غذاء العالم بين مليارديرات الاحتكار وملايين الجياع
Share
حذرت منظمة أوكسفام من مغبة استمرار أزمات الجوع في أنحاء مختلفة من العالم، وأن معدلات انتشار المجاعات تتزايد باضطراد، ومعها تتضاعف الحاجة الملحة إلى الحد الأدنى من الغذاء بحيث بلغت نسبة 44٪ في إثيوبيا بما يساوي خمسة أضعاف المعدل العالمي. وقالت المنظمة في تقرير صدر مؤخراً إن شخصاً يموت جوعاً كل 48 ثانية في بلدان مثل إثيوبيا وكينيا والصومال، ومن المتوقع أن تنحدر الأوضاع نحو الأسوأ في ظلّ الارتفاع الهائل لأسعار المواد الغذائية بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا وتوقف صادرات الحبوب.
وفي المقابل أشارت المنظمة إلى أن ما أطلقت عليهم تسمية «مليارديرات الغذاء» شهدوا زيادات في ثرواتهم بلغت 382 مليار دولار ابتداء من العام 2020، وهذا يعني أن ما يعادل أقل من أسبوعين من ثروة هؤلاء يكفي لتمويل كامل ميزانية الـ 6,2 مليار دولار التي تطالب بها الأمم المتحدة لانتشال الملايين في بلدان شرق أفريقيا وغربها من حافة الجوع، بل وتزيد عليها أيضاً.
ومن المعروف أن حفنة محدودة من أثرياء الاتجار بالمواد الغذائية واصلت وتواصل استغلال الكوارث الكونية التي تعاقبت خلال الأعوام الأخيرة، وتستوي في هذا متغيرات المناخ وعوائق الزراعة وظواهر الجفاف، مع جائحة كورونا أو النزاعات المحلية أو الحرب في أوكرانيا. وبين أبرز العناصر التي تساعد مليارديرات الغذاء في تكديس أضعاف مضاعفة من مليارات الأرباح في ميادين احتكار الأغذية، أن غالبية الأنظمة الحاكمة في أعرق الديمقراطيات الغنية ومجموعة السبعة مثلاً لا تتدخل بما يكفي لعكس هذا التيار الجارف القاتل، أو تكتفي أحياناً بالوقوف مكتوفة الايدي، فضلاً عن أن الكثير من قوانين اقتصاد السوق تدفع الحكومات ذاتها إلى نوع من التواطؤ الضمني.
وإذا صحّ أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية بات ظاهرة عالمية، فإن الفوارق عديدة وحاسمة بين ما ينفقه الفرد من ميزانية على الطعام والشراب في مجتمعات غنية مقابل تلك الفقيرة، حتى من دون احتساب البون الشاسع في المداخيل، فالناس في شرق أفريقيا يصرفون على الطعام 60٪ من الدخل العائلي، مقابل 11,6٪ في بريطانيا مثلاً. على صعيد آخر، ارتفعت أسعار الذرة في الصومال ستة أضعاف بنسبة 78٪ بالمقارنة مع زيادة عالمية بلغت 12,9٪، وهذا مؤشر صريح على التفاوت الهائل في المعاناة من ارتفاع الأسعار بين مجتمعات الفقر ومجتمعات الرفاه.
ويخلص تقرير أوكسفام إلى أن في عالمنا اليوم 828 مليون نسمة داخل طوابير الجوع، أي أكثر بـ150 مليون جائع بالقياس إلى طور ابتداء جائحة كوفيد، مما يعني أن الحرب في أوكرانيا لم تفعل أكثر من مفاقمة أوضاع كانت بالغة السوء أصلاً، كما يعني أنه حتى إذا توفر الغذاء بالفعل فالمأزق إنما يكمن في طرائق احتكاره والاتجار به وتكديس المليارات عن طريق حرمان الملايين من الوصول إليه. فالأصل هو العطب الكامن في نظام الأغذية الكوني وقيامه على ركائز غير عادلة وغير متساوية، ولهذا فانقسام العالم إلى مليارديرات غذاء وملايين الجائعين سوف يستمر، ومعه ستتعاقب موجات استنزاف البشر كلما انقضت 48 ثانية.