لقد فرض الاتحاد الأوروبي حظرا على استيراد جميع واردات النفط الخام الروسي عن طريق البحر، ومنذ الخامس من شباط (فبراير)، تم أيضا تضمين واردات المنتجات النفطية. في الوقت نفسه فرض الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع حدا أقصى لسعر النفط الروسي المنقول بحرا عند 60 دولارا. هذه الإجراءات أعادت رسم خريطة تجارة النفط العالمية.
الهند والصين تستوردان الآن كميات قياسية من النفط الروسي. في كانون الثاني (يناير)، وصلت واردات الهند من النفط الروسي إلى مستوى قياسي، مرتفعة 9.2 في المائة على أساس شهري إلى متوسط يومي قدره 1.4 مليون برميل. أدى ارتفاع مشتريات النفط الروسي إلى انخفاض الواردات الهندية من الشرق الأوسط إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق بـ48 في المائة، في حين سجلت صادرات النفط والديزل من الشرق الأوسط إلى أوروبا أعلى مستوياتها منذ 2016 خلال الشهر الماضي.
في الوقت نفسه، قفزت الصادرات الروسية من النفط الخام وزيت الوقود إلى الصين إلى مستويات قياسية مع إعادة فتح الاقتصاد بعد التخلي عن سياسة صفر إصابات. وبلغ إجمالي واردات الصين في يناير أعلى مستوى لها في أي وقت منذ بداية الأزمة الأوكرانية قبل عام. حيث، بلغ إجمالي صادرات روسيا من النفط الخام وزيت الوقود إلى الصين 1.66 مليون برميل يوميا. هذا أكثر من الرقم القياسي السابق الذي تم تسجيله في نيسان (أبريل) 2020. ارتفعت تدفقات النفط الخام والمكثفات النفطية إلى 1.52 مليون برميل يوميا، أي أقل بقليل من الرقم القياسي المسجل منذ ثلاثة أعوام تقريبا.
مجتمعة، تستحوذ الهند والصين على أكثر من نصف إجمالي صادرات النفط الخام اليومية لروسيا، التي كانت قبل الأزمة الأوكرانية تبلغ في المتوسط نحو خمسة ملايين برميل في اليوم. كانت أوروبا تستوعب كثيرا من ذلك. الآن، تجد روسيا أسواقا جديدة. وظهرت خريطة جديدة بالكامل لتجارة النفط.
في هذا الجانب، ذكرت نشرة Energy Intelligence الشهر الماضي، أن ما لا يقل عن 20 شركة تجارية -وربما أكثر من ذلك بكثير- ترسل النفط الروسي إلى جميع أنحاء العالم، لتحل محل الشركات الكبيرة التي انسحبت من البلاد بعد أن بدأ الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع فرض عقوبات عليها بسبب الأزمة الأوكرانية.
لقد تركت شركات، مثل: فيتول، ترافيجورا، بريتش بيتروليوم، شل، وإكوينور نشاطها التجاري في روسيا، وتركت الساحة فارغة. لكن، يبدو أن ملء هذا الفراغ لم يستغرق وقتا طويلا، حيث امتلأت بشركات تجارية تم إنشاؤها حديثا لهذا الغرض، وتم إنشاء معظمها أخيرا خارج أوروبا.
إن الصفقات التي تجريها هذه الشركات بالنفط والوقود الروسي يتم تمويلها من قبل البنوك في الشرق الأوسط وتركيا، في حين تركت البنوك الأوروبية، السوق الروسية بسبب العقوبات. لكن، تم السماح أخيرا للشركات الأوروبية والأمريكية بالمشاركة في تجارة النفط الروسي بعد وضع مجموعة السبع سعرا أقصى للنفط الروسي عند 60 دولارا للبرميل. مع خروج الأوروبيين والأمريكيين، تحقق الشركات التي تم إنشاؤها حديثا مزيدا من الأرباح. ويتوقع المحللون مزيدا من هذه الشركات، وستستمر أسماؤها في التغير وسيصبح من الصعب معرفة من يقف وراءها وتتبع نشاطها.
