أجواء عيدية يعكر صفوها الحصار واستمرار منع صرف الرواتب

يعيش أبناء الشعب اليمني عيد الأضحى المبارك التاسع منذ انطلاق العدوان السعودي على اليمن في ظل حالة أشبه بحالة اللا سلم واللا حرب يدفع كلفتها المواطن اليمني الذي يكابد أزمة إنسانية متصاعدة وضعف للقدرة الشرائية في توفير متطلبات العيد والأضاحي والالتزامات المختلفة لهذه المناسبة الدينية نتيجة استمرار انقطاع الرواتب وارتفاع الأسعار وغياب الأعمال..

كل ذلك يستمر تحت مظلة هدنة إنسانية معلنة وتحت رعاية أممية لم تخفف من واقع اليمنيين الإنساني شيئاً.  معاناة عيدية جرت العادةُ أنْ تبدأَ علاماتُ ومظاهرُ عيد الأضحى المبارك والاستعداد له مع بداية أَيَّـام العشر الأولى لشهر ذي الحِجَّـة، وأحياناً قبل عيد الأضحى بأيامٍ من خلال شراء متطلبات العيد من ملابس وحلويات، أَو شراء الأضاحي من أغنام وأبقار سواء بشكل جماعي أَو فردى، لكن المشهد هذا العام تغيّر كَثيراً فقد لوحظ إقبالُ ضئيل على الأسواق ومحلات الملابس تحديدا قبل عيد الأضحى.

فعلى سبيل المثال كان سوقُ الملح احد اشهر الاسواق في بيع الزبيب والمكسرات المعروفة “بجعالة العيد” والذي كان يشهد ازدحامًا مع بدء العشر الأوائل من ذي الحجّـة، لكن الحركة خفت كَثيراً وبشكل ملحوظ هذا العام، وأصبح اليمنيون يستقبلون عيد الأضحى لهذا العام 2023م، بأوجاعٍ كبيرة، ومعاناةٍ لا حدودَ لها، نتيجةَ استمرار العدوان والحصار الأمريكي السعوديّ للعام الثامن على التوالي والذي أثّر على وضعهم المعيشي بصورة لا يمكن تخيلها، حيث يتفنن العدوان في حربه الاقتصادية على اليمنيين، شاهراً سلاحَ “ضرب العُملة واستهداف منع صرف الرواتب كأحد أهم أساليبه للإضرار بمعيشة المواطنين، الأمر الذي أَدَّى إلى ارتفاع أسعار السلع فرمى بالكثير من اليمنيين إلى رصيف البطالة، وأوجد أكبر مأساة إنسانية في العالم -بحسب بيانات وتأكيدات الأمم المتحدة-

وفي مواجهة هذه الحرب، اضطر اليمنيون للتخلي عن الكثير من عادات العيد وطقوسه المتوارثة وَالمتجذرة في ثقافتهم وتراثهم، فيما ما يزال البعض منهم يتحدى واقع وظروف هذا العدوان، ويعيشُ بعض طقوس العيد كصورة تعكسُ خصوصية اليمنيين في مختلف مجالات الحياة، وانعكس ارتفاع الأسعار سلبًا على القدرة الشرائية للكثير من المواطنين الذين لم يتمكّنوا من شراء كُـلّ متطلبات العيد ومستلزماته هذا العام،

وقد عبَّر الكثير من المواطنين بحزن شديد عن عجزهم عن شراء الأضاحي، وتوفير متطلبات الحياة الضرورية والأَسَاسية نتيجة استمرار العدوان الأمريكي السعوديّ على بلادنا أكثر من ثمانية أعوام.

الوضع السياسي

فيما يخص الوضع السياسي في البلاد يستقبل اليمنيون عيد الأضحى المبارك بشيء من الأمل في تحقيق السلام المشرِّف الذي ينهي الحرب ويحمي سيادة واستقلال اليمن ويحافظ على وحدته، مرحبا بكل الخطوات الجادة في هذا السياق كما أكد المجلس السياسي الأعلى الذي أعتبر أن السلام المشرِّف في اليمن ينبغي أن يتجسد من خلال الاستجابة لحقوق المواطنين، وفي مقدمتها صرف المرتبات لكل موظفي الدولة، وفتح جميع المطارات والموانئ اليمنية، ورفع جميع القيود عن الواردات وعلى رأسها المشتقات والمواد الغذائية والدواء عبر جميع الموانئ والمطارات وفي مقدمها ميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي وفصل الملف الإنساني عن السياسي والعسكري، حيث أن التقدم في هذا الملف هو المؤشر للمصداقية في إنجاح أي وساطات أو اتصالات أو مباحثات، إذ أن استحقاقات التضحيات اليمنية تضع على كاهل القيادة مسؤولية التخفيف من معاناة المجتمع اليمني، وهو الأمر الذي يحتم عليها الحفاظ على ثرواته ومقدراته وتسخيرها لصالح المجتمع في كل الجغرافيا اليمنية، مشيراً إلى أن منع نهب الثروات اليمنية قرار حتمي ويأتي في هذا السياق.

