مشاهدات من الواقع .. نيران الغدر تصنع المآسي لأبناء محافظة الضالع
منذ خمس سنوات منصرمة، ورحى الحرب الشاملة الشعواء تدورفي مناطق عديدة من أراضي الجمهورية اليمنية، حرب ظالمة يمولها التحالف الذي أقحم البلد في صراع مأساوي مستخدمًا مرتزقته وأجندته في الداخل اليمني للحيلولة دون تحقيق الأمن والاستقرار.
وسط البلاد في محافطة الضالع وعلى امتداد خط التماس الحربي الواقع بين مديرية قعطبة ومنطقة مريس جنوبًا ومديرية دمت شمالًا تتعرض قرى عدة متناثرة حول المديريتين لنيران الحرب، هذه القرى مأهولة بكثافة سكانية كبيرة إثر عوامل بيئية متعلقة بخصوبة التربة ووفرة المياه، تعرضت كغيرها من مناطق ريفية يمنية للنزوح جراء وابل نيران المرتزقة العشوائية التي يطلقها المجند التابع للممول الخارجي ليمزق سيادة الوطن.
القرى الأكثر تضررًا التي ظلت ساحات للمعارك بين الجيش واللجان الشعبية ومرتزقة العدوان هي قرى ( رمه – المعصر – يعيس – بيت اليزيدي – العرفاف – نجد القرين – الحقب ) أضرار هذه القرى كبيرة على الصعيدين المادي والمعنوي فأعداد القتلى والجرحى على سبيل المثال في قرية “رمه” فقط تصل إلى 20 قتيل، وأكثر من ثلاثين جريح من المدنيين بينهم نساء وأطفال.
اضطر جل أهل القرى المتضررة للمغادرة، رغم تكاليف الباهضة للنزوح؛ علمًا بأن مصدر رزقهم في الغالب هو المزارع التي يعملون بها في قراهم، ومع النزوح فقدوا أسباب أرزاقهم.
وعلاة على هذا زادت درجات التأثر النفسي لديهم إثر خسارتهم مزارعهم وبيوتهم جراء استمرار الحرب وغياب مصدر الدخل الذي يأمن حياة كريمة.
أدوار المعنيين
بدوره العقيد سلطان فاضل – مدير عام مديرية دمت – نوه إلى أن السلطة المحلية تتحمل كل ما يترتب على النزوح ابتداء من العام 2014م من حصر وتنظيم واستقبال وتوزيع المساعدات من مواد إيوائية وغذائية ودواء ويتم التعامل مع النازحين بخصوصية حيث يعفون من رسوم المدارس والمعاهد الحكومية، استمر الوضع بهذه الوتيرة حتى تم إنشاء الهيئة الوطنية للشؤون الإنسانية في بداية العام المنصرم 2019م حيث نُقلت المهام المتعلقة بالنازحين إلى الهيئة لكن التعاون ظل مشتركًا بين السلطة المحلية والهيئة.
ويضيف فاضل: وصل اجمالي عدد النازحين خلال عام 2019 إلى مديرية دمت من باقي مديريات محافظة الضالع التي تشهد الصراع ومن محافظات أخرى كالحديدة وتعز إلى 11000 ألف نازح وصرف لهم 11000ألف سلة نزوح طارئة و 17000 ألف سلة إيوائية ويصرف لهم من برنامج الغذاء العالمي ممثل بجمعية التكافل سلة غذائية شهريًا من تأريخ النزوح. أما النزوح الأخير في منتصف عام 2019 حتى اللحظة من مناطق الصراع في قعطبة والفاخر فبلغ عدده 1606 نازح وتم استقبالهم ومنحهم كافة حقوقهم.
يكشف خالد العقالي – مدير عام النزوح في الجمهورية اليمنية – وفق الاحصائية التي أوردها المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي حتى نهاية نوفمبر من العام الفائت 2019 م أن عدد النازحين في الجمهورية اليمنية بلغ أربعة ملايين نازح من بينهم 3 آلاف و 504 أسرة تضم 24 ألفًا و 528 فردًا في محافظة الضالع.
فقدان ونزوح
يقول الشاب عبدالله اليعيسي أحد سكان قرية يعيس الواقعة على خط النار الأول: فقدت أبي بالنيران الطائشة للحرب فاضطررت إلى النزوح صوب مدينة دمت بجزء من العائلة والجزء الثاني نزح إلى منطقة مريس كما نزح كل سكان القرية فقد أصبحت قرية أشباح تمطر سمائها رصاصًا.