يتم شحن كثير من النفط والوقود الروسي في هذه البيئة التجارية الجديدة من خلال ما يسمى أسطول ناقلات الظل الذي تبلغ قيمته نحو 2.2 مليار دولار، وفقا لـ”بلومبيرج”. أدى هذا إلى ارتفاع أسعار الشحن مرة أخرى، وساور البعض في الصناعة، القلق بشأن النقص الدائم في السفن لنقل النفط وأنواع الوقود الأخرى حول العالم.
وفقا لشركة ترافيجورا، يمكن أن يصل العدد الإجمالي للناقلات التي تم حجزها لنقل النفط الروسي إلى 600 ناقلة، منها 400 ناقلة نفط خام. ووفقا لشركات النقل البحري، سيتم تخصيص هذه السفن لتداولات الظل، وبذلك ستتم إزالتها فعليا من سوق النقل البحري.
في وقت سابق من الشهر الماضي، ذكرت وكالة الطاقة الدولية أن كلا من إنتاج النفط الروسي وصادراته قد أثبتا مرونتهما بشكل مدهش في مواجهة العقوبات الغربية. وأضافت الوكالة أن إنتاج النفط الروسي انخفض فقط بمقدار 160 ألف برميل يوميا عن مستويات ما قبل الأزمة وانخفضت الصادرات بمقدار 400 ألف برميل يوميا، وهو انخفاض تم تعويضه جزئيا بارتفاع الصادرات إلى الصين، الهند، وتركيا. كما أن بعض النفط الروسي لا يزال يشق طريقه إلى أوروبا عبر خط أنابيب دروجبا -روسيا أوقفت الأسبوع الماضي ضخ النفط إلى بولندا عبر هذا الأنبوب- وبلغاريا، وكلتاهما معفاة من حظر الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، أشارت الوكالة إلى أنه على الرغم من هذه المرونة المفاجئة، فإن العقوبات تؤتي ثمارها، ولا سيما الحد الأقصى لأسعار مجموعة السبع، لأن روسيا بفضلها تجني أموالا أقل من نفطها.
مع ذلك، أشارت “بلومبيرج” في تقريرها عن واردات الصين من الخام الروسي، إلى أن خام الأورال وخام شرق سيبيريا المحيط الهادئ ESPO تم ربطهما بخصم 13 دولارا وثمانية دولارات للبرميل، على التوالي، مقابل أسعار برنت. هذه الأسعار أقل بكثير من أسعار نفوط غرب إفريقيا المماثلة، التي يتم تسعيرها قرب أسعار برنت أو بعلاوة.
في الوقت الحالي، يتم تداول خام برنت فوق 80 دولارا للبرميل. وبالتالي، فإن خصم 13 دولارا سيكون أعلى من الحد الأقصى للسعر البالغ 60 دولارا للبرميل الذي حددته مجموعة الدول السبع والاتحاد الأوروبي للنفط الخام الروسي إذا كان سيتم شحنه من قبل شركات الناقلات الغربية والتأمين عليه من قبل شركات التأمين الغربية. لذلك، إذا كانت الأرقام التي ذكرتها “بلومبيرج”، بناء على تقارير المتداولين، دقيقة، فإن كمية معينة من النفط الروسي لا تباع بخصومات حادة.
في حين، أشارت وكالة سي إن بي سي CNBC، إلى أن متوسط خام الأورال بلغ 49.49 دولار للبرميل في يناير، بينما بلغ متوسط خام برنت 85 دولارا للبرميل في ذلك الشهر. قد يشير ذلك بالتأكيد إلى بعض الفاعلية في تحديد سقف الأسعار والعقوبات الأخرى. ومع ذلك، تشير “بلومبيرج” إلى أن الخصم قد ينخفض مع استقرار السوق في وضعها الطبيعي الجديد. يبدو أن هذا الوضع الطبيعي الجديد يشمل كثيرا من شركات تجارة النفط الجديدة، وأسطولا كبيرا من الناقلات، وكثيرا من التجارة.