منع أم تخاذل أممي… هل حقاً تعرقل العقوبات وصول المساعدات إلى سوريا؟

اعترفت الأمم المتحدة بخذلانها الشعب السوري بعدم مساعدته على تخفيف تبعات الزلزال المدمر الذي ضرب المناطق الشمالية من البلاد. هذا في وقت يسعى نظام بشار الأسد إلى تسييس هذه المساعدات، منتقداً العقوبات الدولية عليها بأنها المسؤولة عن عرقلتها.

لا تزال المساعدات الدولية للشمال السوري ضعيفة ولا تلبي متطلبات منكوبي الزلزال الذي ضرب المنطقة في 6 فبراير/شباط الماضي، كما لا تعين في عمليات البحث والإنقاذ الجارية. وهو ما اعترفت به الأمم المتحدة نفسها، قائلة إن المجتمع الدولي خذل السوريين في أكثر لحظات حاجتهم إليه.

هذا في وقت يتشبث فيه النظام بضرورة تحكمه بهذه المساعدات ومسارات مرورها، ملقياً اللوم على العقوبات الدولية في عدم وصولها. ويرى مراقبون في هذا الأمر تسييساً من حكومة الأسد لقضية المساعدات، وسعياً لاستغلال الظرف الإنساني في تحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية من خلالها.

خذلان دولي لسوريا

تواجه المناطق السورية الواقعة تحت سيطرة المعارضة أوضاعاً إنسانية متردية، يزيد من وطأتها الضرر الكبير الذي تعرضت له إثر الزلزال. وهو ما يؤكده رئيس هيئة الإعلام بالحكومة السورية المؤقتة محمد علاء الدين، بحديثه عن مشكلات كبيرة يواجهونها في إيواء المنكوبين، جراء تهدم نحو 7000 منزل وتضرر أكثر من 6000 منزل آخر جرى إفرغها من سكانها.

ودق رئيس هيئة الإعلام بحكومة المعارضة ناقوس الخطر، بشأن تأخر المساعدات الدولية، معتبراً ذلك “تقاعساً من المجتمع الدولي” تجاه المنطقة المنكوبة شمال غربي سوريا رغم الحاجة الماسة، بما في ذلك “إلى إنقاذ العالقين تحت الأنقاض، لأن إمكانية الدفاع المدني السوري محدودة، عدة وعدداً”.

وانتقد عدد من الناشطين السوريين هذا الأمر، معتبرين إياه “تخاذلاً دوليّاً في مساعدتهم”. وكشف الصحفي والناشط السوري هادي عبد الله في مقطع فيديو نشره الجمعة على صفحته الرسمية بفيسبوك أن فرق الإنقاذ الدولية التي وصلت إلى مناطق الشمال السوري لا تتعدى ثمانية أفراد، “خمسة أطباء مصريين وثلاثة منقذين إسبان”.

واعترف منسّق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة مارتن غريفيث بضعف الجهود الدولية في مساعدة السوريين المنكوبين من الزلزال. وكتب غريفيث في تغريدة له: “خذلنا الأهالي في شمال غربي سوريا، إنهم محقون في شعورهم بأن العالم تخلى عنهم (…)، واجبنا والتزامنا الآن هو تصحيح هذا الفشل بأسرع ما يمكن”.

هل تعرقل العقوبات الدولية المساعدات؟

بالنسبة إلى نظام بشار الأسد، فإن ذنب عرقلة هذه المساعادات معلق برقبة العقوبات الدولية. هذا ما أعرب عنه وزير خارجية النظام فيصل المقداد بحديثه عن أن “مخطط الدول الغربية هو أن تدخل المساعدات إلى المسلحين الإرهابيين فقط”. مضيفاً بأن “العقوبات الأمريكية تمنع عن سوريا كل شيء، بما في ذلك توفير الدواء”.

