القدس في 2022.. اعتداءات غير مسبوقة وصراع وجود لا ينتهي
Share
أحداثُ كثيرة مرت على مدينة القدس المحتلة خلال عام 2022، حملت في طياتها اعتداءات إسرائيلية غير مسبوقة طالت “البشر والشجر والحجر”، وشهدت تصاعدًا خطيرًا في سياسة التطهير العرقي بحق المقدسيين، وهدم المنازل، وتسارع عمليات التهويد والاستيطان.
وعملت سلطات الاحتلال وما زالت على تهويد المدينة المحتلة وتغيير معالمها وفصلها عن ماضيها وتاريخها العربي والإسلامي العريق ومحو هويتها وفرض وقائع عليها، تمهيدًا لتحويلها إلى مدينة يهودية؛ بغية إثبات أحقية مزعومة عبر الهيمنة عليها.
هذا العام وُصف بالأسوأ والأصعب على مدينة القدس وأهلها، نتيجة تصاعد الهدم ومحاولات الترحيل والطرد القسري، وسحب الهويات، وزيادة إقرار المشاريع التهويدية والاستيطانية، وتنكر الاحتلال بشكل كامل للحقوق الفلسطينية كافة.
إهمال متعمد
وشهد عام 2022، تكثيف وتوسع ملحوظ في بناء الوحدات الاستيطانية، وعمل مخططات هيكلية وتنظيم مسطحات الأراضي في القدس؛ لصالح زيادة أعداد المستوطنين اليهود، مقابل إقصاء الأحياء الفلسطينية وإهمالها وتغييبها عمدًا، كما يؤكد الباحث المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب.
ويوضح أبو دياب، في حديث لوكالة “صفا”، أن هذه المخططات تهدف للاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من أراضي القدس، لاستثمارها مستقبلًا في مشاريع استيطانية، ولعدم انتفاع المقدسيين بأراضيهم ومنع تطورهم، في ظل عدم وجود أي مخططات تلبي حاجتهم للسكن.
ويوجد في المدينة المقدسة بشطريها 237729 وحدة سكني، منها 57335 للمقدسيين، وحسب المخططات الاحتلالية المستقبلية، سيتم إضافة 89 ألف وحدة استيطانية جديدة خلال السنوات المقبلة، دون أن يتضمن التخطيط المستقبلي أي وحدات للمقدسيين أو الأحياء الفلسطينية.
ويبين أبو دياب أن الاحتلال يعمل على تقليل عدد المقدسيين كسياسة ممنهجة ومبرمجة، ويرفض أي مخططات هيكلية للأحياء العربية؛ بادعاء أن أغلب الأراضي والمسطحات إما أراضٍ خضراء أو أثرية أو للمنافع العامة لا يجوز البناء عليها، ولذلك لا يمنح تراخيص بناء للمقدسيين.
أرقام وإحصائيات
وشهد عام 2022 زيادة في عمليات هدم المنازل، بذريعة عدم الترخيص، إذ هدم الاحتلال 211 منزلًا ومنشأة في المدينة المحتلة، وسلّم أوامر هدم لأحياء كاملة وبنايات متعددة الطوابق.
ويشير أبو دياب إلى أن سلطات الاحتلال سلمت أمر هدم لبناية تضم 12 وحدة سكنية في وادي قدوم ببلدة سلوان، تأوي نحو 75 مقدسيًا، فيما يتهدد الهدم 116 منزلًا في حي البستان بالبلدة، لإقامة “حديقة توراتية”.
ويضيف أن بلدية الاحتلال سلمت أوامر هدم لـ54 منزلًا في حي الطور، لاستكمال “الشارع الأمريكي” الاستيطاني، وأوامر هدم لـ 241 منزلًا ومنشأة تجارية في بلدة جبل المكبر.
ويلفت إلى أن إجمالي عدد أوامر الهدم خلال عام 2022 بلغ 984، فيما صدرت قرارات من محاكم الاحتلال ضدها، وتم تقديم 521 طلب تراخيص للبناء لبلدية الاحتلال؛ رُفض 509 طلبات منها لأمور سياسية بحتة.
ويبين أبو دياب أن “محكمة الشؤون المحلية” التابعة لبلدية الاحتلال أصدرت مخالفات بناء لـ810 منازل، بحجة عدم الحصول على تراخيص، بالإضافة إلى قرارات بالهدم، وفرضت على أصحابها غرامات مالية، بلغت قيمتها 34 مليون شيكل.
