تنتشر على شواطئ قطاع غزة تجمعات لشباب ومسنين يمارسون رياضة السباحة جماعياً رغم المنخفض الجوي. في البداية أثار الأمر ضجة مع انتشار صور بعض الممارسين، والتي علّق عليها كثيرون بشكل ساخر، وتساءل آخرون عن الهدف منها.
لكن أطباء في غزة أبدوا عبر الإذاعات المحلية دعمهم لهذه النشاطات، ونصحوا بها كأسلوب علاج خصوصاً لكبار السن وأصحاب الأمراض التي تصيب جهاز المناعة، وأولئك الذين يتعافون من جلطات.
في مخيم الشاطئ، غربي مدينة غزة، يجتمع ايهاب عطايا (48 سنة)، مع مجموعة من أصدقائه مرتين في الأسبوع للسباحة بعد أداء صلاة الفجر في المسجد، وقد وجد في السباحة وسط الجو البارد علاجاً له بعدما أصيب بجلطة في يده وساقه.
ويقول: “واجهت جلطة في يدي وساقي بسبب الضغوط النفسية التي جعلتني أبتعد 15 عاماً عن الرياضة، ثم نصحني طبيبي بممارسة الرياضة أمام الشاطئ والاستجمام لمدة قصيرة في المياه حتى لو كان الطقس بارداً. وكانت التجربة رائعة وثرية لمست فيها تحسناً كبيراً في مزاجي العام قبل أن تظهر نتائج تحاليل طبية أجريتها بنهاية يناير/ كانون الثاني الماضي تحسناً كبيراً في صحتي، وأخبرني طبيبي بأن دورتي الدموية متنشطة، وكذلك ليونة عضلاتي”.
وفيما بات العديد من أصدقاء عطايا في المخيم وأقربائه يرافقونه لمزاولة السباحة، يقول طبيب الأعصاب والعضلات أدهم نصر الله لـ”العربي الجديد”: “تساهم الرياضة والسباحة في الجو البارد في تحسين حالة الجسم البدنية والداخلية، باستثناء أصحاب أمراض القلب أو الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في القلب. أما بالنسبة إلى الأصحاء وأصحاب الأمراض الأخرى فتعزز السباحة النشاط واللياقة، وتخلّص الجسم من الطاقة السلبية وتستبدلها بطاقة إيجابية”،
يتابع: “أفضل مكان أو مصحة متاحة مجاناً للعلاج من كثير من الأمراض هو شاطئ بحر غزة، فالمياه الباردة تساعد في زيادة عدد خلايا الدم البيضاء نظراً إلى كون الجسم يتفاعل مع الظروف المتغيرة بمرور الوقت، كما تغسل الأوردة والشرايين والشعيرات الدموية”.
بدوره، ينتظم محمود أبو العنين (60 سنة)، بممارسة الرياضة على شاطئ بحر غزة منذ شتاء العام الماضي، ويؤكد أن صحته تحسنت وخفّت آلام المفاصل وعضلات الظهر التي كان يعاني منها بسبب تقدمه في السن، ويقول لـ”العربي الجديد”: العام الماضي كان الناس يصفونني حين أخرج إلى شاطئ السودانية، شمالي قطاع غزة، بأنني مجنون، ثم أصبحت السباحة وسط المنخفض تمارس وسط حضور قوي على شواطئ بحر القطاع”.
يضيف: “نعيش في مجتمع كئيب جداً، وقد تقاعدت قبل خمس سنوات، وعشت بعدها أسوأ سنوات حياتي الأربعة وسط الهموم والضغوطات والشعور بالمرض، ثم شاهدت أحد جيراني يخرج للسباحة وسط البرد، وتجرأت على أن أحذو حذوه. وفي البداية كان الناس يقولون لي أمكث في المنزل أفضل، إذ يعتقدون بأن المتقدم في السن يبقى في المنزل حتى يموت”.
ويشير مدرب اللياقة البدنية والسباحة ماهر أبو مرزوق، إلى أن ظاهرة السباحة في البرد انتشرت بشكل أكبر هذا العام، وأصبحت وسيلة للتفريغ النفسي واكتساب الحيوية واللياقة بالنسبة إلى الغزيين الذين باتوا أكثر جرأة من السابق، وأزالوا معتقدات خاطئة لديهم عن ممارسة رياضات مثل اليوغا”، ويوضح أنه يحرص على الوجود على الشاطئ ثلاث مرات أسبوعياً للقاء رجال وشبان ومسنين قد يصل عددهم إلى عشرات أحياناً.
يفحص أبو مرزوق درجات حرارة الطقس، ويحدد ارتفاع الموج، وإذا كانت توجد تيارات بحرية قرب الشاطئ كي ينتقل مع باقي الممارسين إلى مناطق آمنة، ثم يبداً برنامج تمارين التحمية الخفيفة وبعدها المتوسطة، ويرافق مجموعات تدخل المياه للسباحة لفترة بين 10 و15 دقيقة فقط لتجنب انخفاض درجة حرارة الجسم.
ويقول: “يحرص مدربون ومنقذون بحريون تابعون لبلديات قطاع غزة على الوجود وسط أكثر 30 فرقة من أجل نشر ثقافة الرياضة في محافظات غزة الخمس، علماً أن كل محافظة تضم مدرباً خاصاً معتمداً يملك خبرة وشهادة في الإنقاذ البحري، ويساهم بفعّالية كبيرة في متابعة الرياضة والسباحة وخلق بيئة صحية اجتماعية لا تنحصر في فصل الشتاء فقط بل تشمل الصيف أيضاً”.