وشدّد المقداد على أن “الدولة السورية مستعدّة للسماح بدخول المساعدات لكل المناطق”، شرط ألّا تصل إلا إلى من سماهم “الجماعات المسلحة الإرهابية”. مشيراً إلى أن “المساعدات التي كانت تدخل المناطق الخاضعة لسيطرة المسلحين، كانت تباع للناس”.

وكان لهذه الرواية صدى كبير، إذ أطلق عدد من ناشطي وسائل التواصل الاجتماعي حملة للمطالبة برفع عقوبات عن سوريا تزامناً مع الزلزال.

فيما الواقع مغاير لحديث الخارجية السورية كون العقوبات الدولية لا تشمل المساعدات الإنسانية في مناطق النزاع. وهو ما يؤكده القرار الأممي، في 9 ديسمبر/كانون الأول الماضي، الذي يعفي المساعدات الإنسانية في مناطق النزاعات من أنظمة الجزاءات والعقوبات الدولية التي تفرضها أنظمة الأمم المتحدة المختلفة في الصراعات.

وفي مؤتمر صحفي عقده في غازي عنتاب يوم الاثنين أكد مفوض الاتحاد الأوروبي لإدارة الأزمات يانيز لينارتشيتش أن العقوبات المفروضة من قبل التكتل الأوروبي ضد سوريا لا تشمل المساعدات الإنسانية. مضيفاً أن هذه العقوبات “لا تؤثر على مبدأ التسليم المبدئي للمساعدات الإنسانية، مما يعني أن المساعدة يجري إرسالها مباشرة إلى المحتاجين”.

وهو نفس ما أوضحه المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس بقوله: “يوجد عديد من العقبات التي يجب التغلب عليها عند تقديم المساعدات الإنسانية في سوريا وبخاصة بعد الزلزالين المدمرين هذا الأسبوع، ولكن سياسة العقوبات الأمريكية على سوريا ليست واحدة من هذه العقبات”.

تسييس المساعدات الدولية؟

وفي ذات السياق كتب المسؤول السابق في الخارجية الأمريكية وائل الزيات إن العقوبات الأمريكية على دمشق لعبت دوراً في وقف الإنفاق الحكومي وانهيار قيمة الليرة السورية، لكنها لم تؤثر على طريقة إيصال المساعدات الإنسانية التي كانت توزعها الأمم المتحدة. كما أن واشنطن ظلت المانح الأكبر وقدمت تقريباً 16 مليار دولار لسوريا، ووصلت معظم هذه المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، الذي منع وصولها بدوره إلى مناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.

هذا وتعد عملية توزيع المساعدات الإنسانية في سوريا مسألة معقدة، ومحط تجاذب دولي داخل مجلس الأمن الذي تبنى بالإجماع عام 2014 قراراً يسمح لوكالات الأمم المتحدة بتمويل وتسليم وتنسيق المساعدات عبر 4 معابر حدودية إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام من دون موافقته، ما مكن وصول هذه المساعدات إلى 4.5 مليون نازح في الشمال السوري.

ومنذ ذلك الحين سعى نظام بشار الأسد للتضييق على عمليات الإيصال، مستعيناً بتحالفه مع عضو دائم بمجلس الأمن هو روسيا التي نجحت بتقليص معابر المساعدات إلى معبر واحد. وبعد اندلاع الحرب في أوكرانيا هددت موسكو بوقف المساعدات وحالت دون تمديد البعثة الإغاثية لسوريا أزيد من ستة أشهر.

وهنا يطرح إشكال آخر أمام مبادرات إغاثة السوريين من منكوبي الزلزال، وهو الحسابات السياسية والاستراتيجية بين الدول العظمى. وهو ما يؤكده مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي مروان قبلان بقوله إن واشنطن “حَذِرة على ما يبدو” من مناقشة الموضوع في مجلس الأمن حتى لا يحصل نوع من التفاوض مع الروس، في ظلّ التصعيد الحاصل في أوكرانيا تزامناً مع الذكرى السنوية الأولى لاندلاع الحرب.

قد يعجبك ايضا