تهجير الشماليين.. هل هو تمهيد لفصل الجنوب عن اليمن؟
تواصل ما تسمى “قوات الحزام الأمني” المدعومة من الامارات ترحيل اليمنيين من أصل شمالي من مدن الجنوب لليوم الخامس على التوالي.
وأظهرت مشاهد قيام مرتزقة الإمارات بعمليات ترحيل قسرية لأبناء المحافظات الشمالية من عدن، واقتحام منازلهم ونهب ممتلكاتهم، ومنعهم من دخولها، بمن فيهم المضطرون للسفر عبر مطار عدن، المطار الوحيد العامل في البلاد.
وتوالت ردود الفعل الغاضبة من مختلف أطياف الشعب اليمني ومكوناته على جريمة التهجير بحق أبناء المحافظات الشمالية من الجنوب اليمني المحتل وسط رعاية وصمت متعمد من تحالف العدوان السعودي.
حملة التعدي والترحيل هذه استهدفت، إلى الآن، العشرات من العمال وأصحاب المصالح، فيما لم تستثن النازحين الذين أمهلوا 48 ساعة لمغادرة المدينة.
وفرضت ميليشيات “الحزام الأمني” هذا “العقاب الجماعي” على أبناء المحافظات الشمالية الموجودين في المدينة، عقب العملية العسكرية المزدوجة التي نفذها سلاح الجو المسير والقوة الصاروخية في الجيش اليمني واللجان الشعبية ضد عرض عسكري في معسكر الجلاء، والتي أدت إلى مقتل قائد “اللواء أول – إسناد” في “الحزام”، منير الماوري، والمعروف بـ”أبو اليمامة”، أحد الأذرع الضاربة لأبو ظبي، إلى جانب أكثر من 35 آخرين.
سريعا، استغل “المجلس الانتقالي الجنوبي”، المحسوب على الإمارات، العملية، متخذا منها ذريعة لاستهداف المواطنين المتحدرين من المحافظات الشمالية بتهم مختلفة، من بينها تقديم معلومات للجيش واللجان.
ومنذ الخميس الماضي، شنت الميليشيات حملة اعتقالات واسعة في عدن طاولت المئات من العمال والمهنيين من أبناء الشمال، فيما تعرضت عشرات المنازل التابعة لمواطنين من صنعاء وتعز وذمار والحديدة للاقتحام والتفتيش في مناطق متعددة من المدينة. كما منعت حركة المرور في المنافذ التي تربط المحافظات الشمالية بالجنوبية والواقعة في محافظتي الضالع ولحج، وحظر دخول المئات من المواطنين عبرها إلى عدن.
تلك الممارسات أدت إلى توقف حركة الإمدادات التجارية من ميناء عدن إلى المحافظات الشمالية، وتسببت بانخفاض الطلب على تذاكر الطيران في صنعاء والمحافظات الأخرى بنسبة 60%، بعدما أجبرت الميليشيات العشرات من المسافرين عبر مطار عدن على العودة، ولم تراع الوضع الإنساني للمرضى من النساء وكبار السن، الذين كانوا في طريقهم إلى تلقي العلاج في الخارج.
كذلك، أقدمت الميليشيات، خلال الأيام الماضية، على مداهمة عدد كبير من منازل النازحين من أبناء الحديدة وتعز في مديريتي البريقة والممدارة، وأمهلتهم 48 ساعة للرحيل. كما أطلقت النار عشوائيا على الباعة في السوق المركزي في البريقة، ورحلت الكثيرين منهم، فيما شهد سوق المنصورة حرقا لبسطات أبناء الشمال، الذين رحل عدد كبير منهم، هم أيضا، عبر شاحنات النقل.
وتركزت حملات الترحيل القسري، في مديريات المنصورة والشيخ عثمان ودار سعد وخور مكسر شمالي عدن، في حين طاولت انتهاكات محدودة الباعة والتجار في التواهي والمديريات الأخرى، بحسب جريدة “الاخبار”.
وأستهدفت حملات الترحيل رجال أعمال وتجارا وأصحاب محال تجارية وعاملين في مجال الصرافة وعاملين في مجال البناء وطلاب جامعات وموظفين حكوميين، وتعرضت مصالح العشرات من أصحاب المحال للنهب والمصادرة، بينما أغلقت أخرى ورحل أصحابها إلى مناطقهم الأصلية.
هذه الهجمة المناطقية ليست هي الأولى من نوعها في عدن خلال السنوات الماضية، بل هي تأتي في سياق مسلسل الانتهاكات التي تمارسها الميليشيات ضد أبناء المحافظات الشمالية في الجنوب عموما، لكنها خلال الأيام الخمسة الماضية كانت أشد قسوة من سابقاتها، وقد دانتها الكثير من القوى الجنوبية، ودعت إلى وقفها حفاظا على السلم الأهلي، رافضة التذرع في تبريرها بمقتل عدد من القيادات الجنوبية في عملية الخميس الماضي، ومعتبرة أنها تهدف إلى تعميق الكراهية، وتفكيك النسيج الاجتماعي اليمني، وزيادة الشحن المناطقي والعنصري.
وفي موقف مغاير، بارك نائب رئيس “المجلس الانتقالي”، هاني بن بريك، تلك الانتهاكات، مبررا إياها بـ”فداحة الخسارة” في عملية معسكر الجلاء، متهما المواطنين البسطاء بالعمل كخلايا استخبارية لمصلحة حركة انصار الله. أما حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، فقد التزمت الصمت يومي الخميس والجمعة، لتعود وتصدر بيانا باهتا السبت، كشف عجزها عن حماية مواطنيها في عدن، التي أعلنتها قبل أربع سنوات “عاصمة مؤقتة”.
