بخلاف غالبية الجامعات بالضفة الغربية المحتلة، تبدو الأجواء في جامعة النجاح بمدينة نابلس أقرب إلى الأمنية منها إلى الأكاديمية، فحرية العمل الطلابي تكاد تكون محصورة في لون واحد هو لون السلطة القائمة وحزبها الحاكم.
وفرضت إدارة جامعة النجاح قبل أيام عقوبات بحق تسعة من طلبة الجامعة تراوحت بين الفصل والإنذار الأكاديمي بذريعة مخالفة أنظمة الجامعة.
وكانت إدارة الجامعة وكخطوة استباقية لذكرى انطلاقة حركة “حماس” في 14 ديسمبر الماضي، قررت تجميد الأنشطة الطلابية بهدف منع الاحتفال بها.
وعقب مسير طلابي نظمته الكتلة الإسلامية بهذه المناسبة، عقدت إدارة الجامعة مجلس ضبط لعدد من المشاركين في المسير، في حين لم يشمل مجلس الضبط أيا من نشطاء حركة الشبيبة الطلابية الذين شاركوا بمسير مضاد في الوقت ذاته.
وتمثل هذه العقوبات أحدث حلقة في سلسلة طويلة من الإجراءات التي حولت الجامعة من صرح أكاديمي مرموق إلى ما يشبه “الثكنة الأمنية البوليسية” التي يحاسب فيها الطالب على رأيه وانتمائه.
ولم ينسَ طلبة الجامعة بعد الأحداث التي شهدتها جامعتهم في حزيران/يونيو الماضي والتي تواطأ فيها الأمن الجامعي مع أجهزة السلطة وعناصر الشبيبة الطلابية في قمع الطلبة والاعتداء عليهم.
وبدأت تلك الأحدث باعتداء أمن الجامعة وعناصر من الأجهزة الأمنية على ممثل الكتلة الإسلامية، ثم قمع أجهزة السلطة وعناصر الشبيبة في اليوم التالي لاعتصام نظمته الكتلة الإسلامية أمام بوابات الجامعة.
واختتمت بالفض العنيف لاعتصام الحراك الطلابي من قبل الأمن الجامعي والاعتداء على الطلبة والقائد الوطني ناصر الدين الشاعر الذي كان يقوم بدور الوسيط بتكليف من إدارة الجامعة.
وشكلت تلك الأحداث نقطة سوداء في سجل إدارة الجامعة والتي رأت أن لا مفر من الانحناء للعاصفة بعد سيل الانتقادات التي وجهت لها والرأي العام الذي لم يكن في صالحها.
وعلى إثر ذلك، سارع مجلس الأمناء لاحتواء الموقف وشكل لجنة تقصي حقائق خرجت بمجموعة من التوصيات والتي ترجمها المجلس إلى قرارات ملزمة لإدارة الجامعة.
ومن بين تلك القرارات فصل عناصر الأمن الجامعي المعتدين، وإلغاء قرارات الفصل التي صدرت بحق عدد من الطلبة، وعقد الانتخابات الطلابية في موعدها بانتظام بعد تعطيل استمر ست سنوات متتالية.
ورغم أن إدارة الجامعة باشرت تنفيذ القرارات، إلا أن الشهور التالية كشفت عدم جديتها في المضي بتنفيذ القرارات، وعادت الأجواء الأمنية لتطغى على الحياة الجامعية من جديد.
وتذرعت الإدارة بالحصار المفروض على نابلس في أكتوبر الماضي، للامتناع عن إجراء الانتخابات الطلابية التي ينص دستور مجلس الطلبة على إجرائها في نوفمبر.
ثكنة عسكرية
ويقول أحد خريجي جامعة النجاح (ص.ق)، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه خوفًا من الملاحقة، وهو من الذين واكبوا واقع الحريات في الجامعة، لوكالة “صفا”، “إن الجامعة تحولت منذ العام 2007 إلى ما يشبه الثكنة العسكرية وتم إطلاق يد الأمن الجامعي للتغول على الطلبة والعاملين، حتى صارت لهم اليد الطولى”.
وتكشف العديد من الحوادث مدى تواطؤ الأمن الجامعي مع أجهزة أمن السلطة، والذي يأخذ شكل تقاسم الأدوار، بحيث يتولى الأمن الجامعي قمع النشاط الطلابي داخل الجامعة، فيما تتولى أجهزة أمن السلطة قمع أي نشاط ينفذ خارج أسوارها.
وتجلى هذا في الأزمة الأخيرة، إذ وعقب إعلان الكتلة الإسلامية والطلبة المفصولين عن عقد مؤتمر صحفي أمام بوابات الجامعة، انتشرت أجهزة السلطة بالزي الرسمي والمدني في محيط الجامعة استعدادًا لمنع عقد المؤتمر وقمع كل من يشارك فيه.
وفي أحداث الصيف الماضي، بينت شهادات العديد من الطلبة أن عناصر الأمن الجامعي لاحقوا المشاركين بوقفة للكتلة الإسلامية أمام بوابات الجامعة، وأخرجوهم من الحرم الجامعي بالقوة ليكونوا فريسة لعناصر أمن السلطة.
ويضيف الطالب، أن إدارة الجامعة تسعى لفرض سيطرتها على الحركة الطلابية ومنعها من رفع رأسها، وكيّ وعي الطلبة ومنع عودة الأوضاع التي كانت سائدة قبل 16 عامًا عندما كانت الجامعة حاضنة للمقاومة.
