ما تداعيات قرار حظر الحجاب بأماكن العمل في أوروبا؟

أصدرت “محكمة العدل” التابعة للاتحاد الأوروبي، الخميس، قرارا يحظر ارتداء الموظفات للحجاب في أماكن العمل، في تجاهل واضح لحق المرأة المسلمة في ارتداء الحجاب.

وأكد الحكم أنه “بإمكان الشركات في التكتل حظر الحجاب ما دام أنه حظر عام لا يميز بين الموظفين”، في أحدث حكم في قضية قسمت أوروبا لسنوات، وزعمت المحكمة أن قرارها “لا يشكل تمييزا مباشرا إذا تم تطبيقه على جميع العاملين بطريقة عامة وغير تمييزية”.

وتواصلت “عربي21″، مع المتحدث الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي لمنطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لويس ميغيل بوينو، لأخذ تعليق منه حول قرار المحكمة الأوروبية، لكنه رفض قائلا: “لا نستطيع أن نعلق على قرارات المحاكم”.

تمييز ضد المسلمات

وفي تعليق له، قال الكاتب والمحلل السياسي، حسام شاكر، إن هذا القرار يعطي غطاء قانونيا لإجراءات من شأنها أن توقع التفرقة على المسلمات في أوروبا أو تخاطر بحصولهن على فرص للتوظيف في سوق العمل، كونه لا يمنحهن تكافؤا مع باقي الموظفات والموظفين.

وشدد شاكر في حديث خاص لـ”عربي21″ على أن هذا القرار يمنح أرباب العمل والشركات والمؤسسات فرصة ممارسة التمييز بحق المسلمات مع التذاكي في إخراج هذا بشكل يوحي بأنه لا يوجد تمييز، وأنه قرار عام في مسائل اللباس، لكنه في الواقع يتعلق بحظر ارتداء ملابس معينة بخلفية دينية، ويمس المسلمات بشكل خاص، بل يوفر فرصة لدى الشركات لإيقاع التمييز على الموظفات المسلمات فيما يتعلق باختيارات اللباس.

هل القرار ملزم؟

ويعتقد الكاتب الذي يعيش في دولة أوروبية أن القرار رغم أنه ليس ملزما، لكنه يوفر للشركات الذريعة التي قد تحتاجها في إيقاع تمييز أو تفرقة معينة على الموظفات المسلمات فيما يتعلق باختيارات اللباس تحديدا، وبناء عليه، يمكن لأي شركة ولأي رب عمل أن يقوم بفرض قيود على المسلمات فيما يتعلق بالملابس بذريعة وجود حكم من المحكمة الأوروبية.

وتابع: “وهنا يقع المس والمخاطرة بتكافؤ الفرص وإمكانيات الصعود الإداري للمسلمات في المؤسسات والشركات، بل يعظّم من وقع ما نسميه السقف الزجاجي، أي العوائق غير المرئية التي تحول دون تمكن فئات معينة في المجتمع وخاصة من النساء المسلمات بطبيعة الحال من الصعود في مواقع إدارية في المؤسسات والشركات، وبالتالي هنا نتحدث عن خطوة سيكون لها أثرها في سوق العمل، وسيكون لها وقعها الخاص في بيئات معينة تشهد في الأساس إشكالات كبيرة في استيعاب المسلمات في مواقع العمل المختلفة”.

وواصل حديثه قائلا: “هذا القرار ينحاز في واقع الحال لصالح أرباب العمل، والنساء هن المتضررات، ويوقع عليهن عبئا إضافيا”، بل يرى شاكر أن “القرار لا يلحظ أو يتعامل مع وجود مشكلة حقيقية في عدد من البيئات الأوروبية بشأن استيعاب المسلمات في سوق العمل بشكل متكافئ، لكنه يضغط بشكل مضاعف على الأجيال المسلمة الصاعدة في أوروبا، خاصة من الفتيات بشأن مستقبلهن الوظيفي في سوق العمل، وذلك من خلال الإشعار المستمر بأن رب العمل لديه الحق أو إدارات الشركات والمؤسسات لديها الحق في أن تفرض قيودا على اختيارات اللباس”.

وفي هذا السياق، أكد الكاتب والمحلل السياسي أن الأخطر في ذلك أن الإجراءات العملية للقرار سيكون لها أثر نفسي سيئ يمكن أن يلحق بالأجيال الصاعدة من المسلمات، ذلك أنه سيجعلهن يواجهن صعوبات أكبر في المستقبل في سوق العمل، وفي تحقيق الذات وفي تمكينهن في الحياة”.

تبعات سياسية للقرار

ومتحدثا عن التبعات السياسية للقرار، قال شاكر، إن المؤكد أن لهذا القرار تبعات سياسية واجتماعية في الواقع الأوروبي، ولا ينفك عما يعرف بحالة الجدل بشأن “الفولار” أي غطاء الرأس، وهو جدل سياسي وإعلامي وثقافي في أوروبا، محذرا من أن قرار المحكمة يصب في اتجاه توسيع صلاحيات الحظر والتقييد، ويذكي ثقافة الحظر التي تشهدها أوروبا منذ سنوات متلاحقة فيما يتعلق بالمسلمين عموما وبالمسلمات خصوصا وبشأنهن الديني، واختياراتهن.

