العلماء والإمارة الإسلامية في افغانستان… النزوع نحو الاعتدال أم التطرف؟

في ظل ظروف أدار أفغانستان ظهره إلى حد كبير للعالم، كيف يمكن ان يترك علماء البلد تأثيرهم الكبير على إستراتيجية حكومة طالبان، وكيف سيكون هذا التأثير؟

بعد الإطاحة بالحكومة السابقة في أغسطس عام 2021 سيطرت طالبان بسرعة وبقوة على البلاد، وقد تكون الحركة في المراحل الأولى من ممارسة الحكم، ولا ترغب بالمساومة على إستراتيجية الحكومة أو الاستماع إلى التوصيات الخارجية، لكن طالبان قد طلبت من علماء الدين إضفاء الشرعية على حكومتها وتقديم المشورة لها. مهما كان الأمر فان العلماء هم العمود الفقري لطالبان كونها حركة دينية ويرى قادة طالبان أنفسهم علماء دين.

كانت الحركة ملتزمة منذ بدء تأسيسها بعام 1994 بتطبيق الشريعة ولو قامت بإجراء تغييرات كثيرة في التزامها هذا، ان العلماء على المستوى الداخلي لا يصنفون في خانة واحدة، وان أوضح تصنيف هو تقسيمهم إلى السنة والشيعة، إذ يشكل الشيعة ما يقارب 15 بالمائة من عدد سكان البلد، ومع انه فاوض عدد من كبار علماء الشيعة طالبان لكنهم ليسوا بقريبين من قيادة طالبان، هذا وهناك مختلف التصنيفات بين السنة أنفسهم، وأهمها السلفيين والحنفيين، ان السلفيين يشكلون ما يقارب 5 بالمائة من عدد السكان وحصة علماءهم قد تكون بهذه النسبة، أعلن هبة الله آخوند زادة زعيم طالبان بان تفسير الشريعة يكون وفقا للفقه الحنفي، هناك مختلف المقاربات والنزعات بين ما يقارب 80 بالمائة من علماء الحنفية ومنهم أهل السنة والجماعة إذ يتبنون مقاربات سلفية، وإنهم جماعة هامشية بامتياز في أفغانستان، وهناك الفرق الصوفية وبالرغم من أفولها لفترة طويلة إلا أنهم مازالوا قوة مؤثرة؛ وكذلك الجماعات المتأثرة بالإخوان المسلمين التي ليست متحدة لكن لها أهمية بشكل أو بآخر وهناك جماعات أخرى.

ان العلماء المؤثرين على قيادة طالبان كلهم من الحنفية المتأثرون بفرقة الديوبندية، فرقة لها شعبية كبيرة في باكستان، ان الكثير من الصوفيين والإخوان المسلمين وأهل السنة والجماعة لهم علاقة بطالبان أو يدعمونها، لكن بشكل عام لا علاقة لهم بكبار قادتها، ان العلماء المرتبطين بشبكة حقاني قريبون من الإخوان المسلمين أو حتى أهل السنة والجماعة أكثر من الديوبندية كما أنهم قريبون من وزير الداخلية في طالبان سراج الدين حقاني لكن ليس لهم علاقة بآخوند زادة.

في يومنا هذا هناك قليل من الأدلة حول معارضة علماء الحنفية مع الإمارة الإسلامية ويبدو إنها تحظى بدعم كبير على اقل تقدير بين البشتون، يبدو ان الكثير من العلماء يرغبون بالمشاركة في إدارة نموذج الحكم أي الإمارة الإسلامية في أفغانستان، أو اجروا مفاوضات مع طالبان في هذا المجال، ان جماعات من العلماء المحيطين بطالبان وحتى الشيعة منهم قدموا الكثير من المناقشات في هذا المجال، لكنهم لم يعثروا على نتيجة ملموسة في هذا المجال، ونظرا إلى اعتماد طالبان على القوانين الدينية الصارمة والمتشددة في كل القضايا السياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية فهناك احتمال بان بعض العلماء بإمكانهم التقرب والنفوذ الكبير داخل الإمارة، كما اجتمع في 30 يونيو 2022 ما يقارب ثلاثة آلاف عالم ديني المؤيد لحكم طالبان في اجتماع مؤتمر العلماء الكبير في كابول.

