السعودية أصبحت دولة بلا أصدقاء

في الأسبوع الماضي، أصدرت خبيرة من الأمم المتحدة تقريرا يدعو إلى إجراء تحقيق في دور ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، في اغتيال الصحفي “جمال خاشقجي”.

 

وفي اليوم التالي، صوت مجلس الشيوخ الأمريكي على منع مبيعات أسلحة تقدر بمليارات الدولارات، في أحدث حلقة من سلسلة جهود الكونغرس لوقف الدعم الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن.

وفي لندن، في نفس اليوم، قضت محكمة بأن بريطانيا تصرفت بشكل غير قانوني حين وافقت على تصدير الأسلحة إلى المملكة.

وكان هذا بمثابة توبيخ كبير للسعودية.. وتمتعت المملكة بحماية قوى “الناتو” طوال ما يقارب القرن منذ تأسيسها. لكن العلاقات الأنجلو أمريكية مع أسرة “آل سعود” قد تدخل الآن في عاصفة وربما تصبح غير قابلة للاستمرار من الناحية السياسية، تماما مثلما بدأ منطقها الاستراتيجي الأساسي في التراجع.

نهاية الدعم

لكن كيف وصل الأمر إلى هذه المرحلة؟ حسنا، أسهم حدثان معا في تقويض سمعة السعودية بشكل عميق، ومعه تقويض الدعم الغربي الذي تعتمد عليه.

كان الحدث الأول هو الحرب الكارثية في اليمن. والحقائق حول تلك الحرب معروفة جيدا ولا تحتاج للتكرار. فقد تأكدت مسؤولية التحالف الذي تقوده السعودية عن الجزء الأكبر من عشرات الآلاف من القتلى في الحرب، وتورط التحالف في استهداف “واسع النطاق ومنهجي” للمدنيين، وفقا لخبراء رفعوا تقاريرهم إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

ويعد حصار التحالف لليمن السبب الرئيسي لما يعتبر اليوم أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث يُعتقد أن 85 ألف طفل رضيع ماتوا بسبب الجوع منذ عام 2015.

وكانت واشنطن ولندن داعمتين لهذه المجزرة، حيث قدمتا مساعدة حيوية لم تكن حملة القصف التي تقودها السعودية لتنجح من دونها. ومع تزايد “جوقة الإدانة”، أصبح الدفاع عن إمدادات الأسلحة، التي كانت دائما سمة أساسية في علاقات الغرب بالرياض، مهمة شبه مستحيلة.

والحدث الرئيسي الآخر هو القتل المروع للصحفي “جمال خاشقجي”، الذي يُعتقد على نطاق واسع أن ولي العهد السعودي هو من أمر به. وفي الأشهر التي سبقت القتل، كان “بن سلمان” منشغلا بتقديم نفسه على أنه “مصلح مستنير”، وهي صورة، رغم أنها لم تكن معقولة، أسعدت الكثيرين في واشنطن ولندن وروجوا لها.

وتركت جريمة القتل في إسطنبول، إلى جانب حملة القمع المكثفة على المعارضة في المملكة، الرواية “الإصلاحية” السعودية في حالة يرثى لها، وأصبح ولي العهد رمزا للقسوة وعدم النضج وسوء الحكم والتهور.

وفي الولايات المتحدة، تتزايد معارضة الكونغرس للتحالف مع السعودية. وأخذت هذه المعارضة مسارين، شمل الأول ديمقراطيين وبعض الجمهوريين، وهؤلاء ملتزمون بالعلاقة الأساسية مع السعودية لكنهم قلقون من أن سوء إدارتها من قبل الرئيس “ترامب” و”بن سلمان” يجعل من الصعب الحفاظ عليها سياسيا. وهم يريدون حل مصادر الأزمة الحالية، وليس تركها تتفاقم، مما يعني تسوية سريعة للحرب اليمنية ومحاسبة مرضية عن مقتل “خاشقجي”.

