العالم عام 2050: انتهاء أمراض السرطان والعمى والسمع.. والكآبة ستكون مرض العصر

في العقود القادمة، من المتوقع أن تؤدي التحسينات في تحرير الجينوم إلى تغيرات هائلة في الهندسة الوراثية مما يعني القضاء على العديد من الأمراض الوراثية.

كيف ستؤثر التطورات التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم حاليا، والتي ستحدث في المستقبل -إضافة إلى التغيرات المناخية والتقلبات الشديدة في المشهد الجيوسياسي العالمي- على صحتنا الجسدية والنفسية بعد 30 سنة من الآن.

كيف ستكون صحتنا عام 2050؟ وما الأمراض التي ستصيب البشر في ذلك الوقت؟ وكيف سيتطور الطب وطرق العلاج أيضا؟

إن صحتنا وطرق وأساليب علاجنا والأمراض التي ستصيبنا في المستقبل ستتأثر بالتطورات الهائلة التي تحدث في القطاعات التالية: البيانات الضخمة والقياسات الحيوية، والتعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، وتغير المناخ، والنانو تكنولوجي والروبوتات النانوية، والهندسة الوراثية والطباعة الحيوية، حسب قول الكاتب الأميركي ماثيو ويليامز في مقالة له نشرتها مؤخرا منصة “إنترستنغ إنجنيرينغ” (interestingengineering).

100 مليار جهاز متصل عام 2050

يقول الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) إن 90٪ من سكان العالم عام 2050 -الذين سيصل عددهم حينها إلى 9.73 مليارات شخص- سيتمكنون من الوصول إلى الإنترنت في منتصف القرن، وحاليا يوجد أكثر من 4 مليارات من بين 7.9 مليارات إنسان حول العالم قادرون الآن على الوصول إلى الشبكة الدولية.

وهذا يعني أنه ستكون هناك زيادة بنحو 4 مليارات مستخدم جديد للإنترنت، كما سيزداد عدد الأجهزة اللاسلكية المتصلة بالإنترنت بشكل كبير بحلول عام 2050 لتصل إلى أكثر من 100 مليار جهاز، في حين يبلغ الرقم الحالي نحو 22 مليار جهاز.

فإذا أضفنا إلى ما سبق مئات المليارات من الكاميرات وأجهزة الاستشعار والمنازل الذكية، وإذا تخيلنا كل ذلك، فإن كمية البيانات التي سيتم إنتاجها على أساس يومي ستكون هائلة بكل المقاييس، وسيكون جزء كبير منها طبيا بطبيعته، وفق التقرير نفسه.

وفي المستقبل، فإن كل هذه البيانات ستكون في متناول كل شخص، وكل فرد ستكون له بصمته الشخصية من البيانات، فبمجرد استيقاظ الناس من النوم، فإن البيانات الصحية الخاصة بكل إنسان ستكون أمام عينيه، مثل دقات قلبه، وضغط دمه، ودرجة حرارته، وإذا كانت هناك مخاطر فسيتم تنبيههم، وإبلاغ الطبيب -الذي يتعاملون معه- بشكل تلقائي عن حالاتهم الصحية التي قد يتعرضون لها.

دور محوري للذكاء الاصطناعي

مع الكم الهائل من البيانات الصحية سيتم الاستعانة بالذكاء الاصطناعي لتحليلها، بحثا عن أي علامات أو مخاطر صحية قد يتعرض لها البشر، وسيساعد الذكاء الاصطناعي في اكتشاف المشاكل الصحية مقدما، وتشخيص الحالات بسرعة وكفاءة، وذلك كما تقول الدكتورة ليز كاو في مقالة لها نشرها مؤخرا موقع “موبي هيلث نيوز” (mobihealthnews)، حيث ناقشت طرق واستعمالات الذكاء الاصطناعي المتعددة في تحسين الرعاية الصحية، مؤكدة أن الذكاء الاصطناعي يعمل على إعادة تشكيل قطاع الرعاية الصحية بالكامل في العالم، وسيكون له دور محوري في المستقبل.

وتؤكد الكاتبة أن أنظمة الذكاء الاصطناعي ستكون مسؤولة أيضا عن تحليل الأنماط الصحية في جميع أنحاء العالم لتتبع الأوبئة وانتشار الأمراض، كما ستؤدي الأبحاث المدعومة بالذكاء الاصطناعي إلى تطوير علاجات وأدوية جديدة للأمراض بشكل أسرع بكثير، وهذا هو السبب في أن شركات الأدوية الكبرى تتجه حاليا بالفعل إلى استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في اكتشاف الأدوية.

وكلما أصبح الذكاء الاصطناعي أكثر تطورا فسيكون اكتشاف العلاجات والأدوية للأمراض المستعصية أكثر سرعة وفعالية، ولهذا يتوقع اكتشاف أدوية ولقاحات لأمراض مثل الإيدز وبعض أنواع السرطان في وقت أبكر بكثير من عام 2050.

