ما وراءَ زيارة السفير الأمريكي المتكرّرة إلى حضرموت؟
نفذ السفير الأمريكي إلى اليمن، ستيفن فاجن، زيارةً إلى محافظة حضرموت، في خطوة جديدة تكشف عن الاهتمام الأمريكي المتزايد بمحافظة حضرموت الغنية بالنفط والمعادن.
وخلال الزيارة، عقد السفير سلسلة لقاءات مع مشايخ المحافظة وقيادات المرتزِقة، في ظل تساؤلات كثيرة حول الأهداف من هذه الزيارة أَو المغزى منها.
وتتزامن هذه الزيارة مع عدة مستجدات على ساحة اليمن الجنوبية والشرقية الواقعة تحت الاحتلال الإماراتي السعوديّ؛ فأبناء تلك المحافظات قد وصلوا إلى مرحلة بؤس وشقاء جراء التدهور الكبير للعملة المزيفة دون أن تتمكّن حكومة المرتزِقة من إيقاف هذا النزيف.
وفي هذا الصدد يقول سياسيون: إن زيارة السفير الأمريكي فاجن، إلى المكلا بحضرموت، الثلاثاء الماضي، تتزامن مع عودة المرتزِق العطاس إلى المشهد، وَلها علاقة بالمفاوضات غير المعلنة التي تجريها السعوديّة بين مكونات حضرموت الموالية لها، وبين المرتزِق العليمي والتي ترعاها الرياض، مؤكّـدين أن تلك المفاوضات مسرحية سياسية مكشوفة هدفُها تنفيذُ أجندات سعوديّة قديمة ومطامعُ فشلت في تنفيذها في ستينيات القرن الماضي تحت يافطة “الإقليم الشرقي”، وإعادتها باسم الأقاليم، وإقليم حضرموت، واليوم تستبدل إقليم حضرموت، بالترتيب لإنشاء دولة حضرموت بضوءٍ أخضرَ أمريكي.
زيارة السفير الأمريكي لحضرموت، واللقاءات التي عقدها مع المرتزِق بن ماضي، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة؛ فقد سبقتها زيارات ولقاءات أُخرى، منها اجتماع المستشار العسكري بالسفارة مع ما يسمى رئيس حلف قبائل حضرموت، الشيخ عمرو بن حبريش، الذي يقود الحراك القبلي، ضد حكومة المرتزِقة، وبدعم من السعوديّة، وهذا يعكس الرغبة الأمريكية السعوديّة في فصل حضرموت عن اليمن، وضمِّها للأراضي السعوديّة؛ ولهذا تلعب الرياض والسفارة الأمريكية فيها، دورًا بارزًا، في إدارة التحَرّك القبلي، المطالب بالحكم الذاتي.
ولهذا، فَــإنَّ الزيارات الأمريكية المتكرّرة، إلى حضرموت، خَاصَّة مع استمرار التصعيد القبلي المدعوم من السعوديّة، والتي تسعى من خلال التحَرّك القبلي للسيطرة، هي محاولة سعوديّة لمنح واشنطن، تأثيرًا مباشرًا على التطورات في حضرموت، التي تعد أهم المحافظات النفطية باليمن، والتي تمثل -وفق امتداداتها شرقًا وغربًا إلى محافظتَي شبوة والمهرة- محور ارتكاز في السيطرة على المنطقة والتحكم فيها، ويتم من خلالها تحقيق المصالح الاقتصادية والاستراتيجية لواشنطن في المنطقة؛ إذ لطالما كانت محافظة حضرموت هدفًا لاهتمام القوى الدولية بالنظر إلى ثرواتها النفطية.
ولهذا فَــإنَّ الولايات المتحدة تسعى من خلال الظروف المصطنعة والجارية في حضرموت، لتعزيز نفوذها في محافظة حضرموت النفطية، التي تعد ضمن أولوياتها، وما الزيارات المتكرّرة لحضرموت، إلا لفرض واقع جديد في المحافظة النفطية، التي تتميز بموقعها الاستراتيجي وثرواتها، وفق المخطّط الأمريكي الذي يهدف إلى مواجهة النفوذ العالمي، والسيطرة المباشرة وغير المباشرة، على حضرموت، التي تتمتع بإطلالة واسعة، ومهمة على بحر العرب، والمحيط الهندي، ويوجد فيها أهم القطاعات الإنتاجية النفطية ضمن حوض المسيلة – سيئون الذي يوجد فيها الخزان النفطي الاستراتيجي للبلاد، الذي يرفد خزينة الدولة ٨٠ % من موازنتها العامة.
