادي أمام الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بـ «الاستمرار في دفع جميع التزامات الدولة المالية لقطاع الخدمات والمرتبات» إلا أنه لم يفق بتعاهده، ويواصل وقف رواتب نحو مليون موظف وموظفة من أصل 1.3 مليون يعيلون نحو 10 ملايين.
التخاذل الأممي تأكد، بنكوص المبعوث الأممي الثالث إلى اليمن، مارتن غريفيث، عن إعلانه فور مباشرة عمله، بأن «اتخاذ رواتب الموظفين وتدفق سفن الغذاء والوقود سلاح حرب يجب أن يتوقف». فلم يتوقف رغم التزام المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ بفتح حساب خاص للمرتبات وإيداع إيرادات موانئ الحديدة فيه، وفق اتفاق السويد، يرفض الطرف الأخر توريد فارق مبلغ الرواتب.
تجميد المساعدات
وبدلا من اضطلاع الأمم المتحدة بدورها في تحييد الاقتصاد عن الصراع، بدأت ترضخ لضغوط أمريكية باتجاه تجميد مساعدات الإغاثة، رغم إقرار الأمم المتحدة ومنظماتها بكارثية الوضع الإنساني في اليمن جراء الحرب وجمعها منح تمويل برامج إغاثة إنسانية، بلغت حتى 2018م نحو 15 مليار دولار، تؤكد وثائق الأممية نفسها أن «نحو 50% منها على الأقل أنفق على مصروفات إدارية».
تزامن هذا الهدر لأكثر من نصف أموال المانحين الدوليين لإغاثة اليمنيين، على رواتب بعثات الأمم المتحدة ونقل وشحن وتخزين المساعدات، مع «توزيع مليارات الدولارات على منظمات إقليمية ومحلية لا حضور فعلي لها في الميدان»، وتكرر وقائع «توريد منظمات الدولية مساعدات إغاثة غذائية ودوائية، مقاربة على انتهاء الصلاحية أو تالفة وغير صالحة للاستهلاك الآدمي».
وبعد احتجاجات سلطات المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ والجهات المختصة على وقائع توريد مساعدات غذائية ودوائية مقاربة على انتهاء الصلاحية أو تالفة وغير صالحة للاستهلاك الآدمي»، وعلى «ثبوت تورط موظفي المنظمات الدولية في ممارسة أعمال تصنف استخباراتية في جميع بيانات وتنفيذ مسوح ذات طابع يمس الأمن القومي»، تم التوصل لصرف المساعدات نقدا للمستفيدين.
وتوصلت هيئة إدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية قبل أن تدمج وقطاع التخطيط والتعاون الدولي في مجلس أعلى، إلى اتفاق مع برنامج الأغذية العالمي يسهل تدفق مساعدات الإغاثة الإنسانية وينظم آلية توزيعها على مستحقيها مباشرة وبشفافية، عبر صرفها نقدا، منعا لظروف التلف وسوء النقل والتخزين للأغذية، وفق تأكيد أمين عام المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية عبدالمحسن طاووس.
لكن مساعدات الإغاثة الإنسانية ورغم كونها «لا تمثل شيء ولا تصل إلا لأقل من 7 مليون مستفيد في الشمال والجنوب، ولا تغطي كل احتياجات المواطنين بل الأساسيات فقط»، حسب تأكيد طاووس، إلا أنها لم تنج من إدارة الحرب الاقتصادية لتحالف العدوان، وسرعان ما بدأ برنامج الأغذية العالمي يظهر تباطؤا في تنفيذ الاتفاق، بالتزامن مع ضغط أمريكي صريح لتجميد مساعدات الإغاثة.
معتبرا أن «إيقاف المساعدات من المنظمات الأممية هو ورقة ضغط يتغنى بها العدوان منذ العام الماضي، وهذا يثبت وحشية دول العدوان».