محاربة الشيخوخة وإطالة العمر

إلى جانب القضاء على الأمراض، ستتحسن الصحة أيضا في منتصف القرن عبر طريقتين: الأولى هي انخفاض معدل وفيات الأطفال الرضع والنساء في أثناء الولادة في دول العالم النامي، والثانية تتمثل في علاجات طول العمر التي تحارب الشيخوخة وتعكس مسارها كي يعيش الناس مدة أطول، وبصحة جيدة في دول العالم المتقدم.

في عملية الشيخوخة الطبيعية، تتقلص -بمرور الوقت- متواليات النوكليوتيدات المتكررة في نهايات الكروموسومات الخطية، التي تعرف باسم “التيلوميرات” (telomeres).

ويقود هذا في النهاية إلى تلف الخلايا وموتها، وظهور الأمراض المرتبطة بتقدم العمر. ولكن مع وجود الروبوتات النانوية القادرة على الوصول إلى الكروموسومات، يمكن إطالة التيلوميرات بشكل دوري لإبطاء الشيخوخة وإطالة عمر الإنسان.

ويبلغ متوسط عمر البشر حاليا 72.6 عاما، وسيرتفع عام 2050 إلى 115 عاما وأكثر، وذلك بفعل الروبوتات النانوية التي سيكون لها دور حاسم في مكافحة الأمراض والشيخوخة وإطالة العمر، كما تؤكد الباحثة والكاتبة ليز ستينسون في مقالة لها نُشرت حديثا على موقع “ألور” (Allure).

الأمراض النفسية والعقلية مشكلة الزمن القادم

في الوقت الذي سيتم فيه تحسين الصحة وإطالة العمر، والقضاء على العديدة من الأمراض الفتاكة السائدة الآن، فإن أمراضا جديدة ستظهر لتحل محلها، وستؤدي المخاطر البيئية إلى مشاكل صحية عديدة للبشر.

وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يتفوق الاكتئاب والأمراض العقلية على أمراض القلب لتصبح أكبر مصدر للقلق الصحي في العالم. ومن أهم عوامل زيادة هذه الأمراض المشاكل الاقتصادية مثل الديون والبطالة، وأخرى اجتماعية مثل العنف المنزلي وضغوط العيش في المدن، إضافة إلى الحروب والتدهور البيئي والكوارث.

وسيلعب تغير التركيبة السكانية دورا أيضا -خاصة- فيما يتعلق بالعمر. فحسب منظمة الصحة العالمية، ستتضاعف نسبة البشر الذي يبلغون من العمر 60 عاما وأكثر إلى ملياري شخص عام 2050، وسيعاني نحو 20% من هؤلاء من أمراض الخرف والزهايمر وباركنسون وغيرها.

وسيكون الاكتئاب هو مرض العصر في عام 2050، حيث سيطغى على غيره من الأمراض، ومع ذلك فإن التقدم في علم الأعصاب، والتطور الكبير في اكتشاف وصنع الأدوية سيعني أيضا أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب سيكونون قادرين على الحصول على علاج فعال.

مع الطب النانوي لا حاجة للأطباء

من المتوقع أن تزداد طرق الرقابة على الصحة مع التطور الكبير الذي تشهده الإلكترونيات المدمجة داخل جسد الإنسان، وهي عبارة عن رقائق ومستشعرات إلكترونية دقيقة يمكن زرعها داخل الجسد لمراقبة معدل نبضات القلب، ووظائف الكبد والكلى والجهازين الهضمي والتنفسي، ونشاط الدماغ بحثا عن أي مخاطر يمكن أن يتعرض لها البشر.

ويمكن لهذه الأجهزة نفسها أيضا إطلاق الأدوية حسب الحاجة، التي ستكون مفيدة بشكل خاص للأشخاص الذين يعانون من أمراض السكري والاضطرابات العصبية، حيث يوجد نوعان من هذه المستشعرات، الأول الذي يراقب وظائف الجسد، والثاني الذي يضخ الأدوية لعلاج الخلل المكتشف.

ومن المتوقع أن ينتشر استخدام الروبوتات النانوية بشكل هائل، وهي عبارة عن روبوتات صغيرة جدا لا يتجاوز قطرها بضعة مايكرونات، وهي أساس ما يعرف باسم الطب النانوي، حيث من المتوقع أن تبلغ القيمة السوقية للطب النانوي 334 مليار دولار عام 2025، و19 ترليون دولار عام 2050.

ومن المتوقع أن يأخذ الطب النانوي أشكالا متعددة في منتصف القرن، بما في ذلك المستشعرات النانوية والروبوتات النانوية.