ولفت إلى أن “ثقافة الحظر تمثل إحدى المعضلات التي تواجه أوروبا اليوم، وتحديدا المجتمعات المسلمة بحيث نجد أننا أمام قرار من الجهة القضائية العليا في الاتحاد الأوروبي، يمنح تسويغا وتصريحا للشركات لكي تفرض اختياراتها الخاصة الإدارية على المسلمات، على الرغم من الصعوبات القائمة في الأساس في هذا الشأن بحق المسلمات”.

واستدرك شاكر بالقول: “هنا لا يخفى أن محكمة الاتحاد الأوروبي في لوكسبورغ تواجه نقدا تقليديا بشأن مدى الاستقلالية في قرارها، لجهة أن هذه المحكمة تتكون من قضاة تعينهم أو تنتدبهم الدول الأعضاء، وهذا عمليا يمثل فرصة للتأثير في القرارات القضائية، فعندما يسمى قاض من طرف دولة فإنه قد يحمل اتجاها معينا أو يعبر عن اتجاه التفكير السائد في هذه الدولة، بما فيها اتجاه التفكير القانوني والقضائي، وهذا يؤثر على اتجاه الحكم الذي يمكن أن يصدر في هذه القضية أو في غيرها”.

ودلل شاكر على كلامه بالقول، “إن بعض الدول تسير في اتجاه نمطي نحو الحظر، على المستوى التنفيذي والتشريعي والقضائي، أي أن السلطات الثلاث تتشارك في هذا، مدعومة أيضا بالسلطة الرابعة وهي الإعلام، ومثال ذلك فرنسا وغيرها من الدول”، محذرا في الوقت نفسه، من أن قرار المحكمة يعطي دفعة لتوسيع رقعة التجاوزات وممارسات التفرقة ضد النساء.

خيارات المسلمين

أما فيما يتعلق بخيارات المسلمين في أوروبا إزاء هذا القرار، قال الكاتب، إن المسلمين يقعون في مرمى حملات الضغط والتشويه، أكثر مما يشكلون ضغطا، حيث وقع مس جسيم بمؤسساتهم التمثيلية الكبرى في غضون السنوات العشر الماضية.

وتابع: “صحيح أن هناك حالة متعاظمة لأعداد المسلمين في أوروبا، لكن هناك تركيز في حمى المطاردة الاجتماعية لمسلمي أوروبا تشمل حملات سياسية وإعلامية، فالمسألة غير متكافئة، فالمسلمون في بعض البيئات يضطهدون ويُقمعون ثقافيا بشكل ناعم في دول تعتبر ديمقراطية، وهذا يمثل تطورا جسميا”.

انتهاك بأدوات قانونية

وأشار شاكر إلى أن الانتهاكات والتمييز يجري بالأساس بأدوات قانونية، والقرار الصادر عن المحكمة الأوروبية ما هو إلا تأكيد لهذه النزعة بأن أي انتهاك أو تجاوز يحتاج إلى غطاء قانوني.

“وسواء أرادت المحكمة الأوروبية هذا أم لم ترده فإن قرارها يخدم اتجاه إيقاع التفرقة والتمييز والضغط الثقافي والاجتماعي، والاقتصادي على المسلمين في أوروبا، ولا يخدم فرص المساواة والحرية الدينية. وتكافؤ الفرص وحتى الوئام الاجتماعي في البيئات الأوروبية التي قد تشهد تطورات على هذا النحو”.

لكن رغم الوضع الراهن الذي يعيشه مسلمو أوروبا؛ يرى شاكر أنه لا غنى للمسلمين عن إعلاء الصوت وإبداء الشكوى عموما من ممارسات التمييز وتحقيق حالة من الانتظام المتطور في المجتمع المدني، ليس فقط ضمن أوساط المسلمين وحسب، بل على مستوى المجتمعات الأوروبية عموما، وذلك للدفاع عن قيم ومبادئ يجري الانتقاص منها ويجري التعدي عليها بذرائع متعددة ومتذاكية أحيانا فهذا تحد في الأساس للمجتمعات وسلامتها المبدئية والقيمية.

وشدد على أنه “لا غنى عن جهود مدنية وحقوقية ومطلبية تبين خطورة هذا المنحى وأبعاده” مستدركا بالقول: “ولكننا أيضا في الوقت ذاته ندرك بأن خيارات هذا التصرف ليست واعدة وليست متكافئة بشأن المسلمين والمسلمات، والرسالة الأسوأ ربما تتمثل في أن رفع قضايا للتظلم والشكوى داخل الدول الأوروبية؛ لا يمثل الفرصة الواعدة للإنصاف، ولكن يمثل احتمالا لتعميم تجاوزات أو شرعنتها بشكل أوسع”.

وختم بالقول: “عندما تعلو الشعبوية ويعلو أقصى اليمين ويسود التشنج المجتمعي يمكن لمفعول هذه القرارات في الواقع أن يكون جسيما، ومن الواضح أن المسلمات يدفعن كالمعتاد الضريبة الأعلى من هذه التفرقة وهذا التمييز”.

قد يعجبك ايضا