من الصعب تحديد نفوذ ودور العلماء داخل إمارة طالبان ولم يتم القيام بالكثير من العمل في هذا الصدد حتى الآن. وفقا لمصادر داخل حكومة الإمارة وحركة طالبان، فإن مستوى علم علماء الإسلام لا يحدد تلقائيا قوتهم ونفوذهم داخل طالبان: تخلت طالبان عن أحد العلماء الذين تربطه علاقات طويلة الأمد بالقائد العسكري للحكومة السابقة بسبب شعبيته، ومعرفته الواسعة بالإسلام. في الوقت نفسه، يمكن لعالم آخر أن يعارض مباشرة سلطات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسبب الدعم الشعبي والمكانة الدينية العالية له. في الواقع، مستوى العلماء ليس مهما هنا، والنفوذ في صفوف طالبان يعتمد على عوامل أخرى. يبدو أن تأثير العلماء الأفغان في صفوف طالبان يتحدد وفق ثلاثة معايير:

  • التأييد السياسي لطالبان، حتى لو دعم بعض العلماء بعض سياسات طالبان فهذه القضية لا يمكن ان توفر الأرضية لنفوذهم الكامل داخل حركة طالبان.

  • العلاقات الشخصية ومكانة الأفراد داخل طالبان، ومنهم المكانة القبلية والجغرافية والعائلية والتجارية والرسمية داخل البنية التنظيمية، ومن المعمول به ان يكون للعلماء أقارب في الحكومة، إذ ان الكثير من العلاقات مؤسسة على العلاقات القديمة أو الأسرية، وبشكل عام ان العلماء المقربين من قيادة طالبان يمكنهم التمتع بنفوذ كبير داخل الحركة.

  • القوة الشخصية، أي نوع من القوة الشخصية قد تحصل عبر المشاركات المباشرة أو غير المباشرة، على سبيل المثال قد يكون هناك قائد ناشط أو مدرس أو مدير مدرسة يقوم بتربية مئات الآلاف للانضمام إلى الإمارة، ان الأعضاء المدنيين لجبهة عسكرية يمكنهم عبر إلقاء خطاب في الصلاة الجمعة النفوذ في صفوف طالبان دون ان يكون لهم منصب رسمي. هناك عدد قليل من العلماء ليس لديهم أي علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع طالبان لكن في حال تسلحهم بالمعرفة الدينية الكبيرة أو التمتع بدعم محلي؛ الحصول على مستوى عال من النفوذ.

فضلا عن هذه المعايير الثلاثة، فإن النمط العام لطالبان هو تفضيل العلماء المحافظين الذين كانوا بالفعل في حركة طالبان أو المرتبطين بشكل وثيق مع طالبان. العلماء الذين قد يعتبرون معتدلين أو مهتمين بالتفاعل مع المجتمع الدولي لديهم فرصة أقل بكثير للنفوذ والارتقاء. هذا هو المناخ الذي أوجدته طالبان من خلال التحول المنهجي للبيئة السياسية والاجتماعية من أجل تشجيع الناس على الانحياز لهم ومنعهم من المعارضة.

ان الشيوخ من العلماء الذين يتمتعون بمستوى عال من العلم الإسلامي يحظون أهمية خاصة لدى طالبان ويمكنهم دون الحاجة إلى أي آلية أخرى الوصول إلى أعلى مستوى تنظيمي، ان قيادة طالبان تستشيرهم في قضايا مهمة منها سياسات الإمارة؛ وحسب قائد في الحركة يصل عدد هؤلاء العلماء إلى 50 شخصا وان قادة طالبان تستفيد منهم في المشورة والإرشاد، ولا يشاركون نيابة عن الإمارة أو حتى بشكل شخصي في الاجتماعات ويجتنبون الظهور في أي وسيلة إعلامية.

ان طالبان حريصة على ركيزتها الأيديولوجية. إنهم يحاولون زيادة سيطرتهم على الأجواء السياسية من خلال دعم العلماء المؤيدين لأفكارهم ومن لديهم علاقة بالحركة والمتحالفين سياسيا معهم، وكذلك من خلال استبعاد العلماء المعتدلين أو الساخطين. ان الوصول والنفوذ في المقام الأول هو من نصيب العلماء المقربين من مركز القيادة العليا لطالبان. لذلك، يبدو أن هذا المستوى من التقارب لا يمكن تحقيقه دون وجود مستوى من الراديكالية الأيديولوجية -حتى لو كانت هناك عوامل أخرى متداخلة في هذا المجال. لذلك، يتم عزل العلماء المؤثرين بشكل منهجي عن التفاعل مع الأجانب ويقل احتمال نزوعهم نحو الاعتدال الديني. هناك العديد من العلماء “المعتدلين” في طالبان يريدون التفاعل مع المجتمع الدولي أو دعم تعليم النساء والفتيات، لكن هؤلاء الأشخاص ليسوا بالضرورة نفس الأشخاص الذين تريد قيادة طالبان التشاور معهم.