ويضيف: دُمرت بيوتًا كثيرة في القرية بفعل الاستهداف العشوائي بالسلاح الثقيل من قبل ما أسماهم بالمقاومة الشعبية ومن قبل غارات تحالف العدوان أيضًا. وتحدث عن المعاناة المعيشية التي ترافقهم في أماكن نزوحهم والضائقات المالية التي يتعرضون لها بعد أن فقدوا مصدرهم الوحيد في الدخل من خلال مزارع القات التي باتت مساحة خطرة تدار بها المعارك. نوه كذلك إلى عدم عدالة من يعملون في توزيع الإغاثات للنازحين وتحدث عن المجاملات وانتقائهم للبعض في تسليم المساعدات كل شهر بينما يقصرون بحق آخرين حسب قوله.
نيراننا مضبوطة ونيران العدو هي من تقتل الأبرياء
نيراننا مصوبة باتجاه العدو بدقة وإحكام، فضربنا المركز مسؤولية جهادية ولا نتهاون إطلاقًا في قذف رصاصاتنا في صدور الأبرياء فنحن لا نعبث ونلهو بل نستأصل عدوًا هو أجدر بأن يتلقى التنكيل حتى يعود إلى رشده ويترك الاسترزاق على حساب دم أخوه اليمني وسيادة التراب الوطني، يقول عبدالطيف الشامي – مجاهد وأحد قادة جبهة الضالع.
ويبين الشامي بثقة: معظم من يقتل من المدنيين والمواطنين العزل الذين لا علاقة لهم بالحرب إما بغارات طيران العدو أو بنيران المرتزقة التي لا تفرق. يقول: نيرانهم في خطوط التماس تفتك بالمارة والمزارعين وهم السبب في نزوح المواطنين من قراهم وبإمكانكم مشاهدة الفيديوهات التي عبر بها الناس عن فرحتهم حالما تقدمت قوات الجيش واللجان ودحرت المرتزقة من قرى الحقب وبيت اليزيدي. في حديثه عن أخلاق العدو قال: يقطعون الطرق وينكلون بالناس وينهبون المزراع وأهل المنطقة يعلمون بتصرفاتهم حيث كانوا قد عبروا عن بهجتهم خلال عمليات التحرير وطرد المرتزقة وما زلنا في الطريق حتى تتحرر البلاد كلها من العملاء وباعة الوطن بمال بخس قليل.
نهب واستباحة
أما جبريل اليزيدي أحد سكان قرية بيت اليزيدي فيصف معاناة نزوح أسرته حين تقدمت قوات المرتزقة صوب القرية وقد تم لاحقًا تحرير كافة قرى مديرية دمت فيقول: تقسم نزوح أسرتي إلى ثلاثة أماكن هي منطقة مريس ومدينة عدن ومدينة صنعاء ولحظة النزوح كانت مفاجئة ولم نقدر على حمل أي أغراضنا حيث خرجنا لا نحمل سوى أرواحنا وتركنا مصدر رزقنا الوحيد في مزارع القات، كانت المزارع مثمرة بما يعادل خمسة ملايين ريال يمني وقد تم السطو عليها من قبل عناصر ما أسماهم بالمقاومة وتعرضت للهلاك بسبب عدم ريها.
يشكو جبريل مضيفًا: نعتمد كليًا في تسيير شؤون حياتنا على مزارع القات وقد عانينا كثيرًا أيام النزوح وحين عدنا وقت سيطرة قوات الجيش واللجان الشعبية على المنطقة فوجئنا بأن أدواتنا المنزلية قد نهبت وتم إتلاف وتدمير بعضها من قبل أولئك المخربين الذي لا مشروع لديهم سوى العبث، لقد أفسدوا كل شيء لكننا ولو بصعوبة أصحلنا ما أفسدوا وقد عادت الحياة لطبيعتها.
غياب الضمير تجاه الإنسان المنكوب
من جهته أمين الشامي – عامل وباحث في المجال الإنساني والإغاثي – يفترض أن نعتبر من الأحداث المأساوية التي تحصل للنازحين ونفكر جديًا بالحديث عن السلام من خلال مفاوضات يمنية يمنية بين طرفي الصراع وألا نراهن على المشاريع الخارجية الهدامة فهو يرى أن تشرد الإنسان اليمني أمر يبعث الحزن وحالة تستجدي البكاء والتحسر الشديدين على هذا المآل المؤلم حد تعبيره.
وأضاف أمين: وعن عمل بعض المظمات المحلية التي توزع المواد الإغاثية هناك تصرفات غير مسؤولة تذل النازح وتهمش وتقصي البعض. الفساد موجود في التوزيع والمحسوبية موجودة حتى في ظل الظروف الإنسانية الصعبة وتوزيع المساعدات وهناك أسر فقيرة جدًا لا يصلها شيء وإن وصل يصل أقل مما هو مفترض بينما يستحوذ على المساعدات في الغالب من لا يستحقها.