وسوف تأخذ مستشعرات النانو شكل آلات صغيرة مجهزة ببواعث راديو أو مقاييس طيفية، وسيتم إدخالها داخل الجسد لفحص دم المستخدم، بحثا عن علامات عدم التوازن الكيميائي أو البكتيريا أو الفيروسات أو الخلايا السرطانية، وكل ما من شأنه تعريض صحة البشر للخطر.

ومن المرجح أن تصبح الروبوتات النانوية الوسيلة السائدة لتوصيل الأدوية إلى الأنسجة والخلايا المريضة، وقد أثبتت الجسيمات النانوية التي تحتوي على سم النحل أنها فعالة جدا في قتل الخلايا السرطانية من دون أن تصاب الخلايا السليمة بالأذى، عكس ما يحدث في العلاجات الكيماوية التي تستخدم في محاربة السرطان.

وستقل الحاجة إلى الفحوص والكشوف الطبية المباشرة، فستقوم الأجهزة والتطبيقات والذكاء الاصطناعي بإجراء كشوف دقيقة جديدة، ووصف العلاج المناسب من غير الحاجة لرؤية الطبيب، الذي سيتراجع دوره كثيرا في المستقبل، وحتى في العمليات الجراحية ستقوم الروبوتات بأغلب العمل إن لم يكن كله.

علاج العمى وفقدان السمع

ستتطور أيضا صناعة الأعضاء مثل الأيدي والأرجل الصناعية التي ستصبح أخف وزنا، وأكثر فعالية بكثير بالذات مع تطور علم التحكم الآلي، وسيكون هناك غرسات عينية للمرضى الذين يعانون من فقد البصر، وهو ما يعني معالجة العمى بشكل نهائي، بينما يمكن لقوقعة الأذن الاصطناعية وعظام الأذن علاج فقدان السمع.

كما يمكن لمحفزات الجينات الوراثية، التي تعتمد على نبضات الضوء لتحفيز العضلات، أن تعالج إصابات العضلات والأنسجة الرخوة التي قد تتطلب حاليا سنوات من الجراحة والعلاج الطبيعي ومسكنات الألم.

ولعل الابتكار الأهم هو الغرسات العصبية التي من المتوقع أن تكون شائعة جدا بحلول منتصف القرن، حيث يمكن استخدام هذه الغرسات لمعالجة إصابات الدماغ والأمراض العصبية بأنواعها.

التحرير الجيني والطباعة الحيوية

في عام 2012، تم التوصل إلى واحدة من أهم النتائج في تاريخ الطب وعلم الأحياء عندما نشرت جينيفر دودنا وإيمانويل شاربينتير بحثا أشار إلى أن البروتين المسمى “كيس9” (Cas9) يمكن برمجته باستخدام “الآر إن إيه” (RNA) وهو الأمر الذي فتح الباب أمام التحرير الجيني (genome editing) حيث أصبح بالإمكان تغيير بنية الحامض النووي لإزالة أو إضافة تسلسلات جديدة.

وفي العقود القادمة، من المتوقع أن تؤدي التحسينات في تحرير الجينوم إلى تغيرات هائلة في الهندسة الوراثية مما يعني القضاء على العديد من الأمراض الوراثية، وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تصبح العلاجات الجينية متاحة تجاريا بشكل واسع بحيث تصبح هذه العلاجات قادرة على استعادة البصر والسمع، وعلاج أمراض باركنسون والزهايمر والشلل وغيرها من الأمراض التي كانت مستعصية على العلاج سابقا.

وتشمل خيارات العلاج الأخرى -التي ستصبح شائعة بحلول منتصف القرن- العلاج بالخلايا الجذعية، ومن المتوقع أن تصبح صيدليات الخلايا الجذعية، التي توزع علاجات الأنسجة، متاحة تجاريا في العالم المتقدم عام 2030، حيث تقدم علاجات موجهة لتجديد أجزاء الجسم والأعضاء التالفة.

إن التوافر المتزايد للخلايا الجذعية سيكون له أيضا آثار بالغة على الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد التي تتضمن استخدام الخلايا الجذعية لتصنيع المواد البيولوجية، بما في ذلك الجلد البديل والعظام والأعضاء وأجزاء الجسد البديلة.

وبعد، فإن المقياس الأهم والأرقى للحضارة ومدى تقدم البشرية هو كيفية تحسين صحة البشر والقدرة على القضاء على الأمراض والآلام التي فتكت بالبشر على مدى آلاف السنين.

وبحلول عام 2050، سنكون قد أحرزنا تقدما مذهلا، واستطعنا علاج بعض من أكثر الأمراض فتكا، وتحسين نوعية الحياة لمليارات البشر في جميع أنحاء العالم… إن الطريقة التي نعالج بها المرضى والمصابين هي الطريقة الأرقى كي تجد البشرية نفسها من جديد.

قد يعجبك ايضا