هل يسمع العالم صرخات المعتقلين بسجون الإمارات بعدن؟
طالبت منظمة “رايتس رادار” لحقوق الإنسان في العالم العربي (غير حكومية مقرها أمستردام) الأربعاء، الأمم المتحدة، بالتحرك العاجل لإنقاذ حياة المعتقلين في سجون القوات الإماراتية بعدن جنوب اليمن.
والإمارات، هي ثاني أكبر دولة بالتحالف العربي الذي تقوده السعودية، ويشن منذ عام 2015 عدوانا على اليمن، دعماً لقوات حكومة الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي المدعومة من التحالف.
وأكد بيان للمنظمة على ضرورة التحرك الأممي لإنقاذ حياة المعتقلين بسجون القوات الإماراتية في عدن بشكل عام ومعتقلي سجن “بئر أحمد” في العاصمة المؤقتة، بشكل خاص.
أبوظبي ومن خلال التحالف بدأت بتدريب وتمويل مليشيات انفصالية خارج سيطرة حكومة الرئيس المستقيل وما إن تحررت مناطق الجنوب ومأرب حتى بدلت الإمارات مسارها.
ومنعت الإمارات هادي من العودة إلى عدن خلال الفترة السابقة، ولم تكتف بذلك، بل أرسلت قواتها العسكرية لاحتلال جزيرة سقطرى، قبل أن تنسحب بفعل موقف الحكومة المستقيلة والتنديد الدولي تجاه الحدث، لكنها لا تزال تعرقل عمل الموانئ والحكومة.
ومؤخراً أجرت الإمارات تعديلات على علاقتها بالحكومة المستقيلة، وسمحت للرئيس هادي والحكومة بالعودة إلى عدن، وخففت من أنشطة الانفصاليين، لكنها لا زالت ممسكة بزمام الموانئ، وحجر عثرة أمام تطبيع الحياة في المناطق المحررة، وفقاً لمراقبين.
وذكر منظمة “رايتس رادار” لحقوق الإنسان أن الكثير من المعتقلين في بئر أحمد اضطروا إلى الإضراب عن الطعام، للفت أنظار العالم إلى قضيتهم المنسية، بعد أن واجهوا أقسى أنواع التعذيب والتنكيل من قبل سجّانيهم.
ونقل البيان عن مصدر حقوقي -طلب عدم الكشف عن هويته- أن “نزلاء سجن بئر أحمد يتعرضون لانتهاكاتٍ نفسية وجسدية فظيعة، ويتم إخضاعهم لجلسات تحقيق قاسية تستمر ساعات طويلة، كما لم تعقد لهم أي محاكمات ولم توجه لأكثرهم اتهامات، في الوقت الذي لا يعرف الكثير من السجناء أسباب اعتقالهم”.
ومنذ العام المنصرم، ينفذ سجناء في بئر أحمد، بين الفينة والأخرى إضرابا مفتوحا عن الطعام، احتجاجا على عدم تنفيذ أوامر النيابة بالإفراج الفوري عنهم.
ومنتصف سبتمبر/أيلول 2018، أفرجت إدارة السجن ذاته عن 12 معتقلاً مضى على اعتقالهم نحو عامين، كما تم إطلاق سراح 29 سجينا بعد دعوات دولية ومحلية ومطالبات بإطلاق سراحهم، لاعتقالهم دون مسوغ قانوني.
وتدير السجن المذكور قوات “الحزام الأمني” الموالية للإمارات، لكن في الآونة الأخيرة بدأت مصلحة السجون اليمنية بالإشراف عليه ضمن تفاهمات بين وزارة الداخلية اليمنية والإمارات.
وقد نظمت رابطة أمهات المختطفين والمخفيين قسراً في السجون الإماراتية في عدن وقفة احتجاجية مطالبة بالإفراج عن أبناءهن المخفيين منذ سنوات وطالبت أمام مقر التحالف في محافظة عدن بالإفراج عن أبناءها المعتقلين منذ أكثر من عامين في السجون الإماراتية.
واستنكرت أمهات المعتقلين الموقف الضعيف لحكومة هادي تجاه أبناءهن المعتقلين منذ أكثر من عامين.
من جانبها نفت دولة الإمارات علاقتها بالسجون السرية ومراكز الإعتقال في جنوب اليمن وحملت السلطات المحلية مسؤولية الإنتهاكات التي كشفت عنها صحف محلية وعالمية.
وقال بعثة دولة الإمارات لدى الأمم المتحدة في جنيف إن السلطات اليمنية هي التي تسيطر “بالكامل على أنظمة الحكم والسجون المحلية والاتحادية” و”لم تقم الإمارات العربية المتحدة أبداً بإدارة السجون أو مراكز الاعتقال السرية في اليمن”.
