تحذيرات من قاتل جديد يغزو المحافظات الشمالية لليمن
يشهد اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم. هي حقيقة يقرّ بها المجتمع الدولي، وإن لم يأتِ بأيّ محاولة جدية لوضع حدّ لذلك. وتتفاقم الأوضاع مع حلول فصل الشتاء.
يشتدّ برد الشتاء على فقراء المدن والقرى في المناطق الجبلية شماليّ اليمن، ليفاقم معاناتهم وبؤسهم الناتجَين عن الحرب المستمرة منذ مارس/ آذار 2015. أمّ حسن من هؤلاء، وهي تعيش مع خمسة أبناء لها في غرفة صغيرة خالية من وسائل التدفئة العادية وكذلك من الغذاء في أحيان كثيرة.
تقول إنّ “البرد والجوع يتناوبان على إيلامنا في هذه الأيام”، موضحة “نتحمّل عدم توفّر الغذاء الكافي نهاراً، بينما يهجم علينا البرد ليلاً.
وفي الصباح تبدأ معاناتنا من جديد”.
وتشير إلى أنّهم لا يحصلون على أيّ مساعدات إغاثية بعد وفاة زوجها الذي كان معيل الأسرة الوحيد، “على الرغم من أنّنا سجّلنا أسماءنا مراراً لدى الذين يجمعون المعلومات عن الأسر الفقيرة”.
تضيف أمّ حسن لـ”العربي الجديد” أنّ “موسم البرد يأتي ليزيد معاناتنا. فنحن لا نملك بطانيات وفرشا كافية، ونعمل على جمع الحطب لإشعال النار في المطبخ والحصول على الدفء، على الرغم من المخاطر التي يتسبب فيها الدخان.
كذلك فإنّ أطفالي الصغار يصابون بأمراض بين حين وآخر بسبب البرد”. وعن المياه، تقول أمّ حسن إنّها “بالكاد أستطيع توفير المياه من فاعلي الخير مرّة كل ثلاثة أيام، ونفرح.
لكنّنا نخشى من استخدامها في هذه الأيام لشدّة برودتها، ولا نستحم إلا مرّات قليلة. فنحن لا نملك ما يساعدنا على تسخينها”. وتؤكد أنّ “هذا الأمر من أسوأ ما نواجهه في الشتاء”.
عبد الناصر عبده، وهو من سكان منطقة المحجر شماليّ العاصمة صنعاء، يتحدّث عن عدم قدرته على تأمين احتياجات أطفاله مع بداية فصل الشتاء.
يقول لـ”العربي الجديد” إنّ “البرد يأتي لتزداد مطالب الأسرة. حتى الغذاء يجب أن يكون مضاعفاً، لكنّني بالكاد أستطيع توفير ثمن الأرزّ والخبز”. ويشير إلى أنّ “عدداً من أفراد أسرتي أصيب بأمراض نتيجة البرد، إلا أنّني في أحيان كثيرة أعجز عن توفير الدواء لهم أو نقلهم إلى مستشفى”.
يضيف عبده: “لا أملك الأثاث الكافي في المنزل الذي من شأنه التقليل من شدّة البرد. نحن ستة أشخاص في المنزل ولا نملك سوى أربع بطانيات فقط، ونحاول أن نغطّي بها الأطفال خوفاً من إصابتهم بنزلات البرد.
أمّا زوجتي وأنا فنستخدم أغطية خفيفة”. ويتابع أنّ “انقطاع التيار الكهربائي يحرمنا من الاستفادة من سخّان المياه الوحيد في المنزل، فنضطر إلى استخدام الماء البارد في كل يوم. نحن لا نملك المال كي نستفيد من الطاقة التجارية (كهرباء المولدات الخاصة)، إذ إنّ بدلاتها مرتفعة جداً”.
في السياق، يقول الناشط اليمني في المجال الإنساني، مبروك القبيسي، وهو أحد سكان محافظة ذمار، إنّ “أسراً فقيرة ونازحة تُعاني كثيراً في مدينة ذمار مع دخول فصل الشتاء”.
ويؤكد لـ”العربي الجديد” أنّ “المنظمات الإنسانية تهتم بتوزيع الغذاء للنازحين والأسر الفقيرة، لكنّها تغفل عن توفير بطانيات وفرش وملابس شتوية للأسر التي تعيش في المناطق الباردة، مثل محافظتَي ذمار وصنعاء”.
ويوضح أنّ “كثيرين نزحوا وتركوا خلفهم كل ما يملكون”، مؤكداً أنّ “ثمّة أسرا لا تجد ما تغطي أطفالها الصغار به، الأمر قد يتسبب بإصابتهم بأمراض مختلفة، في ظل عدم قدرة الأهل على توفير العلاج”.
يضيف القبيسي أنّ “المستشفيات الحكومية في ذمار تعاني من ازدحام شديد، ما يعني صعوبة علاج الأسر الفقير والنازحة بأسعار رمزية. كذلك فإنّ تكاليف المستشفيات الخاصة باهظة جداً، الأمر الذي يرغمهم على البقاء في مساكنهم وتحمّل الآلام، لعدم قدرتهم على تحمّل تكاليف العلاج في تلك المرافق”.
ويدعو القبيسي المنظمات الإنسانية والمجتمعية وفاعلي الخير إلى تقديم المساعدات والدعم للأسر الفقيرة والنازحة.
من جهته، يقول رئيس مؤسسة وجوه للإعلام والتنمية بصنعاء، منصور الجرادي، إنّ “ثمّة 2.5 مليون نازح، منهم مليون طفل يعانون بسبب النزوح في حين أنّ كثيرين زادت معاناتهم بسبب البرد”. يضيف لـ”العربي الجديد” أنّ “نازحين كثيرين ينامون في العراء مثلما هو حاصل في المخيّم العشوائي الذي أنشئ في منطقة ضروان شمالي صنعاء، وبعضهم يعيشون في منازل مهجورة أو خرائب أو منازل صفيح أو خيم مهترئة.
وقد تسبب البرد بالتالي في إصابة أطفال هؤلاء بأمراض عدّة”. ويشير إلى أنّ “ما تخصصه المنظمات الإنسانية الدولية من مساعدات لفصل الشتاء لا يساوي واحدا في المائة من الاحتياجات، وتلك المساعدات بمعظمها تذهب إلى غير مستحقيها”.