المحتوى الهابط بين خدش الحياء العام ومخالفة القوانين
Share
عاود الجدل حول ما يعرف بـ “المحتوى الهابط” يلف الشارع العراقي بعد اتساع نطاق المنشورات الخادشة للحياء فيما أكدت وزارة الداخلية استمرار حملتها في ملاحقة الملف مع نفيها وجود نوايا لتقييد الحريات العامة.
المحتوى الهابط وترويج الكراهية
يأتي ذلك في وقت، دعا مراقبون إلى ملاحقة اصحاب الخطابات المروجة للعنف والكراهية، تحت عنوان المحتوى الهابط ايضاً، منتقدين التمييز بين المتهمين بهذه الافعال.
وأصدر القضاء العراقي خلال العام الحالي أحكاماً على عدد من المتهمين بنشر محتويات هابطة، منهم الملقبين بأم فهد وعسل حسام وحسن صجمة، حيث جاءت احكامهم بالحبس لمدة وصلت إلى سنتين، تم تخفيفها بموجب أحكام قضائية تمييزية إلى الحبس لمدة ثلاثة أشهر ويوم.
وبعد انتهاء مدة الحكم لهؤلاء المتهمين، خرج البعض منهم في وسائل الإعلام وتحدثوا عن ملابسات اعتقالهم، وطالبوا اللجوء إلى خارج العراق.
وخلال الاسبوع الحالي، أعلنت وزارة الداخلية عن اعتقال واحدة من المتهمات بنشر المحتوى الهابط في بغداد، في حين تداولت وسائل إعلام انباء عن اعتقال واحدة ثانية بنفس التهمة.
مذكرات اعتقال
ويقول المتحدث باسم الوزارة خالد المحنا، إن «عشرات الأشخاص قد صدرت بحقهم مذكرات قبض عن تهم تتعلق بالمحتوى الهابط».
وتابع المحنا، ان «سؤالاً يتبادر إلى ذهن الكثيرين، وهو كيف أن وزارة الداخلية تحدد المحتوى الهابط من عدمه، وهذا التساؤل منطقي وعن إمكانية أن يمس ذلك بمبدأ الحريات العامة الواردة في الدستور».
وأشار، إلى أن «الحريات مبدأ أساسي للدستور ونحن لا نستهدفها، لاسيما على صعيد حرية الرأي والتعبير، وأن الدستور العراقي له علوية على جميع القوانين».
وأوضح المحنا، أن «الانسان له حرية لكن ينبغي لهذه الحرية أن تمس بحياة الاخرين وحرياتهم ولا تمس الآداب العامة، ومن هنا يكون فرق المحتوى الهابط عن غيره، والمعيار هو قانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1969 المعدل».
المحتوى الهابط يشمل جميع أنواع النشر
وشدد، على أن «المحتوى الهابط مصطلح واسع يشمل جميع أنواع النشر التي تخرق القوانين العراقية».
منوهاً إلى أن «المدة الأخيرة شهدت حالات نشر رفضها المجتمع العراقي وقد ظهرت مطالبات للحد من هكذا نوع من النشر بكونه يتسبب بإساءة إلى قيم وأعراف المجتمع».
وأكد المحنا، أن «الوزارة لاحظت كثرة المنشورات التي خدشت الحياء وتسيء إلى الذوق العام وتنتهك للقيم والاعراف المجتمعية».
وأورد، ان «تلك الاسباب جعلت بوزارة الداخلية أن تطلق منصة (بلّغ) من خلالها نستلم الاخبارات من المواطنين كافة».
وانتهى المحنا، إلى أن «الحملة مازالت مستمرة، وسجلنا آلاف الإخبارات لكن العديد منها تخص حالة واحدة فقط، أي إنها إخبارات متشابهة».
ويؤكد القضاء، أن مصطلح تسميته المحتوى الهابط الذي يتداول في وسائل الإعلام، أصله القانوني هو الجرائم المخلة بالأخلاق العامة أو الفعل الفاضح الذي يخل بالحياء العام.