ويتهدد الهدم 22389 منزلًا في القدس، ما يعني أن نحو 124 ألف مقدسي مهددون بالتهجير القسري، كما أن 1380 مقدسيًا في حي الشيخ جراح وبطن الهوى، يواجهون خطر التطهير العرقي، بعدما أصدرت محاكم الاحتلال قرارات تقضي بطردهم من منازلهم، لصالح الجمعيات الاستيطانية.
وخلال العام الجاري، استولت بلدية الاحتلال وما تسمى “سلطة الطبيعة” و”دائرة أراضي إسرائيل”، وجمعيات استيطانية على 15200 دونم من أراضي القدس، لإقامة مشاريع استيطانية وتهويدية، وشق طرق وجسور وأنفاق.
وصادقت حكومة الاحتلال على إقامة 17918وحدة استيطانية في المدينة، منها ما تم البدء بتنفيذه، وشملت (مطار قلنديا، تلة الطيارة، بيت صفافا، التلة الفرنسية، صور باهر، جبل المكبر، أم طوبا، الولجة، العيسوية، شعفاط، بيت حنينا، جبل المشارف، الشيخ جراح، كرم المفتي، وسلوان).
وأما عن اقتحامات الأحياء والمنازل، يوضح أبو دياب أن قوات الاحتلال قتلت 17 فلسطينيًا بالقدس، ونفذت 946 اقتحامًا ومداهمة لمنازل وأحياء مقدسية، واعتقلت 3009 مقدسيين، من بينهم 601 قاصر، وفرضت الحبس المنزلي على 42 طفلًا، وأبعدت 13 آخرين عن مكان سكنهم.
ويشير إلى أن سلطات الضرائب والحجز الإسرائيلية نفذت 317 اقتحامًا ومداهمة للمحال التجارية والمنشآت والورش بالقدس، وجرى تحرير مخالفات ضريبة حضورية وغيبية بقيمة 18 مليون و360 ألف شيكل.
ومنعت شرطة الاحتلال إقامة 70 حفلًا أو محاضرة وندوة في القدس، وأغلقت 18 مؤسسة وجمعية ثقافية ورياضية أو جددت إغلاقها خلال العام 2022، بالإضافة إلى فرض 14 مليون شيكل غرامات، وتحرير مخالفات كيدية، وكفالات اعتقالات.
ولم تكتف قوات الاحتلال بذلك، بل نفذت 53 اقتحامًا لمؤسسات تعليمية، وسحبت تراخيص 6 منها، في وقت يوجد بالقدس 197 مدرسة، بعضها يتبع للسلطة الفلسطينية، وبعضها خاص بما فيها مدارس الأوقاف الإسلامية، وأخرى تابعة لوكالة الغوث، أو للبلدية ووزارة المعارف التابعتين للاحتلال.
ويفيد الباحث المقدسي بأن العام الجاري شهد 571 اعتداءً على مقدسيين أثناء تواجدهم غربي القدس أو بأماكن أخرى، كما جرى تغيير وعبرنة أسماء 13 شارعًا وطريقًا في المدينة المحتلة.
“القادم قاتم”
ويتضح من المعطيات المذكورة، كما يؤكد أبو دياب، أن الاحتلال صعد من هجمته وضغطه على القدس والمقدسيين وضيّق الخناق عليهم، وزاد عزلتهم وحاول طمس معالمها وآثارها العربية والإسلامية، لإفراغها من سكانها الأصليين وإحلال المستوطنين مكانهم.
ويبين أن الاحتلال يشن حربًا لا هوادة فيها على هوية القدس، ويحارب الوجود العربي فيها، “مما يؤشر على أن القادم سيكون قاتمًا وأكثر خطورة على المدينة وأهلها، في ظل استفراد الاحتلال بها، وتراخي الدعم والإسناد العربي والإسلامي للمدينة المقدسة”.
وعن توقعاته للعام المقبل 2023، يقول الباحث المقدسي إن الاحتلال سيواصل استفراده بالمدينة وأهلها ومقدساتها، عبر مزيد من التغول وفرض الهيمنة والسيطرة الكاملة عليها، واستهداف الرموز والشخصيات المقدسية، وطمس المعالم.
ويضيف أن “الاحتلال ماضٍ في تكملة مشروعه لتهويد القدس، وتعزيز الاستيطان، وترحيل المقدسيين، وهناك تخوفات من تنفيذ مخططات التهجير في الشيخ جراح والخان الأحمر وسلوان وغيرها خلال العام المقبل، في ظل استمرار الصراع لتصفية الوجود العربي بالمدينة”.