الإنجيليّون الأميركيون يمنعون وقف الحرب على اليمن!
د. وفيق إبراهيم*
* كاتب لبناني
الإنجيليّون لا يتحرّكون بأبعاد طائفية مجرّدة، فهم بالتأسيس محصلةُ تقاطعات مبالَغٍ بها مع اليهودية، لكنهم أصبحوا قُــــوَّةً دينية سياسية اقتصادية انطلاقاً من الولايات المتحدة الأميركية إلى العالم، تتبنّى مصالحَ إسرائيل، تأريخياً وأطماعاً ويعبّر عنها حالياً الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبالاستتباع آل سعود.
ضمن هذه المعادلة تندرجُ الحربُ على اليمن التي بدأت في 2014 وأصبحت حرباً أميركيةً سعودية في 2015 وقتلت عشراتَ آلاف اليمنيين المدنيين من الأطفال والنساء والعجائز مع نزوح نحو 3.3 ملايين نسمة والتسبّب بتجويع 24 مليون مواطن يمني.
ولولا تمكُّنُ أنصار الله والمؤتمر الشعبي والجيش من منع إسقاط كامل اليمن لكان اليوم مستعمرة أميركية سعودية تؤدّي سياسات موالية بشكل كامل لـ “إسرائيل” ومشاريعها في البحر الأحمر والقرن الأفريقي والخليج.
إنما من أين هي العلاقة بين الإنجيليّين والأميركيين؟
تؤكّـــــدُ تقاريرُ الإعلام الأميركي أنّ أصحاب المصلحة في الحرب على اليمن هم الأميركيون والسعوديون والإسرائيليون والإماراتيون الذين يجمعون بين تلبية أوامر أميركية ومصالح اقتصادية وسياحية خَـاصَّــة بهم.
إلا أنّ صاحب الإمرة هنا هو الأميركي الذي يسيطرُ على الجانب العربي العدواني ويستعمله موهِماً إياه بوجود مصالحَ سعودية في الموضوع، إسرائيل بمفردها تختبئ خلف الأميركيين وتُخبر السعودية بوسائلها أنّ يمناً متحرّراً يعني إسقاط حكم آل سعود.
كما وتعملُ من جهة ثانية على إقناع الأميركيين بخطورة تفلّت اليمن من محور الاستتباع السعودي، للأهميات الجيوالاستراتيجية التي يتمتع بها وتجعل منه جزءاً أساسياً من الجيوبوليتيك الأميركي الذي يعني انتشارَ نفوذه في مختلف زوايا الأرض وربما السماء بأبراجها العميقة.
كيف تقنع إسرائيلُ البيتَ الأبيض بتبنّي سياساتها؟
لديها وسيلتان:
– اللوبيات اليهودية في أميركا بما تعنيه من سيطرة على مصارفَ ووسائل إعلام ورؤوس أموال وناخبين.
– الكنيسةُ الإنجيليّة التي تسيطر عملياً على الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومصالحه الرئاسية.
يبدو أنّ اللوبيات الأميركية دخلت في طور الاستنزاف، وقسمٌ منها لم يعد يؤدّي سياساتِ ترامب نتنياهو؛ لأَنَّها كما يرى لا تؤدّي إلى حلٍّ نهائي للصراع العربي الإسرائيلي بقدر ما تؤسّسُ لنزاعات جديدة أكثرَ عمقاً عند أيّ تبدّل في موازنات القوى الدولية لصالح العرب.
هذا ما دفع بنتنياهو إلى استعمال التقاطعات الدينية العميقة بين اليهود والإنجيليّين للإمساك بالسياسات العربية والشرق أوسطية لترامب.
ومن هذه التقاطعات إصرارُ الإنجيليّين وعلى عكس كلّ الكنائس المسيحية على ضرورة هدم المسجد الأقصى لإعادة بناء هيكل سليمان.
هذا بالإضافة إلى أنّ الطبقات الأميركية الشعبيّة تتأثر كثيراً بالكنيسة الإنجيليّة وبإمكانها تأمين تأييد كبير لترامب في الانتخابات الرئاسية لولاية 2020.