لكن عرضت تحقيق بثّته القناة الرابعة البريطانية، شهادة لشخص يدعى عادل الحسني، أحد القيادات الميدانية بقوات حكومة هادي، والذي كان معتقلاً في السابق لدى قوات الحزام الأمني المدعومة من أبوظبي الذي قال إن هناك مئات المعتقلين بالسجون السرية التابعة للإمارات يتعرّضون لشتى أنواع التعذيب؛ من ضرب، وصعق بالكهرباء، وإدخال أدوات معدنية حادّة بمناطق حساسة من الجسم.
وأضاف في التحقيق الذي ضمّ إفادات لمنظمات حقوقية وصوراً من داخل السجون: إن المعتقلات كانت تمتلئ صراخاً كل ليلة بسبب التعذيب الذي يشرف عليه الإماراتيون.
وقبل ايام، حمل مجلس جنيف للحقوق والعدالة، دولة الإمارات، المسؤولية الكاملة عن أية تداعيات على صحة معتقلين يضربون عن الطعام، منذ نحو 15 يوما في سجن بئر أحمد.
وطالب مجلس جنيف الإمارات بوقف ما وصفها بالانتهاكات المروعة بحق المعتقلين اليمنيين، في السجون التي تشرف عليها أبوظبي في مناطق متفرقة من اليمن.
وفي يوليو الماضي، وثّقت منظمة العفو الدولية (أمنستي) انتهاكات صارخة تُرتكب بشكل ممنهج تصل إلى جرائم الحرب بالسجون السرية التي تشرف عليها أبوظبي، جنوبي اليمن.
وقالت المنظمة في تقريرها المعنون بـ”الله وحده أعلم إذا كان على قيد الحياة”، إنها رصدت عشرات الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري والتعذيب من قبل القوات الموالية للإمارات.
ومن بين الأرقام المذكورة بالتقرير، قالت أمنستي إنها حققت في ظروف اعتقال 51 سجيناً، بين مارس 2016 ومايو 2018، اعتقلتهم القوات الحكومية والقوات الإماراتية التي تدرب قوات السلطة جنوبي اليمن، وأكّدت أن 19 شخصاً فُقدت آثارهم.
وحضور دولة الإمارات في أذهان اليمنيين الذي رسمه الشيخ زايد آل نهيان بإعادة بناء سد مأرب التاريخي في ثمانينيات القرن الماضي لم يتلاش فحسب، بل تبدل بمشاعر لا تخلو من العداء لأبوظبي.
يأتي هذا العداء بفعل سياستها تجاه اليمن خلال العقد الأخير، لا سيما محاولة فرض مشهد سياسي معين واستغلال الثروات الاقتصادية للبلاد، تحت حكم قيادة جديدة تصدر المشهد فيها ولي العهد محمد بن زايد، وغاب رئيس البلاد خليفة بن زايد عن الساحة السياسية تماماً.
والاقتصاد سبق السياسة في الأجندة الإماراتية تجاه اليمن، حيث حاولت أبوظبي توقيع اتفاقية لتشغيل ميناء عدن منذ التسعينيات إلى أن نجحت في العام 2003، لتقوم بتعطيله بما يحقق مصالحها في موانئ دبي، كما يقول اقتصاديون.
ووفقاً لدراسة صادرة عن مركز الإمارات للإعلام، في فبراير الماضي، فإن أبوظبي تنفق قرابة 1.3 مليار دولار شهرياً (بأقل تقدير) في اليمن، في العمليات البرية والجوية ضمن التحالف، ما يصل إلى (16 مليار دولار) سنوياً.
وهدفها هو إبقاء اليمن في حالة الفراغ واللادولة لتحقق المبرر من استمرار وجود قواتها وتحقيق مطامعها في السيطرة على الشريط الساحلي الممتد من الحديدة على البحر الأحمر غرباً إلى عدن وشبوة وحضرموت شرقاً، وجزر باب المندب والمطلة على المحيط الهندي ومثلها الموانئ.
واستثمرت الإمارات كثيراً في بناء دولة قمعية موازية في المحافظات التي يدعي التحالف أنه حررها، وتتصرف بشكل خاص إلى نشر الرعب والفوضى والقتل الاعتقالات والتغييب القسري والتعذيب حتى الموت في سلسلة كبيرة من السجون السرية والمعلنة.
وتحولت الأدوات العسكرية والأمنية الإماراتية في اليمن إلى معاول هدم لبنيان الدولة اليمنية؛ الأمر الذي يضع الإمارات في مصاف الأعداء الخارجيين الذين يتعين مواجهتهم اليوم قبل الغد.