ما مدی إمكانية نجاح مفاوضات جدة في وقف الاشتباكات في السودان؟
Share
من كثب يترقب المجتمع الدولي والمعنيون بأزمة السودان نتائج اجتماع جدة بالمملكة العربية السعودية، والذي يجمع الفرقاء السودانيين، في ظل تواصل الصراع والاقتتال في عدة مدن، منذ منتصف أبريل الماضي، وسط مخاوف من أزمة إنسانية كبيرة سيشهدها البلد العربي.
ونجحت السعودية وحليفتها الولايات المتحدة في الجمع بين ممثلي طرفي الحرب بالسودان (الجيش السوداني وقوات الدعم السريع)، وسط آمال كبيرة في أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق يتيح وقفاً دائماً لإطلاق النار، وفتح ممرات إنسانية للمدنيين، الذين يعانون من جحيم المعارك الدائرة وسط العاصمة ومدن أخرى.
وتمثل المبادرة السعودية الأمريكية من أجل السودان أول جهد دبلوماسي تجاوز محطة الإعراب عن القلق، ومناشدة طرفي القتال إيقافه؛ إلى جمع طرفي الصراع، لكن يبقى السؤال الأهم: هل سيكون الحوار من أجل إيقاف الحرب والمضي نحو تقاسم السلطة، أم أنها مجرد استراحة لمعركة أطول؟
اجتماع جدة
تعد مبادرة جدة لجمع طرفي الصراع في السودان أول محاولة جادة لإنهاء القتال الذي أصاب الحكومة السودانية بالشلل، وعرض الانتقال السياسي في البلاد للخطر، بعد أعوام من الاضطرابات والانتفاضات.
وقالت الخارجية السعودية إن ممثلي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بدؤوا (6 مايو 2023)، محادثات تمهيدية في جدة، بعد نحو 3 أسابيع من اندلاع معارك بين الجانبين.
وذكرت خارجية المملكة، في بيانٍ لها، أن الجيش السوداني والدعم السريع يبحثان في جدة تسهيل وصول المساعدات، مشيرة إلى أن المباحثات ستستمر أياماً حتى الوصول إلى وقف فعال لإطلاق النار.
ووفقاً للبيان، أعرب الطرفان عن “تحملهم مسؤولية رفع المعاناة عن الشعب السوداني، بما يتضمن الاتفاق على الإجراءات الأمنية لتسيير وصول المساعدات الإنسانية العاجلة، واستعادة الخدمات الضرورية لمن هم في حاجة إليها”.
ومع مرور يومين على المفاوضات، قال دبلوماسي سعودي: إن “المفاوضات لم تحرز تقدماً كبيراً حتى الآن”، وتابع أن “وقفاً دائماً لإطلاق النار ليس مطروحاً على الطاولة. كل جانب يعتقد أنه قادر على حسم المعركة”.
مبادرة واشنطن والرياض
وتصدرت المبادرة الأمريكية السعودية سباق المبادرات الأخرى لمحاولة إنهاء الحرب بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في 15 أبريل الماضي.
وطبقاً لوسائل إعلام، تضع المبادرة السعودية الأمريكية مراحل متدرجة للتعاطي مع الشأن السوداني بتجلياته الأخيرة، والبداية بالضغط على الطرفين لتمديد الهدنة من أجل فتح الممرات الإنسانية وتسهيل حركة المواطنين والمقيمين وتمكينهم من قضاء احتياجاتهم والوصول إلى مناطق آمنة.
والمرحلة الثانية من الهدنة تنص على تطويرها إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، تعقبها مرحلة ثالثة للجلوس إلى طاولة التفاوض المباشر.
وأعلنت السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، في بيان مشترك، ترحيبهما ببدء المحادثات الأولية، في وقتٍ دعتا فيه كلا الطرفين إلى “استشعار مسؤولياتهما تجاه الشعب السوداني، والانخراط الجاد في هذه المحادثات، ورسم خريطة طريق للمباحثات لوقف العمليات العسكرية، وتأكيد إنهاء الصراع”.
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، إن بلاده تأمل أن تسفر هذه المفاوضات عن تحقيق الأمن والاستقرار، مؤكداً أنها نتاج جهد جماعي لعديد من الأطراف.
من جانبه رحب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ببدء المحادثات الأولية، داعياً الأطراف كافة إلى “الانخراط بجدية في هذه المحادثات كطريق نحو إنهاء الصراع”.
لا تقدم ممكن
“على الرغم من الآمال الكبيرة التي يطرحها الشعب السوداني في وقف الحرب والدخول في مفاوضات تنهي الاقتتال، فإن طرفي الصراع غير مستعدين للتنازل”، وفقاً لحديث الناشط السوداني بدر الدين عوض الله.
ويقول إن المفاوضات الحالية في جدة “هدفها الترتيب لهدنة إنسانية لإيصال المساعدات الغذائية والطبية للمتضررين، ولا بوادر أن تتحول إلى مفاوضات سياسية لحل النزاع بين البرهان وحميدتي”.
ويضيف: “ما زال الطرفان يسعيان لتحقيق مزيد من المكاسب على الأرض، وذلك ما يفسر استمرار المعارك والتحشيد العسكري بين الجانبين في محاولة للتفاوض بأكثر من موقع، خصوصاً المناطق الاستراتيجية”.
وعن إمكانية التوصل لاتفاق، يرجح حصول “اتفاق محدود لوقف إطلاق النار من أجل هدنة إنسانية فقط، وهو ما يتضح من خلال الحضور الأممي برئاسة نائب أمين عام الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، الذي يعمل على توفير ممر آمن لإيصال المساعدات”.
ويؤكد أن الأزمة في السودان “أكبر مما يراه البعض، فالجيش لا يمكنه قبول وقف الحرب قبل دمج مليشيا الدعم السريع، في حين يرفض حميدتي مناقشة هذا الأمر، ويرى أن تقاسم السلطة هو السبيل الأمثل لذلك، مع بقاء قواته بأسلحتها دون هيكلة أو دمج”.
تصريحات متباينة
وعلى الرغم من هذه الخطوة فإن طرفي الصراع لا يزالان يبعثان برسائل تشير إلى إمكانية عودة المواجهات بينهما، وإفشال أي تقدم في المفاوضات الجارية.
وكان المتحدث باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبد الله، قال إن محادثات جدة ستبحث الجوانب التي تتعلق بالهدنة، “من أجل خدمة الأغراض الإنسانية أولاً”، مؤكداً: “إننا لا نبحث اتفاقاً نهائياً لوقف إطلاق النار، بل نبحث تمديد الهدنة وآليات ذلك”.
أما المستشار الإعلامي لقوات الدعم السريع أحمد عابدين، فقد قال إن “المعضلة في اجتماع جدة تتمثل في تعدد مراكز اتخاذ القرار داخل الجيش”، الذي قال إنه “ليس لديه موقف ثابت إلى الآن حتى في ما يلي الالتزام بالهدنة، وهو ما يجعل فرضية عرقلة أي مسعي للتوافق قائمة، لاعتبار أن هنالك طرفاً آخر أشعل هذه الحرب ويريد وقفها بشروطه”، على حد قوله.
ويساور القلق السودانيين الذين ناضلوا من أجل الحكم المدني من عودة العهد الماضي، وأن تتيح الفوضى للجيش إحكام قبضته على السلطة، إلى جانب عودة أفراد من حكومة البشير إلى السلطة.