وفي الوقت نفسه تسعى لإضعاف قدرة الحركة الطلابية على معارضة سياساتها بما في ذلك السياسات المتعلقة برفع الأقساط، وفق قوله.
ومن ناحيتها، تحاول السلطة من خلال القمع “الوحشي” أن ترسل رسالة للحركة الطلابية مفادها أنها ملاحقة سواء داخل أسوار الجامعة أو خارجها.
وإلى جانب تقاسم الأدوار بين الأمن الجامعي والشبيبة والسلطة، فإن الحركة الطلابية تواجه سياسة الباب الدوار، والتي تمثل أبشع صور التنسيق الأمني، وفيها يتناوب الاحتلال وأجهزة السلطة على ملاحقة نشطاء الحركة الطلابية الفاعلين.
استهداف “النجاح”
من جانبها، ترى الكاتبة لمى خاطر أن حجم القمع الذي تتعرض له الحركة الطلابية وفي مقدمتها الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح، يتناسب طرديًا مع الأهمية والدور التاريخي الذي لعبته الحركة الطلابية في هذه الجامعة.
وتقول الكاتبة، لوكالة “صفا” إن جامعة النجاح كانت تاريخيًا الأكثر التصاقًا بالهم الوطني، “وتكاد تكون أكثر جامعة خرّجت قيادات في العمل السياسي والوطني والمقاوم”.
“وفي انتفاضة الأقصى كانت “النجاح” حاضنة للمقاومين وقادة العمل العسكري والاستشهاديين بشمال الضفة، واضطلعت بدور وطني أساسي، وكان طلابها هم من يحركون الشارع في كل الضفة”، وفق خاطر.
وبعد عام 2007 كانت الجامعة من أبرز المؤسسات التي تعرضت للتآمر من السلطة لإلغاء دورها وتحييد النشاط الوطني الذي يتم داخل أسوارها والذي ينعكس على الميدان وينعش الحالة المقاومة بالضفة.
وبدأ الاستهداف “الشرس” وفق الكاتبة خاطر، منذ مجيء الجنرال الأمريكي كيث دايتون بمشروع “الفلسطيني الجديد” عام 2007 والذي كانت الجامعات في بؤرة الاستهداف.
وتابعت “منذ أن بدأ تطبيق خطة دايتون بالضفة كانت الجامعات مستهدفة وخصوصا النجاح، ورغم أن كل جامعات الضفة طالها الاستهداف، لكن كانت النجاح الأشد استهدافا بسبب عدد طلابها ودورها التاريخي”.
وتشير خاطر إلى حادثة اغتيال الطالب محمد رداد داخل الحرم الجامعي ومن مسافة صفر وعلى مرأى من زملائه الطلبة خلال نشاط وطني للتضامن مع نشطاء الكتلة الإسلامية الذين اعتقلهم الاحتلال في يوليو عام 2007.
وتعتبر تلك الحادثة مرحلة مفصلية في تاريخ هذه الجامعة مهدت للكثير من التغول.
وأخذ الاستهداف عدة أشكال، منها محاولة منع كل أشكال النشاط الطلابي، وصبغ إدارة الجامعة والهيئة التدريسية بلون معين واستبعاد شخصيات معينة منها، “وتم العمل على أمن الجامعة ليكونوا في غالبيتهم مرتبطين بالأجهزة الأمنية”، وفق خاطر.
وتشير إلى أنه بعد انتخابات مجلس طلبة جامعة بير زيت الأخيرة وتفوق الكتلة الإسلامية فيها، زاد تخوف السلطة وفتح والأجهزة من أن تنتقل “العدوى” إلى الجامعة الثانية من حيث الأهمية بعد بير زيت، وهي النجاح.
وتقول خاطر “لهذا زادت حدة القمع والاستهداف ومحاصرة كل أشكال النشاط خاصة بعد أن بدأ ظهور بوادر تحدٍ واستعداد للعمل لدى قيادات الحركة الطلابية، خاصة الكتلة الإسلامية”.
وتضيف “وجدت فتح والسلطة أنه ما من سبيل لتحجيم الحركة الطلابية إلا بالقمع، ولهذا شهدنا أحداث قمع متزايدة وفيها مستوى عالٍ من العنف واستباحة حرم الجامعة”.
وترى الكاتبة لمى خاطر، أنه “لو كانت إدارة الجامعة حرة وغير مرتهنة للأجهزة الأمنية ولسياسات السلطة، لكان واقع الحريات فيها مختلفًا، لكنها متواطئة أو خاضعة للأجهزة، وتنفذ إملاءاتها بالتضييق على الكتلة الإسلامية”.
وتؤكد أن “إدارة الجامعة عندما تعاقب طلابها على نشاطهم الوطني داخل الجامعة فهذا يعني أن الإدارة أصبحت متساوقة بالكامل مع الأجهزة الامنية في تطبيق سياسة التنسيق الأمني التي تستهدف بالأساس المقاومة والفكر المقاوم”.
ولا ترى خاطر أن الاستهداف الذي تتعرض له الحركة الطلابية وفي مقدمتها الكتلة الإسلامية يندرج في سياق التنافس الحزبي، “لأن السلطة تلاحق المقاومين تنفيذًا للتنسيق الأمني وليس بسبب انتماءاتهم السياسية”.