فوضوية العلاقات الدولية

منذ ان وضعت الحرب الكونية الثانية أوزارها وان مفهوم العلاقات الدولية ومن خلال تعريف العالم التي كانت تحكمه قوتان عالميتان (الشرقية أي الاتحاد السوفيتي والغربية أي أمريكا ومجموعة الدول الحليفة لأوروبا الغربية)؛ كان يحمل توازنا نسبيا للقوة إلى جانب التكتلات المحددة من الجغرافيا السياسية. في هذا التوازن النسبي كانت الناتو ووارسو حلفاء الغرب والشرق في الجانب العسكري، وكانت الحدود بينهما واضحة. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وكذلك انهيار جدار برلين العازل بين شرق ألمانيا وغربها، وظهور الاتحاد الأوروبي، أصبح العالم ينتظر إقامة توازن جديد في العلاقات الدولية.

لقد تغير تعريف العلاقات الدولية بالقوة التقنية والاقتصادية وكذلك السياسية والعسكرية الجديدة وخاصة في الفترة الزمنية القصيرة التي شهدت ظهور الصين القوية وعلى ارض الواقع فان دول شرق آسيا برمتها وبعد انتهاء الحرب الفيتنامية أصبحت مؤشرا مؤثرا في العلاقات الدولية، إذ أصبحت العلاقات الدولية بمجملها بمؤشرات ثلاثة ومحورية قوى عظمى أي أمريكا وروسيا والصين، أي الدول التي تمتلك الأسلحة النووية، وبعد الحصول على حق النقض الدولي في مجلس الأمن، أصبحت تتولى زمام التوازن في العلاقات الدولية.

في يومنا هذا فانه يجب البحث عن أهم عامل في الاخلال بالتوازن الدولي  في معادلة القوة وتهديد المصالح في الجغرافية السياسية وتنافس القوى العظمى الثلاثة أي روسيا وأمريكا والصين؛ هذا وان ظاهرة الحرب الأوكرانية وكذلك أزمة احتمال اندلاع الحرب حول تايوان إلى جانب الفقر المهيمن على أجزاء كبيرة من الدول في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية قد قضت على كل الاتفاقيات السابقة في العلاقات الدولية، وأصبحت الفوضى في العلاقات الدولية أهم وأبرز مؤشر عند تعريف العالم، مع ان الاستفادة من قوة تقنية التواصل وسرعة وسعة المعلومات والبيانات تقلل من مخاطر الفوضى في العلاقات الدولية دائما.

يرى العديد من خبراء العلاقات الدولية بان مستقبل العلاقات بين الحكومات والدول، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، تعتمد على كيفية استمرار “حرب أوكرانيا” أو نهايتها. في معظم هذه التنظيرات، التي تصف الحرب في أوكرانيا بأنها مواجهة بين بوتين وبايدن، يعتبر التحذير من مواجهة نووية بين القوتين العظيمتين، أي أمريكا وروسيا، خطرا حقيقيا. يجري الحديث في نقد ما جرى عن تهجير ما يقرب من 10 ملايين مواطن أوكراني وأن معظم الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا وفرنسا، تعاني من العبء الثقيل لتكاليف هذا النزوح. بينما مستقبل استمرار الحرب في أوكرانيا لم يتضح بعد! مع تصاعد الأزمة بشأن تايوان، تريد أمريكا أن تدخل الصين في مواجهة عسكرية خطوة بخطوة. بلغت حدة مخاطر فتح جبهة أخرى من أمريكا إلى الصين بشأن شعار “تايوان دولة مستقلة” درجة إذ جعلت “ماكرون” بعد زيارته للصين وإجراء محادثة مباشرة مع الرئيس الصين يقول: “على أوروبا أن تتجنب الانجرار إلى المواجهة حول تايوان وتقلل اعتمادها على الولايات المتحدة.”

فسرت معظم وسائل الإعلام خبر زيارة الرئيس الصيني لموسكو ومحادثته المباشرة التي استمرت ست ساعات مع بوتين على أنها علامة على فوضى العلاقات الدولية وعلامة تحذير من خطر امتداد حرب الناتو في أوكرانيا إلى حرب نووية. وفي نهاية لقائه مع الرئيس الروسي قال الرئيس الصيني: “لقد تم الحصول على خطة مفصلة لإنهاء الحرب في أوكرانيا”. لكن لا يوجد حتى الآن أي خبر عن انتهاء الحرب، ولا حتى وقف إطلاق نار مؤقت يحظى بتأييد الطرفين!

في الشرق الأوسط وخاصة منطقة الخليج احدث اتفاق طهران-الرياض في بكين وبالتالي قرب فتح سفارات البلدين بعد سبع سنوات من قطع العلاقات السياسية بينهما صدمة كبيرة سياسيا وخبريا، إذ مازال استئناف العلاقات بين طهران والدول العربية في الخليج يمثل حدثا مدويا لنتنياهو وقادة الكيان الصهيوني، إذ لفت خبر نشر في وسائل الإعلام الغربية مفاده ان أمريكا أعلنت مؤخرا في ردة فعلها على هجمات المليشيات التي تحظى بدعم حكومة إيران في العراق وسوريا ولبنان والمناطق الفلسطينية على مواقع أمريكا وإسرائيلية، بأنها أرسلت غواصة تحمل صواريخ موجهة إلى البحر الأحمر، وكتبت صحيفة وول استريت جورنال بان تحركات الغواصة لا تظهر في الغالب إلا إذا أرادت أمريكا ارسال رسالة من خلال هذه التحركات.

ان مجمل هذه الأخبار سواء حول الحرب الأوكرانية أو جنون الحرب لدى نتنياهو وحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل التي تقوم بشن الهجوم في المسجد الأقصى على المصلين في شهر رمضان المبارك أو التهديد المستمر بشن هجوم عسكري على سوريا ولبنان، يظهر الاضطراب والفوضى في العلاقات الدولية إذ تقرع جرس إنذار اندلاع حرب شاملة.

المصدر: صحيفة اطلاعات

————————

المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

قد يعجبك ايضا