عمار.. ميلاد حياة من بين الركام

كانوا يتهامسون فيما بينهم، تعالت أصواتهم قليلاً، كان يبدو من كلامهم أنّ لديهم مشكلة ما، قادني فضولي للاقتراب منهم أكثر، بدأت تتضح لي مشكلتهم، حاولت التعرف عليهم، كانوا لطيفين جداً، عرفت عند ذلك أنّهم إحدى الأسر النازحة من صعدة، كانت الأم تحمل بين يديها طفلاً لا يتجاوز الثمانية الأشهر من العمر كفلقة القمر، سألتها عنه فقالت لي بأنّه لأسرة من الأسر التي وقعت ضحية لقصف طيران العدوان الغاشم على مديرية رازح، وجده أحد أبناء المنطقة بين أحجار المنزل المدمر الذي تحول إلى ركام على رؤوس ساكنيه، قضى الجميع ولم يبق سوى الطفل الذي لم يتجاوز عمره حينها اسبوعين، أخذه الرجل ليبدأ رحلة البحث عمن يكفله، ذهب به إلى إحدى قريباته التي تسكن في مديرية قحزة لتكفله، لكنها لم تقبل كفالته بحجة أنّ لديها العديد من الأطفال، وهي بدأت بدورها أيضاً بالبحث عمن يكفله، عرضت ذلك على جارتها حسناء التي قبلت بكفالة الطفل، زاد العدوان من صلفه وتجبره طال القصف معظم مديريات صعدة، اضطرت الوالدة حسناء أن تغادر المنطقة إلى أمانة العاصمة، انتقل معها عمار ليبدأ حياة جديدة تروي تفاصيلها قساوة العدوان ومرارة الحرمان.

كان وضع الأسرة قاسيا جدا، إلا إن الخيرين من أبناء البلد كانوا يحاولون مساعدتهم بين الحين والآخر.

حاولت الوالدة حسناء أن تعثر على أي معلومات عن أهل الطفل إلا إنها لم تتمكن من ذلك لأن الجميع غادروا المكان إلى أماكن مختلفة.

كبر عمار وأصبح في العام الرابع من العمر، ولكنه لم يع بعد أنّ العدوان حرمه كل شيء حتى اسم عائلته التي ينتمي إليها، إلا إنّ العناية الإلهية لم تحرمه من والدة حنونة تبذل كل ما بوسعها لتعوضه ما حرم منه برغم معاناة النزوح وقلة ذات اليد.

وما مأساة عمار إلا واحدة من آلاف المآسي التي خلفها العدوان على اليمن وأطفال اليمن الذين يعتبرون أكثر الفئات تضرراً، لكنها قد تكون من أكثرها مأساوية وألماً.

أتمنى أن تنال هذه الحالة نصيبها من الرعاية والاهتمام من قبل الجهات المعنية.

وليعلم العالم الذي يتجاهل ما يجري في اليمن مدى بشاعة العدوان وما خلفه من جرائم ومآسي ستظل تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل.

قد يعجبك ايضا