مشروع السائلة يجفف حوض صنعاء ويضاعف معاناة المزارعين
في الوقت الذي ينظر الكثير من الناس لمشروع السائلة كمشروع عملاق وتحفة هندسية ومعمارية رائعة وتعتبره الحكومات المتعاقبة أبرز وأهم انجازاتها في العاصمة صنعاء، تثبت الأيام أن هذا الإنجاز الذي بدأ صغيرا ومحدودا لحماية مدينة صنعاء القديمة واتسع ليمتد من جنوب العاصمة إلى ما بعد المطار شمالا، لا يخلو من الأخطاء، هذا إن لم نقل أنه يمثل خطأ فادحا.
ويتمثل هذا الخطأ في أن المهندسين والقائمين على تنفيذ المشروع وللأسف لم يراعوا ولم يدركوا ما تمثله السيول من قيمة للأراضي الزراعية وفوائدها الكبيرة في تغذية المياه الجوفية وحوض صنعاء المائي بشكل عام، وتوقف فهمهم وتركيزهم عند وضع الدراسات الخاصة بالمشروع في حدود ضيقة تمت ترجمتها في بناء مصرف مائي للتخلص من مياه السيول واستخدام هذا المصرف كشارع يحل مشكلة الازدحام المروري الذي تعاني منه شوارع العاصمة صنعاء، وهو ما يبدو عليه الأمر ويتجلى بوضوح إذا ما نظرنا وتأملنا مشروع السائلة العظيم الذي تم تشييده ليكون سورا وحاجزا يمنع الأرض من ملامسة الماء.
المزارعون ومشروع السائلة
يشكو الكثير من المزارعين من الآثار السلبية التي نجمت عن مشروع السائلة والذي تحول بالنسبة لهم إلى كارثة حرمت مزارعهم من مياه السيول التي كانت تغمر الاراضي الزراعية في مواسم الأمطار، وللتعرف على حجم المعاناة التي يعانونها التقينا مجموعة من المزارعين على ضفتي السائلة في منطقة الجراف شمال العاصمة صنعاء والذين تم تجاهلهم ولم ينظر إلى ما قد يسببه المشروع من معاناه لهم.
الحاج علي محسن الأوزري أحد المزارعين وأحد أعيان منطقة الجراف الشرقي تحدث عن مشروع السائلة وما خلفه من آثار سلبية ومعاناة للمزارعين واصفا المشروع بأنه جزء من مؤامرة تستهدف الزراعة في اليمن.
يقول الحاج علي: “هناك مؤامرة تقف وراء هذا المشروع تستهدف الزراعة وحرمان المزارعين من مياه الأمطار التي يعتمدون عليها في الزراعة وإنتاج المحاصيل التي يحتاجون إليها، وقد استغلوا حاجة الحكومة لحل بعض المشاكل لتمرير وتنفيذ هذا المخطط”.
صائدو السيول.. صورة من المعاناة
ويتابع الحاج علي: ” الدول التي تصدر القمح والحبوب والمواد الغذائية لا تريد أن تستمر الزراعة في اليمن لكي نظل نستورد منها ونعتمد عليها فيما نأكله، ولذلك قامت بالتخطيط لهذه المشاريع ودفعت التكاليف ومولت مشروع السائلة الذي نعاني منه اليوم كمزارعين.
ويضيف الحاج علي: “منذ أن خلق الله الأرض والسيول تصب من الجبال المحيطة بصنعاء وتسير في قاع صنعاء وترتوي بها الأراضي وتتغذى بها الآبار، وكانت السيول تسير ببطء ولا تصل إلى الجراف والروضة إلا اليوم الثاني وخلال مدة جريانه تتغذى الأرض وترتوي المزارع، أما اليوم وبعد أن تم تنفيذ هذا المشروع فإن السيول تسير بسرعة كبيرة دون أن نستفيد منها”.
هذا الرغيف من هذه الأرض
ويتحدث الحاج علي الأوزري عن حجم الأضرار التي لحقت بالمزارعين قائلا: “قبل سنوات وفي الوقت الذي كانت المحاصيل في الحقول في هذا المنطقة على وشك الحصاد، تفاجئنا بأمانة العاصمة تأتي بالشيولات والمعدات الثقيلة الخاصة بالعمل وتبدأ بشق السائلة”.
وأضاف: “حاولنا حماية المحاصيل وطلبنا منهم إيقاف العمل وتأجيله إلى بعد الحصاد لكنهم رفضوا وأصروا على البدء بالعمل وقالوا سنعوضكم وندفع لكم مبالغ مالية ثمنا للمحاصيل التي سيتم اقتلاعها وبواقع ثلاثة آلف ريال كقيمة للمحاصيل في كل لبنة، أما الأراضي التي تم استغلالها للمشروع فقد تمت مصادرتها والاستيلاء عليها دون أي تعويض”.
معاناة المزارعين
أحد المزارعين يستخدم آلات الشفط لري مزرعته
كما تحدث عن معاناة المزارعين فقال: “اليوم وبعد أن تم تنفيذ المشروع أصبحت السائلة عميقة مما أدى إلى حرمان مزارعنا من السيول ونضطر لاستخدام المواطير لشفط المياه وسقي مزارعنا، وهذا العمل مجهد ويكلفنا الكثير من الأموال نتيجة لإرتفاع أسعار البترول”.
وأكد الحاج علي أن تكلفة شفط المياه لسقي مزرعته أثناء تدفق السيول تصل إلى أربعين ألف ريال في كل مرة.
تمويل المشروع
أدهشني الحاج علي واستغربت من بعض ما يطرحه في حديثه وعمق رؤيته للأهداف التي تقف وراء مشروع السائلة، لكن دهشتي زالت عندما وجدت الحاج علي يستدل في حديثه بآيات من القرآن الكريم وعلمت وقتها أن هذا المزارع البسيط يحفظ القرآن عن ظهر قلب، ويلم بالكثير مما يدور على الساحة وما تشهده اليمن من أحداث منذ عقود.
كلام الحاج علي دفعني للمزيد من البحث وستصابون بالدهشة عندما تعلمون أن الحكومة الأمريكية المعروف عنها عدم تقديم مساعدات في مجالات التنمية، هي من تبرعت وتكفلت بتمويل المرحلة الثانية من مشروع السائلة.
مستنقعات العاصمة
واحدة من الحفر بالقرب من الكلية الحربية شمال العاصمة.. مرت السيول ولم تصل إليها
أدركت أمانة العاصمة حجم الأخطاء الفادحة والأضرار البيئية التي نجمت عن مشروع السائلة وفي محاولة بائسة لمعالجة الأمر قامت بصنع عدة حفر كبيرة أو بالأصح مستنقعات في أكثر من مكان، واحدة منها عند جسر الرئاسة جنوب العاصمة والاخرى بالقرب من الكلية الحربية شمالا، لاصطياد القليل من مياه السيول، واعتقدت أنها ومن خلال الحفرتين ستغذي المياه الجوفية في حوض صنعاء وتعيد للأرض ما حرمها منه مشروع السائلة، لكن ورغم إدراك أمانة العاصمة لحجم الخطأ الذي اقترفته وحجم الأضرار التي خلفها المشروع في المرحلة الأولى إلا انها لم تعمل على تلافي الأخطاء ومعالجتها عند تنفيذ المرحلة الثانية والثالثة وظلت تتعامل مع المشروع كمصرف مائي وطريق لمرور السيارات.