الأزمة في العالم النامي… لماذا التنمية تخلق الأزمات؟
Share
ان الدول التقليدية قد عاشت لقرون في اطر اقتصادية وسياسية وثقافية محددة كانت تحظى بقبول السواد الأعظم من الشعب، إذ اعتادوا على ممارستها والتعايش إلى جانبها، على هذا فان المجتمعات القديمة كانت تمتلك توازنا واستقرارا في كافة المجالات، غير ان السير نحو التنمية والتقدم يجب ان يرافقه تغييرا في كل أركان وأجزاء وعلاقات البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية في المجتمع، وان يتكيف معها، فأنواع المنتجات الجديدة والعلاقات الاجتماعية الحديثة والمجموعات الاجتماعية الحديثة والجمعيات والعلاقات الدولية الجديدة تندرج ضمن تلك القضايا، في هذه العملية يواجه المجتمع كل يوم تطورا حديثا لا يجب إدخالها في المجتمع فحسب، إنما يجب الاهتمام بتوازنها مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.
على سبيل المثال فان المجتمع يعد بحاجة إلى أطباء متخصصين، تلبية لهذه الحاجة يجب أما تأسيس جامعات في الداخل لإعدادهم أو القيام بإدخال الأطباء من الخارج، ففي الحالة الثانية يجب دفع رواتب باهظة وتوفير إمكانيات قد تواجه احتجاجا في المجتمع، أما في الحالة الأولى فيجب تأسيس مؤسسات وتوفير ظروف خاصة، حتى تحقيق هذا الهدف بعد سنوات من العمل المضني، ففي هذه العملية سيواجه المجتمع حالة من توزيع النفقات بشكل غير متوازن ويظهر الفقر والحرمان، وعلى الحكومة القيام بالمزيد من العمل الجبار والذي يستغرق وقتا طويلا لإزالة الفقر، أو عليها ان تحاول ان تطور التعليم العام وبأعلى مستوى.
على هذا نستنتج مما سبق بان أسس عدم التوازن والتوتر والأزمات وفي المقام الأول تعود إلى الأعمال والمساعي الإيجابية التي تبذلها الحكومات في المجتمع، وكلما تتوسع دائرة التوترات والأزمات فان الأسباب من الدرجة الثانية تؤدي إلى تأجيج التوترات والأزمات، فالسؤال الذي يطل برأسه هنا هو ماذا يجب فعله في مواجهة الأزمات المستمرة والدائمة التي تعد وليدة مساعينا الرامية لتحقيق التنمية؟ كيف يجب معرفتها وكيف يجب إدارتها حتى لا تتحول إلى أزمات كبرى ولا تشكل عائقا أمام التنمية وتقودنا إلى استمرار العمل وبذل المساعي؟ في هذه العملية الزمنية ماذا يحدث لباقي طبقات المجتمع وكيف على الحكومات إدارة احتياجات المجتمع المستمرة التي تسبب الأزمات والتوترات، وتقوم بتوجيهها؟
ان الحكومة والشعب أمامهما طريقان لاجتياز مراحل التنمية بطريقة آمنة وناجحة:
الأول، معرفة القوانين السائدة على الأزمات والتوترات من خلال معرفة نماذجهما معرفة شاملة، ومن ثم القيام بالتنبؤات الضرورية، وفي هذا يجب القول بان النموذج الدقيق للتوتر والأزمات في المجتمعات التي تمر بمرحلة الانتقال، غير معروف، وعلى هذا يمكن للتوترات ان تتحول إلى الأزمات وان تؤجج وتيرة التوترات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، ومن هنا يجب ان نعرف بان في ظل مثل هذه الظروف يمكن للبنى الاجتماعية الكامنة أو المتوفرة في الساحة ان تحدد مصير أي بلد، لهذا ان الحفاظ على المشاركة الاجتماعية والتضامن الاجتماعي يعد أصلا مهما في عملية التنمية.