ويقول قاضي محكمة النشر والإعلام عامر حسن شنتة في تصريحات صحافية سابقة، أن «الجرائم المخلة بالأخلاق العامة تحولت إلى ظاهرة وبدأت تؤثر على المجتمع والأسرة والأجيال الناشئة وسلوكياتها فكان يجب أن تتحرك الدولة بمختلف مؤسساتها للحد منها».
المحتوى الهابط تحول إلى صناعة
وتابع شنتة، أن «هناك قناعة بأن المحتوى الهابط تحول إلى صناعة وخرج عن إطاره العفوي».
وأشار، إلى أن «المادة 403 من قانون العقوبات تتكلم عن صناعة الأفلام أو الرسوم أو الكتابات أو الإشارات أو أي شيء آخر يخل بالحياء العام ويخل بالآداب العامة ويهدف إلى إفساد الأخلاق العامة، ولهذا نطبق نص المادة 403 بحق المتهمين التي تعرض قضاياهم على هذه المحكمة».
وبين شنتة، أن «مجلس القضاء الأعلى سبق له أن طلب من وزارة الداخلية أن تشكل لجنة منها حصراً تتولى رصد الحالات المخالفة للقانون وتتضمن نشر محتوى يسيء إلى الأخلاق العامة أو يتضمن فعلاً فاضحاً وعرضها على محكمة تحقيق الكرخ المختصة بقضايا النشر والإعلام التي أنا أتولى مهامها».
وأوضح، أن «اللجنة عقدت اجتماعاً تم من خلاله وضع آلية عن كيفية رصد هذه الحالات والتعامل معها وعرضها على المحكمة».
ومضى شنتة، إلى أن «اللجنة بدأت أعمالها وأنجزت عدداً من الملفات وعدد من المتهمين وصدرت بحقهم أحكام والقسم الآخر لا زالوا قيد التحقيق».
تنظيم العالم الافتراضي
من جانبه، ذكر عضو مفوضية حقوق الانسان السابق علي البياتي، أن «الحياة قد تطورت، وقد ظهرت الحاجة إلى تنظيم العالم الافتراضي الذي أخذ يشمل جميع المجالات».
وتابع البياتي، أن «احترام الديمقراطية يفترض أن يكون من خلال القانون صادر عن البرلمان العراقي، وينبغي أن يكون هذا القانون مفهوماً وواضحاً من قبل الافراد، مع ضرورة أن تأتي العقوبات متوافقة مع حجم الضرر».
وشدد، على ضرورة «الابتعاد عن قضية تمييز بين شخص وأخر، كذلك موضوع عدم المساس بحرية التعبير عن الرأي، وهذه مبادئ عامة للقوانين».
وأوضح البياتي، أن «العراقيين متفقون على وجود فوضى في مواقع التواصل الاجتماعي، والسبب تتحمله مؤسسات الدولة ذاتها التي عليها تنظيم هذه القضايا بحسب مصلحة المجتمع».
ورأى، أن «هذه الفوضى لا تشمل ما يتعلق بما يخل الآداب العامة، فالمحتوى الهابط الذي يتم التركيز عليه هو جزء بسيط، مع وجود مواقع وقنوات فضائية تشجع على الارهاب والكراهية والعنف».
ومضى البياتي، إلى أن «المجتمع الايزيدي قد تعرض مطلع الشهر الحالي إلى خطاب كراهية واضح، كان على أجهزة الدولة أن تتعامل مع ذلك، ولا تميز بين محتوى هابط وأخر».
وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت مطلع العام الحالي عن حملة لملاحقة اصحاب المحتوى الهابط، وخصصت قنوات اتصال ومنصة الكترونية يتم من خلالها الابلاغ عن الحالات، واتخذت الاجراءات القانونية بحق العديد، لكن جهات رقابية محلية ودولية حذرت من استخدام هذه الملاحقة في الحد من الحريات العامة وتكميم الافواه.