يتطلب تصنيع المنتجات التي لا تصدر انبعاثات كربونية كبيرة كميات هائلة من الموارد من مشاريع التعدين، ما يعني أن خفض الانبعاثات من المرجح أن يؤدي أيضاً إلى مخاطر بيئية وأخرى مرتبطة بحقوق الإنسان.
كيف يحدث ذلك؟
إن التكونولوجيات الحديثة على مختلف أنواعها، من سيارات كهربائية وتوربينات الرياح والألواح الشمسية، تُستخدم في صناعتها معادن فريدة من نوعها، وبينها هناك عدّة معادة بدأت تنقص أكثر وأكثر وتهدّد استدامة الإمدادات.
وهذا يعني أنه سيكون على صنّاع السياسة حول العالم الذين يسعون إلى نقل البشرية من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة الخالية من الانبعاثات الكربونية، حلّ معضلة أخرى وأزمة كبيرة يسببها استخراج تلك المعادن.
تعليقاً على هذا الأمر يقول جيم وورمينغتون، من منظمة هيومن رايتس ووتش إن “الطاقة النظيفة شيء ممكن تحقيقه ولكننا لا نزال بعيدين جداً عن تحقيق هذا الهدف”. ويضيف وورمينغتون أن الطلب المتزايد على المعادن التي تحتاج إليها صناعة تكنولوجيا الطاقة الحديثة له كلفة كبيرة على المجتمعات الأضعف وعلى العمال أيضاً.
أية معادن تحديداً؟
يبرز الليثيوم كمثال واضح على ما يقوله وورمينغتون. فالليثيوم أساسي في صناعة البطاريات الحديثة. وتقدر وكالة الطاقة الدولية أنه سيتعين على أكثر من 50 منجماً لليثيوم أن تفتح في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2030 لتلبية أهداف البلدان الخالية من الانبعاثات.
ولكنّ انفجار صناعة الليثيوم واستخراجه قد تؤزم المشاكل البيئية والتصحّر في بعض الدول. في تشيلي وبوليفيا مثلاً، يهدّد استخراج الليثيوم الذي يتطلب كميات ضخمة من المياه أنواعاً من الحيوانات والطيور. وفي نيفادا الأمريكية، يخاف مربّو الماشية من أن تلك الصناعة ستؤدي إلى شحّ كبير في المياه يهدد أعمالهم ومستقبلهم.
ومع الاقتراب أكثر من عصر الطاقة النظيفة، من المتوقع أن يرتفع الطلب على مجموعة من المعادن، من المواد الموجودة في كل مكان مثل النحاس -وهو أحد المركبات الرئيسية لأنظمة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من التقنيات منخفضة الكربون- إلى المعادن غير المعروفة مثل الغاليوم.
إن إعادة تدوير المعادن لخفض عمليات الاستخراج قد تشكل مخرجاً من الأزمة. وإعادة التدوير ممكنة تقنياً ولكن يجب دعمها وإنشاء بنى تحتية خاصة بها من أجل تفعيلها بالطريقة الأنسب.
وإضافة إلى إعادة التدوير، هناك محاولات أخرى: لقد بادرت الشركات المصنعة لبطاريات للسيارات الكهربائية منذ سنوات إلى تصنيع بطاريات من دون معدن الكوبالت، أو بالقليل جداً منه، وذلك بعد انتشار تقارير عن عمالة الأطفال في الكونغو الديمقراطية، أكبر مورّد للكوبالت في العالم.
ولكن بعض المسؤولين يقولون إن ذلك ليس كافياً، بينهم سامنتا باورز، المسؤولة في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. فباورز قالت في قمة كوب27 في شرم الشيخ في تشرين الثاني-نوفمبر الماضي إنه من غير المقبول أن تصبح “المعادن الخضراء مصدراً للعنات في المستقبل”.
وكان البنك الدولي حذر في تقرير له نشر عام 2020 من أنه إذا تمت إدارة استخراج الموارد بشكل سيّء ، فسيلحق ذلك ضرراً بالإجراءات المتخذة لمكافحة التغير المناخي. وأضاف التقرير أنه من الضروري جداً ألا يتم إنتاج هذه التقنيات والتخلص منها على حساب الناس والبيئة.