الثاني، في عملية تحقيق التنمية تنقسم احتياجات الشعب إلى فئتين الأولى يمكن توفيرها والثاني يستحل تحقيقها على المدى القصير أو المتوسط، على هذا هناك طريقان أمام الحكومة لا مفر لها منهما:
الأول زيادة الاستثمار والنمو والازدهار الاقتصادي وتقديم الخدمات وبث روح الأمل في المجتمع بالنسبة للاحتياجات التي يمكن تحقيقها اعتمادا على قدرة البلد وفاعلية الحكومة، على هذا يجب ان تحقق الحكومات النجاح في مجال التخطيط في مجال التنمية وخاصة إذا ما كان الشعب ملما بالتطورات الإيجابية التي تشهدها العالم، ويطرح مطالبا جديدة.
الثاني ان الطبقات الفقيرة أو تلك التي تواجه عدم فاعلية الخدمات الحكومية أو ليس لها مستقبل في مجال الحصول على فرص العمل لها ولأبنائها، فإنها دائما ما تعاني من أنواع التوترات والأزمات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والخ، ولا يمكنها إنقاذ نفسها من الفقر الاقتصادي لعقود قادمة، وتحقيق هوية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، وإنها دائما ما تواجه السؤال الجبار: ماذا يجب فعله؟ هنا على الحكومات ان تقدم السياسات المتوازنة في مجال الحصول على الدخل المتوازن وتقدم الدعم وتبث روح الأمل في نفوس هذه الطبقات وكذلك الهدوء والفرح والنشاط، كما يجب الإشارة إلى ان القائمين على القطاع الثقافي في البلد عليهم ان يوفروا احتياجات المجتمع ويحافظوا على وحدة صفوف الشعب وهو يمر بمرحلة التوترات والأزمات وطرق التنمية المليء بالمخاطر.
ما السبب في ظهور الأزمات والتوترات؟
ان السبب الرئيس هو أن المجموعات أو الأنظمة التي تشكل جوانب الحياة في هذه المجتمعات هي، بمفهوم جوهري، مجموعات انتقائية؛ نريد بالانتقائية أن بعض عناصر تلك المجموعات أو الأنظمة مستمدة من العصر السابق والبعض الآخر مستمد من العصر الحديث. بعبارة أخرى، اجتمعت عناصر من فترات تاريخية مختلفة فأنشأت هذه المجتمعات في مجموعات فرعية. نظرا إلى أن هذه العناصر غير متسقة أساسا ولا تتوافق مع بعضها البعض وتنتمي إلى حقبتين تاريخيتين مختلفتين تماما، فإن هذه المجموعات الفرعية دائما ما تعاني من أزمة هيكلية. بالطبع، هذا لا يعني أن المجتمعات التي تمر بمرحلة الانتقال لديها مشاكل فحسب، وعلى سبيل المثال، ان المجتمعات الصناعية لم تعاني من مشاكل أو المجتمعات القديمة في الماضي لم تكن لديها مشاكل؛ بل يعني أن مشاكل المجتمعات الصناعية والحديثة أو مشاكل المجتمعات التقليدية القديمة ليست ناجمة عن عدم الترابط الداخلي للمجموعات الفرعية المهمة من الحياة (أي الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية الرئيسة) في هذه المجتمعات، بل تلك المجموعات الفرعية متماسكة ومتناسقة.
غير ان المشاكل التي تظهر في الدول التي تمر بمرحلة الانتقال ناجمة عن وجود البنى غير المتناسقة في المجموعات الفرعية التي تصنع الحياة، بمعنى ان تلك المجتمعات تمتلك الخطة للتنمية لإحداث تغييرات في المجتمع وتأسيس اسس الحداثة فيه، غير إنها لا تمتلك العلم والإمكانيات والزمن الكافي لتحديث وإصلاح القطاعات الأخرى، وان سرعة التطورات في تلك المجتمعات ونوعها جديدة ومعقدة، إذ لا يمكن إصلاحها بالأساليب المتوفرة والإمكانيات المحددة، على هذا يجب الإلمام بها وإدارتها وتوجيهها علميا.
المصدر: دنياي اقتصاد
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع