مع تجدد انفجار الغضب الفلسطيني جراء اعتداءات إسرائيلية متكررة في شهر رمضان المبارك على المسجد الأقصى في مدينة القدس المحتلة، تتصاعد مخاوف في إسرائيل من احتمال اشتعال الأوضاع على كل الجبهات أو حتى اندلاع مواجهة عسكرية مع فصائل قطاع غزة على غرار معركة “سيف القدس” (2021)، لاسيما في ظل حالة انقسام بين الإسرائيليين.
وفجر الأربعاء، أصيب عشرات الفلسطينيين في اقتحام شرطة الاحتلال للأقصى، فيما جرى اعتقال أكثر من 350 آخرين، بعد أن أطلقت قنابل صوتية ومسيلة للدموع باتجاه المصلين في المصلى القبلي المسقوف، ثم الاعتداء عليهم بالضرب المبرح بالهراوات.
وأظهرت مقاطع فيديو الشرطة وهي تدمر أحد شبابيك المصلى قبل إلقاء قنابل صوتية على المصلين، كما اعتدت على طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني ومنعتها من الدخول إلى المسجد لمساعدة المصابين، بحسب بيان للجمعية.
ويقول الفلسطينيون إن إسرائيل تكثف عمليات تهويد القدس، بما فيها الأقصى، وطمس الهوية العربية والإسلامية للمدينة، وهم يتمسكون بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المأمولة، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية، التي لا تعترف باحتلال إسرائيل للمدينة عام 1967 ولا بضمها إليها في 1981.
اعتداءات “عيد الفصح”
اعتداءات قوات الاحتلال على المصلين والأقصى تأتي عشية “عيد الفصح” اليهودي، الذي يبدأ من غروب شمس الأربعاء 5 أبريل/نيسان الجاري ويستمر حتى 12 من الشهر ذاته؛ ما ينذر باحتمال تصاعد المواجهات.
وتحرض حركات إسرائيلية متطرفة على اقتحام الأقصى، وبينها حركة “عائدون لجبل الهيكل” التي رصدت مكافأة 20 ألف شيقل لكل مستوطن يتمكن من ذبح “قربان الفصح” داخل الحرم القدسي.
كما رصدت 5 آلاف شيقل لكل مستوطن يتم اعتقاله أو منعه من إدخال القربان إلى الحرم القدسي، داعيةً المستوطنين إلى التجمع مساء الأربعاء عند المسجد الأقصى.
وإجمالا، تشهد القدس الشرقية وضواحيها تزايدا في التوتر منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، برئاسة بنيامين نتنياهو، في 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والتي يصفها إعلام عبري بـ”الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل”.
قصف متبادل مع غزة
“العدوان الصهيوني على الأقصى” وصفته فصائل فلسطينية، فجر الأربعاء، بأنه “جريمة كبرى” تستهدف “إشعال الحرائق في فلسطين والمنطقة”، ودعت سكان الضفة الغربية، بما فيها القدس، إلى حماية الأقصى والرد على الاعتداءات الإسرائيلية “بكل قوة وبكافة الأدوات”، معتبرةً أن “المواجهة باتت حتمية مع الاحتلال في الأيام القادمة”.
تلك الدعوات جاءت في بيانات منفصلة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) والجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين وحركات الجهاد الإسلامي والمجاهدين والأحرار.
وردا على اعتداءات قوات الاحتلال، أطلقت فصائل فلسطينية، فجر الأربعاء، 20 صاروخا من قطاع غزة باتجاه الأراضي الإسرائيلية، فيما قال الجيش الإسرائيلي إنها 10 صواريخ وأصاب أحدها مصنعا في سديروت (جنوب).
جيش الاحتلال، وبعد ساعات، شن غارات على مناطق في وسط قطاع غزة، زاعمًا أنها استهدفت “موقعا لإنتاج أسلحة وآخر لتصنيع وتخزين وسائل قتالية تستخدمهما حماس”، على حد قوله.
فيما شارك عشرات من الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس، فجر الأربعاء، في مسيرات عفوية نصرةً للمسجد الأقصى، ورفضًا لاعتداءات شرطة الاحتلال على المصلين فيه.