وجهات النظر

بالرغم من سيطرة علماء غير المحافظين على مركز استشارة قيادة طالبان فان التعامل الداخلي والخارجي لطالبان يظهر بان الأغلبية في الجانب النظري يؤيدون التعامل الخارجي، أو انه يمكن إقناعهم بهذا الأمر وقيمته، فيما يتعلق ببعض العلماء فان هذه النظرة مؤسسة على تجارهم السابقة في العمل مع المنظمات الدولية في أفغانستان، لكن الآخرين يتبنون مقاربة براغماتية شريطة تأييد أفكارهم على يد طالبان، أو ناجمة عن رغبة ضمنية للتأكد من الاعتراف بنظام طالبان على المستوى الأعلى. هذا يعني ان المعارضة المتشددة لأي نوع تعامل خارجي تعد أقلية.

لا ننسى بان هناك قلة من العلماء يبررون استخدام كل أشكال العنف في التعامل مع المعارضة ومنهم من قال بان من يعارض الإمارة فلابد من قطع رأسه، لكن جل العلماء ووفقا للتجارب السابقة في مجال حلحلة النقاشات داخل الجماعة والتوسط بين مختلف الجماعات وطالبان فأنهم يعارضون العنف، أو يبررونه في ظروف حربية أو الوقوف بوجه الغزاة.

كما ان الكثير من العلماء يوافقون على دراسة الفتيات ويعارضون في العديد من الحالات المقاربات المتشددة لوزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

آخر الكلام

ربما يكون العلماء المحافظون والانعزاليون المقربون من قادة طالبان قد أثروا عليهم في تبني سياسات مثل إغلاق المدارس الثانوية للبنات. لكن يبدو أنه من بين مجموعة العلماء الأقل نفوذا، تسود آراء أكثر براغماتية. الآن علينا أن ننتظر ونرى ما إذا كانت هذه الجماعات الأقل نفوذا في وضع يمكنها التأثير على طالبان؛ أو العكس هو الصحيح، بسبب التحولات المتزايدة في الأوضاع السياسية والاجتماعية التي يجريها قادة طالبان (من خلال تقديم الحوافز والعقوبات، بغية تشجيع القوات على الانصياع لتعليمات طالبان ومنع أي نوع المعارضة، خاصة على المستوى الوطني)، فقد يتأثر هؤلاء العلماء بالحركة.

يبدو أن قيادة طالبان وعلمائها المتطرفين توصلوا إلى استنتاج مفاده أنهم قدموا تنازلات كبيرة مقارنة بالإمارة الأولى: خلال الأشهر الخمسة عشر الأولى منذ عودة طالبان إلى السلطة، لم يتم تنفيذ عقوبة الحد. كانت المدارس الابتدائية والجامعات مفتوحة للفتيات؛ كما تم انتخاب بعض العناصر من غير طالبان نوابا للوزراء. لكن الأمور لا تبقى على حالها دائما. في منتصف نوفمبر، أصدر آخوند زاده أمرا للقضاة بتنفيذ عقوبة الحد. ربما يتم تحديد هذا المسار من خلال فهم قادة طالبان للتقدم المحرز في أفعالهم للتفاعل مع الحكومات الأجنبية وأيضا بناء على التطورات الداخلية لطالبان. على الرغم من أنه كان يُنظر لقيادة طالبان على أنها جزيرة منفصلة تماما، إلا أنها لم تكن قادرة على البقاء محصنة تماما من ضغوط جماعات الضغط والفصائل.

ان شبكات مختلف العلماء يمكنها أداء دورها في اتساع الفجوة بين العناصر المتشددة وكذلك في تعزيز الاعتدال، لا فرق في اتجاهات طالبان على العلماء إذ يبدو أنهم يبقون قنوات لتأثير مجموعة واسعة النطاق من اللاعبين على المستوى الداخلي والدولي على إمارة طالبان، على سبيل المثال فان المنظمات الشعبية والمؤسسات التجارية وبغية التقرب من قادة الإمارة وخاصة على مستوى الولايات، يعتمدون على العلماء، على هذا فان التأكيد على دور العلماء في ظل الظروف الراهنة لا يندرج ضمن القضايا المبالغ فيها.

المصدر: مطالعات شرق

————————

المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

قد يعجبك ايضا