هذا ما كشفت عنه وسائل إعلام أميركية أكّـــــدت أنّ ترامب يقودُ الحربَ على اليمن لأسباب عدة:
ـ المصالح الاستراتيجية الأميركية وهذه أسبابٌ ليست عميقةً وكان بإمكان البيت الأبيض أن يجد حلاً بمفاوضات مع الدولة اليمنية أَو بحرب محدودة وعند المناطق البحرية من سواحل عدن وحتى باب المندب، لكن الحربَ الحالية هي حربُ تدمير لا تزال مندلعة على كلّ مساحات اليمن، وتتجه إلى تقسيم الجنوب إلى ثلاث دول – سعودية وإماراتية، وسعودية أميركية مشتركة.
ثانياً المصالح الإسرائيلية وهذه حقيقةٌ جليّة؛ لأَنّ استمرار الحرب على اليمن حتى إسقاط دولته توفر للإسرائيليين خطوطَ عبور آمنةً ومستقرةً نحو سواحل البحر الأحمر الأفريقية حتى القرن الأفريقي مع مدخل آمن إلى الخليج وبعض بلدانه المتعاملة معهم.
لعلّ هذه القراءة هي الوحيدةُ التي تفسّرُ الأسبابَ العميقة للفرار السعودي، من تطبيق اتّفاق ستوكهولم، هذا الاتّفاق الموقع منذ خمسة أشهر ونيّف لإنهاء حرب على المدنيين بدأت قبل خمس سنوات لا يريد السعوديون إيقافَها بزعم أنّ أنصار الله وحلفاءهم لا يريدون وقفَ الحرب.
لكن كذبَهم المتمادي ارتدّ عليهم، هذه المرة كاشفاً أنهم ليسوا إلا ورقة بيد المحتلّ الأميركي الإسرائيلي الإنجيليّ.
فأنصارُ الله أعلنوا عن خطة للانسحاب من الموانئ الثلاثة في الحديدة ورأس عيسى والصليف بإشراف الأمم المتحدة ومن طرف واحد فكشفوا بذلك العرقلةَ السعوديةَ المتمادية لاتّفاق ستوكهولم وإصرارهم على استكمال العدوان الهمجي على اليمن، فهم يزعمون أنّ الدولةَ اليمنيةَ لا تريدُ تطبيقَ الاتّفاق ويمنعون تطبيقَه بالاختراقات الأمنية.
لكنهم وجدوا اليوم أنفسَهم عراةً من أيِّ منطق، فذهبوا إلى إطلاقِ مواقفَ مضحكةٍ ومنها أنه لا يحقُّ لأنصار الله تطبيقُ الاتّفاق من طرف واحد، ما أثار سخرية كلّ من سمعوا الموقف السعودي الضعيف، خصوصاً أنّ انسحاب أنصار الله يجري برعاية أممية تاركاً إدارةَ هذه الموانئ لقُــــوَّاتِ خفر سواحل موجودة فيها منذ عشرات السنين. وهذا البقاءُ ينُصُّ عليه اتّفاقُ ستوكهولم ويؤيدُه المبعوثُ الدولي إلى اليمن مارتين غريفيث ورئيس لجنة الأمم المتحدة للإشراف على التهدئة مايكل لولسفارد.
يتبيّن أنّ السعودية لا تريدُ أن تنفّذَ الجانبَ المتعلقَ بالقُــــوَّات السعودية الإماراتية والمرتزِقة بالانسحاب من الأطراف الجنوبية والشرقية القريبة من المدينة، ولا تقبل أيضاً. وهنا الطريفُ في الموضوع بانسحاب أنصار الله من موانئ الحديدة، أليس هذا من العجائب؟!
لذلك فإنّ السعوديةَ موعودةٌ عبر الإسرائيليين والإنجيليّين بدعم يؤدّي إلى سيطرتهم على اليمن. وهذا يتطلَّبُ برأيهم استمرارَ الحرب أي ما يفعلُه آلُ سعود وزايد تماماً بانتظار تقليص الضغوط الأميركية الأوروبية على ترامب.
الأمرُ الذي يسمح عندها بمشاركة إسرائيلية أضخمَ في حرب اليمن.
لذلك أجاد أنصارُ الله بكشفهم فضيحةَ آل سعود بمحاولتهم تأمينَ غذاء لمجاهدين يبذلون كاملَ إمكاناتهم في سبيل بقاء اليمن حُرّاً عربياً سعيداً، وهم مقبلون على تحقيق مشاريعهم بإرادتهم الصلبة وقُــــوَّة العزيمة والشكيمة. وهذا ما فعلوه على مدار التأريخ، وما انسحابهم الأُحادي من الحديدة إلا تأكيدٌ على التزامهم الحصري والوحيدِ بأهل اليمن في شماله وجنوبه.