التغيير المناخي…موجة من الحشرات الحاملة للأمراض تستهدف بريطانيا
Share
نادراً ما يخطر في بال البريطاني العادي التحقق من وجود حشرات القراد ticks في محيطه. ربما يكون ذلك أثناء رحلة تخييم عائلية، أو بعد قرار طائش بسلوك طريق مختصر مجتازاً بعض الأعشاب الطويلة. ليس مستغرباً غياب حذرنا، ذلك أن الحياة البرية الطيعة في بلادنا لا تشكل خطراً يذكر على صحتنا.
اسأل نفسك: متى كانت آخر مرة غطيت فيها ساقيك قبل ممارسة التنزه لمسافات طويلة، أو ربما أفضل من ذلك، متى أحضرت معك أداة إزالة القراد؟ ومع ذلك، فإن الأخبار الأخيرة عن “فيروس التهاب الدماغ المنقول بالقراد” TBEVتسلط الضوء على أن جزيرتنا الصديقة آخذة في التغير، إلى حد أنها ربما تجعل فقرة مهمة “بوش تاكر”bushtucker [في برنامج “أنا من المشاهير” يخوض خلالها المشاركون تحدياً يضم مجموعة من الثعابين والديدان والصراصير والعناكب وغيرها] تبدو وكأنها مجرد نزهة. في الواقع، ربما لا تكون موجة جديدة من الحشرات الناقلة للأمراض، التي يؤججها تغير المناخ، بعيدة أبداً من الوصول إلينا.
على رغم أن تغير المناخ يؤدي دوراً مباشراً في حالات صحية مثل أمراض الجهاز التنفسي، فإن أحد أكبر مخاطره الصحية يكمن في السلوكيات المتغيرة للحيوانات التي في مقدورها أن تنقل الأمراض إلى البشر، بدءاً من الطيور وصولاً إلى البعوض، وطبعاً حشرات القراد.
في السابق، لم تُرصد الإصابة بـ”فيروس التهاب الدماغ المنقول بالقراد” قط في المملكة المتحدة. والآن لدينا ثلاث حالات مؤكدة منذ عام 2019.
الحشرات الحاملة للمرض، المعروفة باسم “النواقل” vectors، تنشر المرض من طريق نقله إلى المضيفين، ولكن بلدنا المريح كان على مر التاريخ بارداً جداً على نحو لا يوفر أرضاً مثالية لتكاثر تلك النواقل (وحصولها على الغذاء). لاحظ استخدام الزمن الماضي، لأن المملكة المتحدة في طريقها إلى أن تصبح وجهة موقتة للحشرات الناشرة للأمراض المتكاثرة بالطقس الحار.
ولا شك في أن الافتقار إلى المعلومات بشأن الاحتماء من القراد يبعث على القلق، ولكن هذه الحشرات ليست الوحيدة التي تتطلع إلى بلوغ شواطئ ألبيون.
حمى الضنك dengue، مثلاً، مرض استوائي ينتشر من طريق البعوض ويسبب الحمى والقيء، ويؤدي إلى الموت إذا بقي من دون علاج. بسبب ارتفاع درجة حرارة الكوكب يبقى البعوض على قيد الحياة لفترة أطول، ويتكاثر بشكل أكبر، ويلسع مرات أكثر.
ورد في إحدى الأوراق البحثية الصادرة عام 2019 أن 60 في المئة من سكان العالم سيكونون معرضين لخطر الإصابة بحمى الضنك بحلول 2080. الأمر بسيط [خلاصة الأمر]: مع ارتفاع درجة حرارة الأماكن، تجد مجموعات البعوض مستعمرات جديدة لها. ما عليك سوى العودة إلى العام الماضي والنظر عبر القنال الإنجليزي كي ترى إلى أي مدى بات وشيكاً تسجيل المملكة المتحدة الإصابة الأولى.
لكنها ليست مجرد حرارة. والأسوأ من ذلك أن اختلاف درجات الحرارة يؤثر أيضاً في الوقت الذي يستغرقه الفيروس في التكاثر ثم الانتقال إلى مضيف مختلف، ما يُعرف باسم فترة الحضانة الخارجية أو “إي آي بي” EIP.
أظهرت ورقة بحثية نُشرت عام 2020 في المجلة العلمية “إيبيديمكس” Epidemics أن التقلبات في درجات الحرارة التي تتميز بها مناخات على شاكلة مناخ المملكة المتحدة يمكنها في الواقع أن تفاقم خطر انتشار المرض.
لذا، في حين أن البلدان الحارة على مدى التاريخ تصبح منكوبة [أرض بور] وغير صالحة للعيش بالنسبة إلى الإنسان والحيوان على حد سواء، فقد تقع المملكة المتحدة في منتصف المنطقة المعتدلة الصالحة للسكن أو ما يسمى “غولديلوكس”، حيث تعمل كشكل من حاضنة تتكاثر فيها الحشرات وتوسع نطاقها.
في الواقع، بلغت بعض المناطق في المملكة المتحدة هذه المرحلة فعلاً.
وإلى جانب هذه العوامل، يبرز اتصال وثيق بين الأنواع الحية التي كانت لتكون في ظروف أخرى بعيدة من بعضها بعضاً (سواء بسبب استنفاد [خسارة] الموائل أو تربية المواشي وزراعة المحاصيل)، ما سيخلق وضعاً مثالياً للنواقل كي تزدهر وتنتشر.
أياً مما تقدم لا ينبغي أن يقع وقع المفاجأة. طوال عقود من الزمن، نهض العلماء ببحوث حول التحول في انتشار الأمراض. يشير التقرير الأحدث الصادر عن “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ”IPCC إلى أن تدابير مثل المراقبة، وأنظمة الإنذار المبكر، وتطوير اللقاحات المضادة من شأنها أن تساعد في التصدي لها. ولكن، يبدو أن حكومتنا [الحكومة البريطانية] لم تعد العدة لذلك.
تواجه المملكة المتحدة مشكلة هجرة، ولكن المقصود ليس هجرة الناس. بل هجرة [مسببات] المرض إلى أمة غير مؤهلة أبداً للتعامل معها، وهذا ما تمس الحاجة إلى أن نوليه جميعاً الاهتمام والأولوية. بينما ترفع الحكومة البريطانية صوتها أمام اللاجئين القادمين إليها على متن قوارب صغيرة وتشدد الإجراءات بشأنهم [إجراءات الصد]، حري بها أن تقلق من الحشرات [وليس البشر] التي تعبر القنال الإنجليزي فهي السبب الأكثر مدعاة للقلق.
جورج فرانسيس لي المحرر المشارك في مجلة “ذا باثولوجيست” The Pathologist.