رضوخ أممي
ظهر التباطؤ غير المبرر من جانب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، في تنفيذ اتفاق صرف مساعدات الإغاثة الإنسانية نقدا للمستفيدين بعد تنفيذ مسوح بياناتهم وتطبيق نظام البصمة، وتنفيذ ورش عمل وتدريب للجنة المركزية المعنية بتسجيل المستفيدين والمسح البيومتري (البصمة)، رغم إشادة البرنامج مطلع الشهر بخطوات والتزام المجلس الأعلى لإدارة الشؤون الإنسانية.
جاء التباطؤ من جانب برنامج الأغذية العالمي، امتدادا لتهديدات أطلقها مسؤولون في الأمم المتحدة، بـ «تخفيض المساعدات الإغاثية إلى مناطق سلطة صنعاء (المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ)» وفقا لما نقلته وكالة رويترز مطلع فبراير الماضي. وهي المحافظات الأكثر كثافة سكانية ويتجاوز تعداد سكانها 20 مليون حسب أحدث إسقاطات مجلس السكان.
وعلل المسؤولون في الأمم المتحدة هذا التوجه حسبما نقلت وكالة الأنباء البريطانية «رويترز» عنهم بأن «المانحين والمنظمات الإنسانية لم يعد بإمكانهم ضمان وصول المساعدات لمن يستحقّها». مرجحين أن «يبدأ خفض المساعدات من الشهر المقبل، آذار/مارس». على الرغم من الاتفاق على استبدال آلية مساعدات الإغاثة الإنسانية من المساعدات العينية إلى مساعدات نقدية وفق نظام البصمة.
ضغوط أمريكية
فعليا، يأتي هذا النكوص والتباطؤ الأممي استجابة لضغوط أمريكية كشفت عنها وسائل إعلام دولية مطلع مارس الجاري، بإعلانه عن «زيارة وزير الخارجية الأمريكية، مايك بومبيو، إلى مقرّ الأمم المتحدة الجمعة للاجتماع مع الأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش، حيث سيثير معه مخاوف في شأن بطء الأمم المتحدة في عملية تجميد توصيل المساعدات».
ونقلت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية في نهاية الأسبوع الأول من مارس الجاري، عن مصادر دبلوماسية قولها أن «المتوقع أن ينفرد بومبيو بمنسق الإغاثة في الأمم المتحدة، مارك لوكوك، لحثّه على إتباع نهج أكثر صرامة، وتعليق المزيد من برامج الإغاثة في اليمن». معتبرة أن هذا التحرك الأمريكي «هدفه الضغط والمساومة» على صمود اليمنيين بوجه تحالف العدوان.
وفقا للمجلة الأمريكية، فإن «المساعي الأميركية إلى وقف المساعدات تغذّي الشكوك لدى المراقبين في أن موقف واشنطن المتشدّد قد يكون مدفوعاً بالرغبة في ممارسة الضغط الدبلوماسي على إيران وحلفائها في المنطقة، أكثر من القلق في شأن ما تدّعيه حول سوء سلوك حركة أنصار الله». لكن الواقع أنها حيلة العاجز، لجأت إليها واشنطن ودول العدوان عقب الهزائم العسكرية المتلاحقة.
ترجمة العجز
فعليا، كان السماح الأمريكي بتدفق المساعدات الإغاثة الإنسانية إلى اليمن نهاية 2018م، وإعلان الإدارة الأمريكية ما سمته «سياسة فصل المسارات»، في إشارة إلى فصل المسار الإنساني عن المسارين العسكري والسياسي، استجابة لضغوط شعبية وحقوقية وإنسانية معارضة لاستمرار الحرب على اليمن، عقب تصدر بشاعة جرائمها الإعلام الأمريكي على خلفية جريمة قتل خاشقجي، وحماية الرئيس ترامب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، المتهم الأول فيها.
لكن تراجع الإدارة الأمريكية عن هذا المبدأ، وتصعيد واشنطن لاستخدام الورقة الإنسانية والحرب الاقتصادية، جاء بعد تتابع انهيارات قوات تحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي في مديرية نهم بمحافظة صنعاء ومحافظتي الجوف ومارب، بجانب تصاعد مقدرات القوات المسلحة اليمنية في معركة الجو، دفاعا وتحييدا وهجوما. وهو ما يجسد وحشية قوى الهيمنة وتبعية الأمم المتحدة لها.