في المقابل، وفي أول رد فعل من صنعاء على ما شهدته عدن، رأى عضو المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، في تغريدة على تويتر مساء الجمعة، أن الترحيل المناطقي والسلب والنهب لأبناء المحافظات في عدن هو المشروع الحقيقي لدول العدوان”، موجها حكومة الإنقاذ بتشكيل لجنة لاستقبال شكاوى المهجرين من عدن ومتابعة حقوقهم وإعانتهم.
وخاطب الحوثي “عقلاء الجنوب” بالدعوة إلى التدخل لوقف تلك الجرائم، مؤكدا أن “التحالف وميليشياته قبل اعتدائهم العنصري على أبناء المحافظات الشمالية، كانوا ولا يزالون ينكلون بأبناء المحافظات الجنوبية”.
قائد حركة انصار الله السيد عبد الملك الحوثي وفي كلمته مساء أمس الاحد بمناسبة اختتام المراكز الصيفية، قال إن “ما حصل من ممارسات في عدن تجاه بعض أبناء المحافظات الشمالية وبعض المحافظات، هذا هو يكشف حقيقة المشاريع الأجنبية في بلدنا، هي مشاريع تجزئة وتفكيك وبعثرة وتقسيم واحتلال”.
واضاف السيد الحوثي: “هي مشاريع تهدف إلى إنشاء حالة من العداوة والبغضاء بين أبناء شعبنا تحت كل العناوين: تحت العناوين المذهبية، تحت العناوين المناطقية، تحت العناوين العنصرية.. تحت كل العناوين، ولماذا؟ هل لمصلحة هذا الشعب؟ لا، ليس لمصلحة أي أحد في هذا البلد؛ لأن مصلحتنا جميعا في هذا البلد كشعب يمني هي في اخوتنا، هي في تعاوننا، هي في السلام والأمن والاستقرار، هي في العيش بتآخ، بسلام، بود…”.
وتابع: “هو يكشف ما يريده المحتل الأجنبي، والعدو الأجنبي، والمعتدي الأجنبي من تجزئه لأبناء هذا البلد؛ لتسهيل السيطرة عليهم، لتسهيل السيطرة عليهم، يخلق عندك نوعا من الحساسية المفرطة تجاه أخيك، ثم يستعمرك هو ويستعبدك هو، فيأتي البعض- في الوقت الذي يصبح فيه كارها أشد الكراهية لكل أبناء شعبه اليمني- يمجد الإماراتي ويعظم الإماراتي، وهذا شوهد حتى في بعض مشاهد الفيديو، البعض بات يمجد الإماراتي الذي أتى ليحتل بلده، وليسيطرعليه تحت الإدارة الأمريكية والإشراف الأمريكي والبريطاني؛ فيما هو بات يكره أبناء شعبه، يسيء إليهم، ويعاديهم، ويعتدي عليهم”.
من جهته، رأى الناطق باسم حركة انصار الله، رئيس وفدها التفاوضي محمد عبد السلام، في تغريدة أمس، أن “ما تشهده عدن (…) ليس عفويا، وإنما له علاقة بأجندة تقسيمية”، محملا القوى المرتبطة بالعدوان “كامل المسؤولية جراء تعريضها السلم الأهلي للخطر”.
وأعرب محافظ عدن طارق سلام، بدوره، عن اعتقاده بأن “ما يجري في عدن مخطط يعمل المحتل على تنفيذه على حساب اليمن ووحدته والسلام الأهلي”، مضيفا في حديث إلى جريدة “الأخبار” إن “الإمارات تسعى إلى توسيع نطاق الاختلافات والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وزرع ثقافة العنصرية المقيتة التي هي أساس دمار الشعوب وتشظيها”.
فيما قال عضو المجلس السياسي الاعلى اليمني أحمد غالب الرهوي، في حوار مع قناة العالم، إن الاحداث التي تشهدها عدن وبعض المحافظات الجنوبية في اليمن هي نتاج طبيعي لممارسات وأهداف المحتل الإماراتي السعودي حيث بدأ من أول وهلة في ضرب منظومة القيم الأخلاقية والقبلية والعلاقات الإجتماعية والوطنية في هذه المناطق.
وأضاف “أنهم بدأو بالتفكيك وبالصراع المناطقي بين أبناء الوطن الواحد واستمروا في هذه المنهجية في مسألة الاغتيالات والسجون السرية وكل الاعمال التي لاتمت بصلة الى الشعب اليمني ولا على ثقافة والعلاقات الاجتماعية وبالتالي هم ضربوا في شبكة العلاقات الاجتماعية ومنظومة القيم الاجتماعية كي يتسنى لهم ديمومة الصراع والتناحر الداخلي وتجزئة الاطراف ثم بترها على طريق التفكيك والتقسي”.
وأوضح القيادي الجنوبي أن هذا من ضمن المخطط الأميريكي الصهيوني لتكون الغدة السرطانية المسماة بـ “إسرائيل” هي المتوفقة في هذه المنطقة.
ومع استمرار موجة الترحيل القسري من عدن، وفشل حكومة هادي في وقفها، تتصاعد المطالبات للأمم المتحدة بفتح مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات المدنية، وإعادة النظر في قرار نقل البنك المركزي إلى عدن، وفتح مطار المخا، ووقف احتجاز السفن الواصلة إلى ميناء الحديدة. ووفقا للمعطيات، فإن 70% من الانتهاكات التي تعرض لها المسافرون من أبناء الشمال في عدن كان سببها إغلاق مطار صنعاء.
فما هو الهدف من وراء هذه الافعال؟ وكيف يستطيع اليمنيون مواجهة التغيير الديموغرافي والخطط الرامية الى تجزئة وتقسيم البلاد؟