عيد بنكهة الحصار

يمارس اليمنيين طقوس عيد الأضحى المبارك في ظل حصار ما زال مستمراً منذ بدأ تحالف الشر شن عدوانه على الشعب اليمني قبل ثمانية أعوام ولم يكن يغفل عن ورقة الحصار الاقتصادي لتركيع أبناء الشعب اليمني في حال فشل عدوانه العسكري الذي راهن على أنه لن يتجاوز الأسبوعين ومر العام والعامان والثمانية أعوام بصمود يماني أسطوري ليواصل حتى في الأعياد تفعيل ورقة الحصار الاقتصادي حتى العام الثامن، فعمد العدو إلى سياسة تجويع الشعب اليمني عن طريق الحصار والتلاعب بأسعار الدولار واحتجاز السفن الغذائية والمشتقات النفطية وإحداث زعزعة داخل الأوساط المعيشية والسوق وطباعة العملة النقدية المزيفة ونقل البنك المركزي إلى عدن وغيرها من السياسات التي أثبتت تخبطه وفشله، كما مارس واستخدم كافة الوسائل الدنيئة والأساليب الخبيثة التي لم تستخدم في أي حرب سابقة عبر التاريخ لتحقيق أهدافه، فحاصر اليمنيين برا وبحرا وجوا وسيطر على منابع النفط والغاز وقام بنهبها، إلى جانب موارد الموانئ – عدا الحديدة – وحرم الشعب اليمني من ثرواته، في انتهاك صارخ لكل مبادئ وقواعد القانون الدولي وقام بطباعة العملة دون غطاء واستخدم أزلامه في الداخل لتضييق الخناق على الشعب لزيادة معاناته ومنع الغذاء والدواء.

منع صرف الرواتب

فرحة عيد الأضحى المبارك كان ينقصها الإفراج عن رواتب الموظفين المخفية منذ العام 2016، حيث كان الأمل يحدو أكثر من 1.2 مليون موظف بأن ثمة انفراجة قريبة تعيد صرف رواتبهم التي تقع مسؤولية صرفها على الطرف الموالي للتحالف، بحكم أنه المتسبب في انقطاعها والمتعهد أمام المجتمع الدولي والأمم المتحدة بمواصلة صرفها منذ قرار نقل عمليات البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، لكن جاء موقف السلطة الموالية للتحالف في هذا الخصوص مخيبا لكل اﻵمال،

حيث جددت هذه السلطة في عدن تنصلها عن دفع رواتب موظفي الدولة في مناطق سيطرة حكومة صنعاء، المنقطعة رواتبهم منذ سبتمبر من عام 2016م، ما يضاعف معاناة الموظفين في تحمل تكاليف العيد والتزاماته وهم الذين لا ذنب لهم وليسوا طرفاً في الحرب بل إن تحالف العدوان اعتبر 80% من الشعب اليمني أعداء له ويجب قتلهم عبر الحصار والتجويع، فالمرتب حق دستوري للموظف لا ينبغي استخدامه كسلاح للتجويع أو كجزرة لتحقيق مكاسب سياسية رخيصة، وعلى الرغم من الآثار الكارثية لقطع المرتبات عن الموظفين يبدو أن حكومة المرتزقة لا تدرك حجم الجريمة التي تقترفها بحق الملايين، فقطع المرتب يعني حرمانك من الحصول على الغذاء والدواء والسكن وهي جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي الإنساني، وقد التزمت صنعاء سابقاً بفتح حساب خاص بفرع البنك المركزي في الحديدة تحت مسمى «الحساب الخاص بمبادرة المرتبات» تورد إليه إيرادات الموانئ الثلاثة (الحديدة- الصليف – رأس عيس)،