أما المسار الثاني فيمثله معسكر اليسار الناشئ داخل الحزب الديمقراطي أمثال السيناتور “بيرني ساندرز” والنائبة “إلهان عمر”، ويعبر عن مخاوف أكثر جوهرية حول الدعم الأمريكي للمملكة.

وهدف هذا المعسكر هو تغيير جوهري في السياسة، وليس الحفاظ على العلاقة الأساسية. وعندما يظهر جيل أصغر وأكثر تنوعا من الناخبين لتحدي السياسة التقليدية، لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال.

علاقات في مهب الريح

ومع تحول الأمور ضد المملكة في واشنطن، اضطرت إدارة “ترامب” إلى الاعتماد على أوامر تنفيذية للتغلب على العقبات المطروحة أمام مواصلة التعاون مع السعودية، وبهذا يبدو الدعم الشامل للمملكة في واشنطن مستمر حتى الآن، لكن هذا لا يمكن اعتباره أمرا مفروغا منه.

وإذا أصبح العالم جادا أخيرا في معالجة طوارئ المناخية، فسوف يتم تقليص الاعتماد على النفط بشكل كبير، ما يعني أن المملكة سوف تفقد مصدر دخلها الأساسي.

وطالما بقي النفط شريان الحياة للاقتصاد العالمي، سوف تظل السيطرة الاستراتيجية على الاحتياطيات الرئيسية في الدول الخليجية مصدرا رئيسيا للقوة في النظام العالمي حيث تعد الثروة التي تولدها مبيعات النفط رافدا للاستثمارات وصفقات السلاح.

ولكن إذا ما تم العمل على إزالة الكربون من العالم، فلن يبقى للدعم المستمر لدولة استبدادية أهمية تستحق المخاطرة السياسية في واشنطن. وكما هو الحال مع الكثير من الأشياء الأخرى، قد يؤدي تغير المناخ إلى قلب السياسة الخارجية.

وتتكشف ديناميات مماثلة في بريطانيا الحليف الغربي الرئيسي للرياض. ولم يمنع الحكم الصادر عن المحكمة الأسبوع الماضي جميع عمليات نقل الأسلحة، وسوف يتم الاستئناف عليه من قبل الحكومة، لكنه أعاق هذه الصادرات بشكل ملموس في الوقت الحالي، وهو أمر مهم بالنظر إلى أهمية الطائرات والذخائر البريطانية في حملة القصف التي تقوم بها قوات التحالف، ومركزية مبيعات الأسلحة في العلاقات البريطانية السعودية.

والأهم من ذلك، أن حزب العمل البريطاني يمر بعملية تغيير مؤلمة ومحددة. وتنتقد قيادة الحزب باستمرار سجل حقوق الإنسان للنظام السعودي وسلوكه في اليمن، على عكس المشرعين العماليين المؤيدين للسعودية. وتلتزم هذه القيادة المدعومة بعضوية حزبية موسعة، باتجاه جديد في السياسة الخارجية البريطانية.

وكانت الروابط الاستراتيجية بين القوى الغربية وأسرة “آل سعود” قد نجت من العديد من الأزمات على مر السنين، ونحن نعرف أنها قد تبقى على قيد الحياة لقرن ثانٍ، لكن التهديدات الوجودية لهذه العلاقات واضحة الآن.

وكانت الجهود السعودية الأخيرة للبقاء على مقربة من البيت الأبيض برئاسة “ترامب” ناجحة بلا شك. ومع ذلك، قد تندم المملكة على المراهنة بكل شيء على رئاسة تبدو أكثر تمثيلا للجوانب الأقبح من ماضي أمريكا بدلا من مستقبلها. وفي الأعوام المقبلة، يخاطر النظام السعودي بأن يجد نفسه ينفد من المال ومن الأصدقاء ومن الوقت.

قد يعجبك ايضا