إدانات عربية وإسلامية
ومحملةً إسرائيل مسؤولية تصاعد العنف وتقويض جهود التهدئة، أدانت كل من السلطة الفلسطينية والسعودية ومصر وقطر والأردن والجامعة العربية وتركيا وإيران اقتحام شرطة الاحتلال للمسجد الأقصى واعتداءها على المصلين، بحسب بيانات منفصلة.
وزارة الخارجية الفلسطينية قالت، في بيان، إن “هذه الاعتداءات والاقتحامات تندرج في إطار قرار إسرائيلي رسمي لتكريس التقسيم الزماني للمسجد الأقصى المبارك ريثما يتم تقسيمه مكانيا وضمن عمليات أسرلة وتهويد القدس وفرض السيطرة عليها وتفريغها من المواطنين الفلسطينيين”.
وأكدت السعودية “رفضها القاطع لهذه الممارسات التي تقوّض جهود السلام وتتعارض مع المبادئ والأعراف الدولية في احترام المقدسات الدينية”، وجددت الإعراب عن “موقفها الراسخ في دعم جميع الجهود الرامية إلى إنهاء الاحتلال والوصول لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية”.
فيما دعت مصر المجتمع الدولي إلى “تحمّل مسؤوليته في وضع حدّ لتلك الاعتداءات وتجنيب المنطقة المزيد من عوامل عدم الاستقرار والتوتر”.
وقالت قطر إنها “تعتبر هذه الممارسات الإجرامية الوحشية تصعيدًا خطيرًا وتعديًا سافرًا على الأماكن المقدسة وامتدادًا لسياسة تهويد القدس واستفزازًا لمشاعر أكثر من ملياري مسلم في العالم، لا سيما في شهر رمضان”.
أما الأردن فطالب إسرائيل “بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، بوقف انتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني والكف عن جميع الإجراءات المستهدفة تغيير الوضع التاريخي والقانوني في القدس ومقدساتها”.
كما احتج شباب أمام السفارة الإسرائيلية في عمّان، منددين بالاعتداءات الإسرائيلية وبمَن يدعون إلى المفاوضات والسلام في ظل تلك الاعتداءات.
فيما دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، عبر بيان، الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (15) إلى “التحرك بسرعة لدفع إسرائيل لوقف هذا التصعيد الخطير الذي ينذر بإشعال الموقف في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في كلمة خلال ورشة عمل بأنقرة: “أُدين بشدة واستنكر ما تقوم به إسرائيل ضد أناس يمارسون عباداتهم والتعبير عن إيمانهم وعقيدتهم”.
وداعيةً إلى “رد فعل فوري من العالم الإسلامي وأحرار العالم والمحافل الدولية المسؤولة”، قالت إيران إن الاعتداء الإسرائيلي “يكشف مرة أخرى للعالم طبيعة هذا الكيان الإجرامية ومعاداة حقوق الإنسان”.
إشعال المنطقة
وفي ظل انقسام حاد داخل إسرائيل جراء مشروع حكومي لإدخال تعديلات على منظومة القضاء، تتزايد مخاوف إسرائيلية من أن يقود تفجر الأوضاع في المسجد الأقصى والقدس عامة إلى إشعال كل جبهات إسرائيل الداخلية والخارجية في المنطقة.
وخلال حفل تخرج دفعة جديدة من ضباط الاستخبارات، حذر رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) الجنرال أهارون حاليفا، الإثنين، من أن “أصداء الخلافات الإسرائيلية وصلت إلى أبواب أجهزة المخابرات والجيش، في حين أن التهديدات ضدنا تعمل بلا كلل خلال النهار والليل من جميع الجبهات”، بحسب إعلام إسرائيلي.
وباعتداءاتها الجديدة على المسجد الأقصى والمصلين في رمضان تخاطر إسرائيل بتكرار ما حدث عام 2021، حين اندلعت احتجاجات ومواجهات شرسة في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر (الأراضي المحتلة عام 1948)، بالإضافة إلى مواجهة عسكرية استمرت 11 يوما بين جيش الاحتلال وفصائل قطاع غزة تحت اسم “سيف القدس”.