ومنذ أكثر من عام تم تخصيص إيرادات السفن في الحديدة لحساب الراتب على أن تغطي قوى العدوان ومرتزقته العجز والفجوة في مبلغ الراتب من إيرادات النفط والغاز خصوصا أن عائدات الموانئ الشهرية لا تشكل سوى 10 إلى 15 % من مبلغ الرواتب البالغة 75 مليار ريال، وفقا لكشوفات 2014م، بينما يتركز الجزء الأكبر من إيرادات البلد النفطية والغازية وغيرها في المحافظات الخاضعة لسيطرة تحالف العدوان وحكومة المرتزقة،

وبالفعل قامت وزارة المالية باستخدام هذه المبالغ للمساهمة في صرف نصف راتب لموظفي الدولة بشكل متقطع على مدار العام، حيث أن إيرادات موانئ الحديدة خلال الشهر لا تتجاوز 6 مليارات ريال في الظروف العادية مع دخول كافة السفن، في مقابل الاحتياج لنحو سبعين مليار ريال شهرياً لصرف رواتب جميع الموظفين، فكم ستكون عائدات دخول 18 سفينة فقط؟!

الوضع العسكري

أتى عيد الأضحى على وقع حراك سياسي ومحاولات إقليمية ودولية متعثرة لتحقيق السلام في اليمن أو تجديد الهدنة المنتهية في مطلع أكتوبر الماضي، هذا الوضع السائد منذ مطلع أبريل 2022 وحتى اليوم،

ومع اقتراب الحرب العدوانية من دخول عامها التاسع، يبدو أن الأوضاع ستستمر على ما هي عليه الآن لسنوات عدة مقبلة،، ولا حل سياسي شامل، والحل السياسي يقتضي تقديم ضمانات من الطرف السعودي المعتدي الذي يبدو أنه غير مستعد لتقديمها، وبالتالي فالهدنة بصيغتها الراهنة تمثل وضعاً مربحاً لتحالف العدوان السعودي الإماراتي ولمختلف المليشيات والتشكيلات العسكرية التابعة له، حيث انقضت ثمان سنوات منذ اندلاع العدوان على اليمن دون أن يحقق أي هدف ولا حتى المليشيات الانفصالية تمكنت من السيطرة على جميع المحافظات الجنوبية والشرقية.

الوضع يعجب تحالف العدوان

إذاً يعد الوضع الحالي مربحا لتحالف العدوان السعودي الإماراتي والمليشيات الانفصالية وغيرها من التشكيلات العسكرية غير النظامية،

وفي المقابل فالخاسر الوحيد هو الشعب اليمني بمختلف فئاته ومكوناته، وتتمثل خسارته في غياب الدولة في المحافظات الجنوبية المحتلة وغياب وظيفتها حيال مواطنيها، وغياب الأمن والاستقرار، وانعدام الأمن الغذائي، وانهيار الاقتصاد الوطني، وتدهور العملة المحلية، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين في إجازة عيد الأضحى المبارك، وتفشي الفقر والبطالة والمجاعة على نطاق واسع.

كل ذلك وما تزال ما تسمى بالشرعية عاجزة تماماً عن تحقيق أي انفراجة في الأزمة المعيشية المتفاقمة، ولعل التحالف السعودي الإماراتي يرى في الوضع الحالي الخيار المفضل لإنهاك اليمن وإفقارها والسيطرة على مواردها وإصابتها بالشلل التام، لا سيما أن هناك شخصيات وقيادات تتعاطى مع الدور التخريبي للتحالف في البلاد بإيجابية أو الصمت، وما يهمها فقط هو مراكمة مكاسبها الخاصة حتى وإن كان ثمن ذلك ضياع الدولة اليمنية وتقطيع أوصالها وإنهاك الشعب اليمني فقراً وتجويعاً، كما أنه، -أي التحالف السعودي الإماراتي-، لا يرغب في ترميم وهيكلة السلطة الشرعية لتكون قوية وتتمكن من استعادة الدولة، لأن الوضع بصيغته الراهنة يمثل الخيار الوحيد والمفضل والمربح للتحالف، لذا فهو يُسخّر كل قدراته للعمل على ديمومته، فالأهم بالنسبة له أن تظل الدولة اليمنية مفككة وممزقة وضعيفة، وهذا لن يتحقق إلا في العمل على ديمومة الصراع، والحيلولة دون الحسم العسكري أو الحل السياسي الذي يفضي إلى استقرار البلاد على وضع معين.

قد يعجبك ايضا