ونظرًا لهذه الأهميّة الاقتصادية لحضرموت، التي تتميز -وفق الرؤية الأمريكية- بكل المؤهلات لإنشاء ما يسمى دولة حضرموت، التي تحاول السعوديّة تحقيقها وضمها إليها؛ لذا تظهر زيارة السفير الأمريكي اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بمحافظة حضرموت، منذ العام 2011م، وهو ما بدا واضحًا من خلال الزيارات المتكرّرة لحضرموت، وما هذه الزيارة اليوم إلا امتداد للزيارات السابقة التي قام بها مسؤولون وقيادات وضباط عسكرية أمريكية، لحضرموت، التي أصبح جزءٌ منها قاعدة عسكرية لأمريكا، وتتواجد فيها قوات كبيرة من المدرعات والأسلحة والمعدات العسكرية والاستخباراتية، والتي ظهرت في شوارع غيل باوزير في 2021م.
أطماعٌ متجددة:
وَتعكس الزيارات الأمريكية إلى حضرموت رغبةَ واشنطن في تعزيز نفوذها بالمنطقة، وهو ما يمكن تفسيره؛ باعتبَاره محاولةً لضمان السيطرة على الموارد النفطية الاستراتيجية، بعد تمكين القبائل والمكونات الحضرمية الموالية للسعوديّة، من السيطرة على القطاعات النفطية، وهذا ضمن أسباب زيارة السفير الأمريكي، الذي يرعى المفاوضاتِ غير المعلَنة، التي يمكن من خلالها تحقيق المصالح الأمريكية والسعوديّة المشتركة، والتي تتمثل في السيطرة على هذه المحافظة، والتحكم بها بصورة مباشرة؛ كونها تشكّل أهميّةً استراتيجية، وضمن الجغرافيا الغنية بالنفط والغاز، وتحتوي على عشرات الحقول النفطية والغازية الهامة، بالإضافة إلى المساعي الأمريكية السعوديّة، للسيطرة الكاملة على السواحل الجنوبية الشرقية لكُلٍّ من المهرة وحضرموت وشبوة، وُصُـولًا إلى عدن، وباب المندب، وهذا ما يمكّنهما من السيطرة والتحكم، على خطوط التجارة الدولية والملاحة البحرية، الممتدة من البحر العربي جنوبًا إلى باب المندب والبحر الأحمر غربًا، والذي يعتبر ضمن أهم الأولويات والأهداف الاستراتيجية لأمريكا.
ويؤكّـد الخبراء أن زيارات الأمريكيين المتكرّرة إلى حضرموت أظهرت الأطماع الأمريكية، التي ظهرت -وفق الخبراء- منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، وبدأت في العام 1961م، بعد إعلان شركة “بان أمريكان” وهي إحدى شركات التنقيب عن النفط، التي تم إرسالها إلى حضرموت، بالتعاون مع الاحتلال البريطاني آنذاك، لوجود كميات كبيرة من النفط في صحراء ثمود؛ وهذا ما جعل السعوديّة منذ الستينيات، تحاول -وفق مخطّط أمريكي- ضم مديرية ثمود النفطية لأراضيها، إلا أن تلك المحاولات أفشلتها الجبهةُ القومية عام 1967م؛ ما جعل السعوديّة خلالَ العقود الماضية، تقف أمام استخراج الثروة النفطية في ثمود، كما سبق لها أن أوقفت كافة أعمال التنقيب عن النفط في الشريط الحدودي بين شرورة وحضرموت طيلة العقود الماضية، وها هي اليوم تختلقُ الأحداث والصراعات كعادتها في حضرموت، بالتعاون مع أمريكا، التي لم تنتهِ أطماعهما في السيطرة على حضرموت النفطية.